سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ليبيا: وسط طرابلس يتحول كل ليلة إلى مرقص ليلي و«ديسكو ثوري» لتأييد «الأخ القائد» سكان في العاصمة ل «الشرق الأوسط»: معلومات عن استعانة القذافي بأحداث وسجناء سابقين ضمن الدروع البشرية
"الشرق الاوسط" القاهرة: خالد محمود وعمرو أحمد في عاصمة بات سكانها يسمعون، ربما يوميا، صوت هدير محركات الطائرات الحربية المقاتلة التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تمخر عباب السماء، ملقية بالصورايخ والقنابل على بعض الأهداف العسكرية التابعة لنظام العقيد معمر القذافي، تتحول ثكنة باب العزيزية وما حولها، حيث مقر «الأخ القائد» الذي يتولى السلطة منذ 42 عاما، إلى ما يشبه الملهى الليلي؛ حيث يتمايل مئات الشباب من الجنسين على أنغام الموسيقى التي تتغنى بالقذافي وإنجازاته في مواجهة من يعتبرهم القذافي حفنة من متعاطي حبوب الهلوسة والمخدرات الذين يطالبونه بالتنحي. وبينما يصر القذافي على أنه يتمتع بالولاء الكامل من سكان العاصمة الليبية طرابلس في مواجهة من تمردوا على حكمه في مختلف المدن الليبية اعتبارا من 17 فبراير (شباط) الماضي، يقول بعض مواطني المدينة إن الحشود التي يستخدمها القذافي دروعا بشرية لحمايته إزاء القصف الجوي والصاروخي لطائرات حلف الناتو لا تعبر عن الموقف الحقيقي لنحو مليون ونصف مليون نسمة من سكان المدينة. وعلى وقع الانفجارات التي تستهدف مقر القذافي وقواته العسكرية في باب العزيزية، وعلى مرمى حجر في ميدان الساحة الخضراء بطرابلس، تقام كل ليلة حفلات «ديسكو» جماعية يرقص فيها الشباب والفتيات على أنغام فرق موسيقية تصدح بأغنية «الله ومعمر وليبيا وبس». ومن حين لآخر يأتيك صوت القذافي وهو يردد عباراته السينمائية الشهيرة: «ردوا عليهم»، بينما يبث التلفزيون الرسمي، معظم الوقت، مسيرات صغيرة لنساء وأطفال مدارس وهم يحملون صور القذافي والعلم الأخضر الذي يدل على نظام حكمه، وهم يهتفون تأيدا للقائد المختبئ في مقر إقامته الحصين في ثكنة باب العزيزية. وعلى شاشة التلفزيون الليبي الحكومي فقط يمكنك أن ترى لقطات فريدة تظهر بعض النساء الطاعنات في السن وهن يحملن السلاح في مشهد غير مسبوق. ولم يسلم أطفال المدارس صغار السن من حشدهم ودفعهم للتظاهر لتأييد القذافي وهم يهتفون: «الشعب يريد معمر»، كما يهتفون بحياة الثورة ضد الرجعية والعملاء، رافعين الشعارات التقليدية المؤيدة للانقلاب العسكري الذي قاده الملازم أول معمر القذافي ضد حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي في 1 سبتمبر (أيلول) 1969. يحتار الليبيون والثوار المناوئون لنظام القذافي في تفسير هذا الحماس منقطع النظير، الذي يظهره آلاف الليبيين صغار السن من تأييد وتعاطف مع نظام بات غيرهم في مختلف المدن الليبية يطالبونه بالتنحي والتخلي عن السلطة كما فعل سابقا الرئيسان السابقان التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك. وبينما لا يسمح النظام الليبي لمعارضي القذافي بتحدي قبضته الأمنية والإعلامية في شوارع طرابلس وتستخدم الكتائب الأمنية الموالية للقذافي الرصاص الحي وخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لإحباط أي مظاهر تنم عن محاولة للانتفاضة على نظام القذافي، فإن السلطات الليبية تظهر تسامحا كبيرا مع مؤيدي القذافي، في المقابل. في كل ليلة يتدفق هؤلاء إلى ميدان الساحة الخضراء متشحين الأعلام الخضراء واللافتات التي تعبر عن تأييدهم الهستيري للقذافي الذي لطالما ردد مقولة إنه ليس بن علي ولا مبارك، وإن الأوضاع في ليبيا مختلفة كلية عما جرى آنفا في البلدين المجاورين حدوديا لها. وعلى أنغام الموسيقى الهادرة التي تصدر من منصة أقيمت على مقربة من المنزل المهدم للقذافي، يتمايل الجميع كأنهم في حفل عرس أو مناسبة سعيدة. ويتبارى الجميع في الرقص على وقع الكلمات ذات الطابع الوطني والحماسي التي لا تتناسب مطلقا مع المشهد الذي يشبه إلى حد كبير مرقصا ليليا ثوريا. يزدحم ميدان الساحة الخضراء بمواطنين يرتدون أزياء مدنية ولديهم القدرة على التجمع هكذا معظم الوقت، خاصة في الساعات المتأخرة من المساء وحتى الساعات الأولى من الصباح. وبينما يقول أنصار القذافي إنهم مواطنون عاديون يرفضون محاولات دول التحالف الغربي التدخل عسكريا لإسقاط نظام الرجل الذي يحكمهم منذ نحو 42 عاما، يرى المعارضون للقذافي أن من يؤيدونه هم إما شباب صغير السن وإما منتفعون ماليا وماديا من هذا المشهد. في طرابلس ثمة من يهمس عبر الهاتف بأن من هم في ميدان الساحة الخضراء تم جمعهم من الملاجئ الكثيرة المنتشرة في المدينة، بالإضافة إلى خريجين حديثي العهد بمؤسسات الإصلاح والتأهيل للأحداث في محاولة من السلطات الليبية لإظهار أن القذافي ما زال يتمتع بولاء سكان العاصمة طرابلس. قال أحد سكان طرابلس ل«الشرق الأوسط»: هؤلاء ليسوا ليبيين بالكامل، إذا دققت في ملامحهم ستكتشف أنهم ليسوا من أهل هذا البلد، لقد استقدمهم القذافي من الخارج، هو، منذ سنوات، دأب على جلب أطفال غير معروفي النسب ويشرف على تنشئتهم بدعوى العمل الخيري، في الحقيقة هؤلاء هم دروعه البشرية. وأضاف: «إذا اقتربت منهم ستجدهم يتحدثون بلهجة غير ليبية، هذا مؤكد، النظام يضمن ولاء هؤلاء أكثر من الشعب الأصلي». وسبق أن ردد حقوقيون ليبيون معلومات عن قيام ميليشيات نظام القذافي بخطف أسر ليبية من بيوتها في طرابلس، وسط مخاوف من احتمال استخدامهم دروعا بشرية في أماكن أعلن النظام أنها مستهدفة من قبل القوات الدولية. وقال حقوقي ليبي ل«الشرق الأوسط»: هذا النظام لم يتورع عن وضع أطفال دور الرعاية ونساء من سجن النساء في مقر معسكر باب العزيزية، لحماية القذافي. في المقابل، سخر مسؤول حكومي ليبي مما وصفه «المزاعم الكاذبة»، وقال ل«الشرق الأوسط»: «هؤلاء المعارضون مرضى نفسيا، لا يتصورون أن الشعب الليبي، باستثنائهم، يؤيد القذافي». ونفى أن تكون السلطات الليبية تستعين بأحداث أو مجرمين سابقين لإظهار أن ثمة تأييدا شعبيا جارفا ومؤيدا للقذافي. ومع ذلك، قال أحد سكان حي فشلوم في طرابلس ل«الشرق الأوسط»: «نعلم جيدا أن القذافي يستعين بخارجين عن القانون.. إنه يستعين بالأحداث في قضايا سرقات ومخدرات وأفرج عنهم وأطلقهم وسلحهم على الرغم من أن عليهم أحكاما قضائية». وأضاف المواطن، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول (محمد) خشية تعرضه للانتقام على الرغم من أنه كان يتحدث عبر هاتف متصل بالأقمار الصناعية: «هؤلاء عليهم أحكام (قضائية) وبالتالي إذا أفرج (القذافي) عنهم فولاؤهم حتما سيكون له، خاصة إذا أعطاهم المال وتغافل عن سوء سلوكهم الأخلاقي». وتحدث عن تسليح الشباب وتدريبهم على استخدام السلاح لمساعدة القوات الأمنية الموالية للقذافي مقابل أجر يومي، وقال: «هؤلاء يحصلون على حصة تموينية من المخدرات وبعض المال، النظام يريد أن يضمن ولاءهم؛ لذلك يغدق عليهم الكثير». وعلى الرغم من حرص نظام القذافي على إظهار صورة وردية للحياة الطبيعية من وجهة نظره لسكان العاصمة فإن المعلومات الواردة من المدينة تؤكد، في المقابل، أن هناك ارتفاعا ملحوظا في أسعار معظم المواد الغذائية. وقال سكان في المدينة ل«الشرق الأوسط»: «المدينة تعاني نقصا حادا في الوقود، الآن يمكنك فقط أن تملأ خزان سيارتك مرة واحدة خلال 48 ساعة، بموجب بطاقة وزعتها السلطات المحلية». وفي محاولة لتقليل الطوابير المزدحمة على محطات بيع الوقود للسيارات، لجأت السلطات إلى تقنين عملية البيع، بينما قالت إنه جاء ردا على محاولة البعض استغلال الظروف الحالية والمتاجرة بسعر الوقود. وفي مؤشر على أن طرابلس قد تكون بصدد أزمة غذائية حادة، ارتفع سعر كيلو الأرز ليصل إلى 4 دنانير، بينما قفز سعر الدقيق من نصف دينار إلى نحو دينارين. كما تصاعد سعر أنبوبة البوتاغاز إلى نحو 50 دينارا مرة واحدة، بينما يشكو المواطنون المحليون من صعوبة الحصول على احتياجاتهم الضرورية حتى مع ارتفاع السعر. وقال ساكن في أحد أحياء طرابلس ل«الشرق الأوسط»: «يندر أن يجد المواطن العادي أنبوبة بوتاغاز، السلطات تمنع توزيعها إلا على بعض المقربين من النظام، هذا عمل لا أخلاقي». وأضاف: «تقريبا سنعود إلى مرحلة العصور الوسطى. سكان العاصمة في مأساة حقيقية: المياه شبه مقطوعة، وزجاجات المياه المعدنية التي كانت تأتي من مناطق الجنوب، خاصة الكفرة وسبها، أصبحت منعدمة». ورأى أن استمرار هذا الوضع يعني أن سكان طرابلس لن يكون أمامهم خيار سوى تحدي قبضة القذافي في عقر داره، مضيفا: «سيخرجون عليه غضبا من الجوع والإرهاب». على صعيد متصل، اتهم ياسين السمالوسي، أمين عام اتحاد الثوار الليبيين في مصر، مسؤولين ليبيين بالقاهرة بمحاولتهم استئجار مرتزقة لتصفيته أمام مقر جامعة الدول العربية أثناء وجوده هناك للضغط على المسؤولين للاهتمام بالشأن الليبي، بالإضافة إلى الاعتداء على الثوار الليبيين أمام جامعة الدول العربية، يوم الخميس الماضي، الذي أسفر عن إصابة 5 أشخاص بينهم مصري. وقال السمالوسي ل«الشرق الأوسط»: «قدم فتحي إلياس، رئيس الجالية الليبية في مصر، بلاغا إلى المجلس العسكري المصري والنائب العام منذ 10 أيام، اتهم فيه مسؤولين ليبيين بتجنيد عناصر من المرتزقة داخل مصر ومحاولتهم تصفيتي منذ 19 يوما من قبل ما يقرب من 200 بلطجي من أنصار ألقذافي». وروى السمالوسي هذه الواقعة قائلا إنه دائما يتوجه إلى مقر الجامعة كمحاولة للضغط على المسؤولين لاتخاذ خطوات حاسمة لأجل ليبيا. وأضاف: «أثناء وجودي مع ثلاثة من الأصدقاء قفز أتباع القذافي من عدة حافلات حاملين أسلحة بيضاء وعصيا وهجموا علينا. ولجأت إلى الشرطة المصرية بعد أن حاولنا الدفاع عن أنفسنا». كما أشار السمالوسي إلى أنه لا يصدق أن أحمد قذاف الدم، المبعوث الشخصي للقذافي الذي أعلن أنه استقال من منصبه قبل نحو شهر، قد انشق عن القذافي، مشيرا إلى وجود دور ما يلعبه قذاف الدم لصالح القذافي على الرغم من نفي الأول هذه الاتهامات في السابق.