يمثّل التّراث العمراني التاريخي للمغرب ثروة وطنية لا مثيل لها، ويُعدّ مرآة تعكس البُعد الحضاري لهذه الدولة وجذورها المترامية الضاربة في عمق التاريخ، وهو ثروة حضارية تهتمُّ بها الشعوب والأمم على اختلافها لأنها تجد فيها هوّيّتها وأصالتها فتسعى إلى العناية به وحمايته، وتعمل على إكمال مسيرة تطورها لتبقى دائما متوائِمة مع ظروف عصرها والتحولات الحضارية التي تعيشها، فشواهد ومعالم التراث المعمارية المتجسدة في المباني والمدن التاريخية، والمواقع الأثرية، تمثّل الرمز المادّي الذي يجسد تاريخ الأمم وتراثها الحضاري والعمراني بأبعاده التاريخية والثقافية والجمالية والفنية المؤثرة في وجدان الشعوب. ومدينة العرائش باعتبارها أحد الأمثلة للمدن المغربية ذات التّراث الحضاري والمعماري ومن أهمّ ميزات مدينتها القديمة هي أنها لا تزال حيّة، وتمثّل قلب المدينة النابض سواء من الناحية الاقتصادية مثل سوق الصغير ومحيط المرسى (الميناء). أو الدينية، المسجد الأعظم، ومسجد الأنوار، ومسجد الزاوية المصباحيّة، ومسجد الزاوية الناصرية، وباقي الزوايا الأخرى. أو الثقافيّة، فندق زلّيجو الذي كان مأوى لِطلاب العلم، والمدرسة الأهلية، والمعهد الموسيقي، إضافة إلى المستشفى المدني بالكَبيبات.
المخاطر التي تهدد التراث العُمراني: يتعرض التراث العمراني لعدد من العوامل المؤثرة التي تهدد بقاءه كتراث إنساني وتعرّضه للتّدمير أو التّشويه، وتأخذ هذه العوامل أشكالا متعددة منها: -أعمال الهدم والتّخريب والسرقة. -السّعي إلى التخلُّص من الأحياء السكنية القديمة بسبب المضاربات العقارية. -تكريس الفكر المعماري الغربي، وتقليد أشكاله وقوالبه من طرف المعماريين المحليين. -التّرميم الخاطئ كاستعمال الإسمنت الأسود الذي يؤدي إلى تسرُّب الأملاح للجدران واستعمال الجبس يؤدي إلى تسرب الرطوبة في المباني. -الحرائق والحروب، والرياح والعواصف، والأمطار والسيول والزلازل والرطوبة، إلى غير ذلك من العوامل. الحفاظ على التراث العمراني: إن الحفاظ على النسيج الحضري والإبقاء على أصالة المعايير التخطيطية والمعمارية للمدن العتيقة، يكون على مستويات متعددة، وهو مرتبط بشكل أساسي بالصّيانة، حيث يعتبر الحفاظ عليها عملية متداخلة ومتشعبة وذات شمولية، لأنها تتطلّب مجموعة من الشروط والإجراءات العلميّة، والدراسات الميدانيّة والخبرات الفنيّة، التي يتم على أساسها الحفاظ على النسيج الحضري، وصيانة الأبنية مع الإبقاء على طابعها المعماري جماليّا ووظيفيًّا… وهنا يأتي دور المواءَمة بين متطلبات العصرنَة والتطورات التكنولوجية من خلال مواد وتقنيات البناء والخدمات، وبين المعايير التخطيطية والمعمارية لأحياء المدينة القديمة وَأزقتها وتحسين البيئة والمحافظة عليها. إذ تطورت كثيرا أساليب الحفاظ على السمات العامة للمدن والعمارة التقليديّة مع ازدياد ارتباطها بالاختصاصات العلمية المتعددة كالهندسة والكيمياء والعلوم الطبيعية والجيولوجية.. إن سياسة الحفاظ على التراث العمراني من صيانة وترميم، وتكييف وإعادة استخدام وإعادة تشكيل وإحياء وتجديد تسمح للتراث العمراني بتحقيق فوائد جمالية وبيئية واقتصادية.. وأخيرا، فإن هذا ما عنَّ لنا وسجّلناه في هذا المجال إبرازًا لمكانة التراث الفنّي المعماري، وهي دعوة لصيانته والمحافظة عليه.. ونأمل أن يلقى التراث المعماري، في كل مكان العناية التي يستحقها.. وإننا إذ نصونه نقوم بواجبنا تُجاه أجدادنا ‘‘الفنانين المُرهفِي الذّوق'' الذين تركوا لنا تراثا معماريا خالدا، نستمتع بجماله، تراثا علينا بذْلُ كلّ ما نستطيع للحفاظ عليه، ففيه تاريخنا الإسلامي العربي الذي نقدمه للعالم كدليل حضارة نزهُو بها، وشاهد لا يبلى على أن أجدادنا قد أخذوا عمّنْ سبقهم فأحسنوا الأخذ، ثم أعطوا فأحسنوا العطاء، مضيفين للتراث الإنساني ذخيرة وأَيّمَا ذخيرة..