" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " (سورة الروم) 41 . أكثر ما أثارني هذا الأسبوع كما أثار عددا من المشاهدين مما لا ريب فيه ، بالنظر لحالة الشاب ربيع بنهيمة المصاب بمرض التصلب اللويحي إلى حد الإعاقة عن الحركة ، ما شاهدته وشاهده آخرون من خلال برنامج " بدون حرج " في قناة ميدي 1 TV ... لقد كان البرنامج حقا مؤثرا إلى حد البكاء واستطاع أن يبلغ الرسالة إلى كل من يهمه أمر المغرب ومستقبله من خلال موضوع مرض التصلب اللويحي وحالات مواطنين أصابهم المرض الذي يسمى أيضا مرض التصلب المنتثر أو التهاب الدماغ والنخاع المنتثر ، وهو التهاب ينتج عن تلف الفساد العازل للعصبونات في الدماغ والحبل الشوكي مما يؤدي الى تلف قدرة أجزاء من الجهاز العصبي على التواصل وبالتالي إلى ظهور عدد من الأعراض والعلامات المرضية منها أعراض عضوية أو إدراكية عقلية واحيانا إلى مشاكل نفسية . لا يوجد علاج معروف لهذا المرض باستثناء علاجات تحسين وظائف الجسم ومنع حدوث نوبات جديدة ، لكنها مكلفة جدا قد تبلغ 30.000,00 درهم (ثلاثين الف درهم) شهريا ، كما في حالة الشاب ربيع بنهيمة الذي أصابه المرض بحصوله على شهادة الماستر وشروعه في بحثه عن عمل من أجل استقراره والانفاق على أسرة في أمس الحاجة الى من ينفق عليها ... لكنها وجدت نفسها أخيرا أمام شاب معاق حركيا في حالة انتكاسة دائمة صار على الام المسكينة أن تصبح سنده والقائمة بكل شؤونه وفي كل أحواله حتى داخل الحمام ، في ظروف اجتماعية قاهرة من دون تغطية صحية أو مبالات من الدولة التي لم توفر له ولغيره من المرضى أمثاله سبلا للاطمئنان على مستقبل علاجهم أو مركزا خاصا لهذا الغرض يكفلهم بخلاف ما هو الحال عليه في الدولة التي تحترم مواطنيها وحقوقهم قولا وفعلا في العيش الكريم ، رغم مرور ما يقرب من ستين سنة على استقلال الوطن الذي ضحى الناس من أجله بكل غال ونفيس . لقد كان موضوع برنامج " بدون حرج " ليوم 24 غشت 2015 إحراجا حقيقيا للدولة ومعبرا عن واقع المجتمع فيها الذي أصابه مرض التصلب السياسي / الإجتماعي الذي أتلف قيمه الأدبية وأفسد إمكانياته المادية وعطل قدراته عن حكم ديموقراطي صادق يتمتع بتوزيع حقيقي للسلطات وباستقلال كامل عن بعضها ، يقوم الشعب فيه بدور محور ويكون سيد قراراته في اختيار ممثليه في المجالس المنتخبة وفي الهيئات المنتدبة اختيارا حرا ونزيها من دون تأثير أو وصاية ، للوصول إلى مجتمع تعادلي في الحقوق والواجبات لا توجد فروق كبيرة بين فئاته، يطمئن فيه الكل على حاله وعلى مستقبله في العيش الكريم والعدل الموجود والتعليم المفيد والصحة الموفورة والعمل الشريف الأمن العميم والتوزيع العادل لخيرات الوطن . هذا المرض المنتثر السياسي / الاجتماعي ، الذي لم ينفع معه المسلسل الديمقراطي الذي شرع فيه منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني المذكور بالخير ولا الإجراءات التي اتخذها خلفه الملك محمد السادس منذ توليه عرش أسلافه سواء في الميدان السياسي أو الميدان الإداري أو الميدان الاجتماعي وفي غيرها من المجالات ، مما اضطره في السنوات الأخيرة إلى تسخير كل خطبه لتعرية الواقع المعاش وإعلان موقفه منها والدعوة الصريحة والواضحة إلى العمل على تجاوزها ، واتخاذ التدابير اللازمة للحد منها ولعلاجها .
وحيث أنه لا حياة لمن تنادي كما يقال فإن دار لقمان لم تزد فيها الأحوال إلا فسادا ولا أوضاع المواطنين فيها إلا معاناة ويأسا سواء في الجماعات المحلية بسبب "عدم رضا المواطنين على المجالس المنتخبة" التي أفسدها أغلب المنتخبين وتسابقت على المناصب فيها كل الأحزاب من دون تأطير صحيح أو قانوني لمرشحيها أو تربية لهم على المواطنة بالإضافة إلى عدم قدرتها على اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد المتجاوز منهم والفاسد فيهم ، أو في غيرها من المجالات المنتخبة بما فيها البرلمان أو غير المنتخبة كالإدارة الترابية . لهذا وأمام ما يعرفه "العالم اليوم والمنطقة المغاربية والعربية خاصة ، من تطورات متسارعة بسبب تنامي نزوعات التطرف باسم الدين ... " من خطاب الملك يوم 20 غشت 2015 . فإن الوطن يستوجب ثورة أخرى سياسية على كل مظاهر الفساد الانتخابي المسؤول عن الجزء الأكبر من مشاكل المغرب وعلى كل أسباب الانحراف الإداري وضعف الحكامة ، مع مضاعفة جهود الحاكمين والمحكومين لتحصين البلاد ضد الجهل والفقر والتطرف لأننا كلنا مسؤولون ...