الإعلان في المغرب عن تأسيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الناظور..جمعية مغرب الثقافات والفنون تنظم الدورة الثانية لمهرجان أنيا للثقافة الأمازيغية    وقفة احتجاجية تضامنا مع سعيد آيت مهدي أبرز المدافعين عن ضحايا زلزال الحوز    هولندا.. شرطة روتردام تحذر المواطنين بعد 3 حوادث إطلاق نار لنفس الشخص    وزير خارجية سوريا يصل الدوحة في أول زيارة لقطر    88 قتيلا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    دوري أبطال إفريقيا: الرجاء الرياضي يفوز على ضيفه ماميلودي صن داونز '1-0'    تاوسون تتوج بدورة أوكلاند للتنس بعد انسحاب اليابانية أوساكا    برشلونة يعلن جاهزية لامين يامال    انخفاض المبيعات السنوية لهيونداي موتور بنسبة 1,8 بالمائة    "ميتا" تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتطوير تجربة التواصل الاجتماعي    عصابة للتنويم المغناطيسي تسرق ملايين الدينارات بلمسة كتف في بغداد    مصر تترقب بقلق صعود إسلاميي تحرير الشام إلى السلطة في سوريا    "ه م " لعبد الله زريقة تمثل المغرب في الدورة ال 15 لمهرجان المسرح العربي بسلطنة عمان    خبراء مغاربة يؤكدون عدم وجود تهديد استثنائي من "فيروس HMPV"    مصرع شخصين إثر تحطم طائرة خفيفة قبالة الساحل الشرقي لأستراليا    تفاصيل متابعة جزائري بالإرهاب بفرنسا    فيروس رئوي جديد يثير قلقا عالميا    "أدناس" يستحضر تيمة "الشعوذة"    المغرب يفرض "رسما مضادا للإغراق" ضد الأفران الكهربائية التركية    مطالب للحكومة بتوعية المغاربة بمخاطر "بوحمرون" وتعزيز الوقاية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    إسرائيل تؤكد استئناف المفاوضات مع حماس بقطر وكتائب القسام تنشر فيديو لرهينة في غزة    آخر الأخبار المثيرة عن حكيم زياش … !    المرأة بين مدونة الأسرة ومنظومة التقاعد    5.5 مليار بيضة و735 ألف طن من لحوم الدواجن لتلبية احتياجات المغاربة    المشاركون في النسخة ال16 من لحاق أفريقيا ايكو رايس يحطون الرحال بالداخلة    هزيمة جديدة للمغرب التطواني تزيد من معاناته في أسفل ترتيب البطولة الاحترافية    حادث سير بشارع الإمام نافع في طنجة يعيد مطالب الساكنة بوضع حد للسرعة المفرطة    أمن مراكش يحجز 30 ألف قرص طبي    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تُعلن تشغيل المسار البرتقالي من قطار الرياض    "نصاب" يسقط في قبضة الشرطة    جنازة تشيّع السكتاوي إلى "مقبرة الشهداء".. نشطاء يَشهدون بمناقب الحقوقي    إحراج جديد لنظام الكابرانات أمام العالم.. مندوب الجزائر بالأمم المتحدة ينتقد وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية علنًا    يوسف أخمريش يُجدد العقد مع توتنهام الإنجليزي    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من أقاليم الشمال    منيب: نريد تعديلات لمدونة الأسرة تحترم مقاصد الشريعة لأننا لسنا غربيين ولا نريد الانسلاخ عن حضارتنا    تامر حسني يخرج عن صمته ويكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل    بعد 23 من تبني اليورو .. الألمان يواصلون تسليم المارك    سليم كرافاطا وريم فكري يبدعان في "دا حرام" (فيديو)    رالي "أفريكا إيكو ريس".. تجاهل تهديدات البوليساريو والمشاركون يواصلون رحلتهم على أراضي الصحراء المغربية    "ضحايا النظامين الأساسيين" يصعدون بوقفة احتجاجية أمام وزارة التربية    تداولات الأسبوع في بورصة الدار البيضاء    بطولة انجلترا.. الفرنسي فوفانا مهدد بالغياب عن تشلسي حتى نهاية الموسم    خبراء يحذرون من استمرار تفشي فيروس "نورو"    تشاينا ايسترن تطلق خط شنغهاي – الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    افتتاحية الدار: الجزائر بلد الطوابير.. حين تصبح العزلة اختيارًا والنظام مافياويًا    عبد الرحمان بن زيدان.. قامة مسرحية شامخة في الوطن العربي بعطائه المتعدد وبَذْله المُتجدّد    الموسم الثاني من "لعبة الحبار" يحقق 487 مليون ساعة مشاهدة ويتصدر قوائم نتفليكس    الشاعرة الأديبة والباحثة المغربية إمهاء مكاوي تتألق بشعرها الوطني الفصيح في مهرجان ملتقى درعة بزاكورة    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدونة الأسرة المغربية بين الحاجة المجتمعية و جمود علماء السلطان
نشر في العرائش أنفو يوم 30 - 12 - 2024


العلمي الحروني
مدونة الأسرة مسألة ذات أهمية ثقافية فكرية مجتمعية بأبعاد قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية يحكمها الهابيتوس الاجتماعي والموروث الثقافي والديني.
يتعلق الأمر بوثيقة مرجعية مهمة لتدبير شؤون الأسرة المغربية بعلاقة مع المجتمع كنواة أساسية له وبيان حقوق والتزامات الزوجين وحقوق الأبناء وتنظيم مآل مالية الأسرة، لم يتم مراجعة هذه الوثيقة منذ عقدين أي منذ سنة 2004 وهي مدة طويلة حصلت خلالها تطورات كثيرة في الوقت الذي وجب ان تكون وثيقة ديناميكية تساير التحولات السريعة والعميقة
تجدر الاشارة، بالمناسبة، إلى أن الإحصائيات الرسمية تفيد أن تسجيل ما مجموعه 249081 عقد زواج بالمغرب سنة 2023 و341 حالة طلاق رجعي و24169 طلاق اتفاقي، أي حوالي 10 في المئة في نفس السنة، وهو معدل أقل بكثير من نظيره بالجزائر حيث ينتهي زواج واحد من كل ثلاثة بالطلاق (سجلت 279 ألف عقد زواج و93400 حالة طلاق سنة 2023 أي أزيد من 33 في المئة) أما تونس فقد بلغ عدد الزيجات77 ألف سنة 2023 و40 ألف حالة طلاق في نفس السنة أي 51 في المئة، وتم تسجيل نسبة الطلاق في 40 في المئة بمصر و 48% بالكويت، وحوالي 37% بكل من الأردن وقطر.الإحصائيات السالفة الذكر ركزت على عدد الزيجات وعدد حالات الطلاق لسنة 2023.
للإشارة فإن الوثيقة عرفت محطات من صراعات قوية ومخاضات عسيرة منذ على الأقل بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث كانت حملة المليون توقيع قادها اتحاد العمل النسائي لتغيير مدونة الأحوال الشخصية، ثم مع حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي مع مشروع " الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" وتقاطبات وانقسامات حادة توجت بمسيرة الرباط الداعمة للخطة وأخرى مناوئة بالدار البيضاء في نفس اليوم 12 مارس سنة 2000 ليتم تعطيل الخطة وإسقاط الوزير المناضل سعيد السعدي، وبقي النقاش قائما إلى أن تمت مراجعة مدونة الأحوال الشخصية و المصادقة على مدونة جديدة سميت " مدونة الاسرة المغربية " سنة 2004
ورغم مرور حوالي 13 سنة على اعتماد الوثيقة الدستورية لسنة 2011التي نصت في فصلها 19 بوضوح على المساواة التامة بين الجنسين، بقيت مدونة الأسرة خارج اهتمامات الحاكمين، لغاية 2024 لتتم المراجعة تحت السقف الواطئ " عدم تحريم ما حلله الله وتحريم ما حلله" ليبقى الإجتهاد الفقهي والفكري والقانوني " شأن خاص وتحت رحمة علماء ينتظرون الضوء الأخضر اجتهادا أو نكوصا.
اليوم، وما أشبه اليوم بالأمس، مرت المدونة دون نقاش وتعبيرات أو مسيرات اجتماعية مناوئة أو داعمة وذلك لضعف التنظيمات الحزبية وتغول السلطة، ونتيجة لهذا الوضع، قام المجلس العلمي الأعلى، كمؤسسة تابعة للسلطان، بقبول سبع مقترحات من أصل 17 ورفض 3 مقترحات، وهكذا يضع هذا المجلس نفسه عقبة أمام التقدم، عوض أن يستحضر الحاجة المجتمعية الملحة ذات الصلة والسياقات الإقليمية والدولية وتحولاتها المتسارعة وضرورات الانفتاح على التطورات الحاصلة، من جهة و سمو الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب على التشريعات الوطنية كما ورد في الدستور المغربي من جهة ثانية.
عدم تململ المجلس العلمي الأعلى وجموده يعكس، في العمق، غياب الإرادة السياسية للدولة في أعمال المساواة ببن الجنسين وإنتاج مرجعية تشريعية ديمقراطية للأسرة المغربية من جهة، ويعكس عدم اكتراثه بالمطالب العادلة والمشروعة للحركة الحقوقية المغربية وخاصة الحركة الحقوقية النسائية.
لم تكن النقط التي قبلها المجلس العلمي الأعلى في مستوى الإنتظارات والتحديات المطروحة على الأسر المغربية، فما قبله هو مجرد ترسيم لجزء مما هو معمول به ومتوافق عليه ويطبق عمليا وإن كان غير وارد في مدونة الأسرة لان الواقع فرضه ولا يعلى عليه.
رفض مقترح " إلغاء العمل بالتعصيب" انتكاسة حقيقية تضرب المساواة بين الجنسين في العمق، ذلك في تعارض مع النص الدستوري الذي يؤكد على وجوب "تمتع الرجل والمرأة ، على قدم المساواة ، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية" وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية" ويربط ذلك بعدم التعارض مع " ثوابت المملكة وقوانينها"، مع العلم أن " الإنتقال الديمقراطي" شعار رفعته الدولة ويعتبر بذلك واحدا من الثوابت أيضا مثله مثل " التنوع الحضاري والثقافي والانفتاح عن القيم الإنسانية والعالمية" كما ورد في التصدير للدستور، كل ذلك يجب أخذه بعين الاعتبار في كل تأويل للوثيقة الدستورية أو اجتهاد لمراجعة مدونة الأسرة وهو ما لم يتم، مع الأسف، من طرف القوى المحافظة بالمغرب.
أما قبول تعميم "اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية" فهو أمر إيجابي خاصة وأنه يعمل به قبل الإسلام بالمغرب بمنح المرأة هذا الحق باسم حق " تامازالت" ( كلمة امازيغية تفيد أن المرأة "ركيزة" في تشييد البناية المنزل وفي الأسرة ايضا) أو "حق الكد والسعاية" أو " حق الجري"
من الإيجابي أيضا أن لا يدخل بيت الزوجية في الإرث وان لا يقسم مثل باقي الميراث، ذلك لتفادي المشاكل الاجتماعية الأسرية الناتجة عن تصرفات رعناء تقع وسط الأسر، كما ان تقديم سلف الزوجين لبعضهما على باقي الديون الأخرى يعتبر إيجابيا وإن كان في الحقيقة غير مطروح بحدة في المجتمع المغربي.
أما قبول المجلس العلمي الأعلى بمقترحات مثل "وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها إسوة بالزوج، وتخويل الأم الحاضنة النيابة "القانونية" عن أطفالهاإسوة بالزوجكذلك، وإمكانيةعقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين" فهي جميعها أمور تتماشى مع الواقع وستساهم في تبسيط المساطر القانونية بين أفراد الأسر.
الأرقام والنسب المتعلقة بحالات الزواج والطلاق المشار إليها سالفا توضح أن هناك انخفاضا كبيرا لنسبة الطلاق بالأسر المغربية مقارنة مع نظيراتها المغاربية والعربية ولا تشكل، نسبيا، خطرا محدقا لوضعية الأسر المغربي ولا تشكل قلقا مقارنة مع الدول المغاربية والاقليمية. وعليه، فإذا كانت الحاجة ملحة لمدونة ديمقراطية للأسرة المغربية، فإن هناك أولويات اجتماعيىة أكثر إلحاحا، بالمغرب، كالفقر والهشاشة والاقصاء والقدرة الشرائية المتدنية أمام ارتفاع مؤشرات المعيشة واللاعدالة الضريبية، و ملفات الشغل للرجال والنساء، معا، أي مشكل البطالة المعممة، والصحة أو الصحة الانجابية، و التعليم او الرفع من مستوى تعليم وتكوين الآباء والأمهات وفي المجتمع القروي، ...
ورغم تقدم الاجتهاد القضائي في المغرب، فيما يخص الأخذ بالخبرة الجينية للحوق النسب بناء على طلب أطراف الدعوى، فإن المجلس العلمي الأعلى ما زال متحفظا في هذا الباب مما جعله يرفض المقترح قطعا لدواع غير علمية.
عموما، لازال أمام المجتمع المدني الحقوقي والحركة النسائية الديمقراطية مسيرة طريقة وشاقة للنضال من أجل المساواة الفعلية بين المرأة والرجل ورفع الحيف والظلم الإجتماعي اتجاه المرأة المغلف بموروث ثقافي وجب تطويره أو تأويل ما تقادم منه وما لم يساير روح العصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.