أخيرا، صادق مجلس النواب على مقترح قانون يهدف إلى تمديد فترة إثبات الزوجية لخمس سنوات إضافية، وذلك بعدما تم تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة بحيث جعلت وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته. مقترح قوبل برفض بعض فرق الأغلبية الحكومية التي رأت أن مرور أكثر من عشر سنوات من عمر مدونة الأسرة لم يكن كافيا للقطع مع بعض ممارسات الماضي، ومنها حكاية «زواج الفاتحة» الذي يستغله البعض للزواج بفتيات قاصرات، قبل اللجوء بعد ذلك إلى مسطرة إثبات الزوجية. لقد تمت المصادقة على مدونة الأسرة في دجنبر من سنة 2003 بعد معارك طاحنة اختلط فيها الدين بالسياسة، ولم تحسم في تفاصيلها غير اللجنة الملكية. وفي فبراير من السنة الموالية، 2004، دخلت المدونة حيز التطبيق، واعتبرت وقتها ثورة حقيقية أثارت انتباه عدد من الدول العربية الإسلامية التي رأت فيها شجاعة أدبية غير مسبوقة بالنظر إلى أنها وضعت للأسرة شروطا لم تكن هي نفسها الشروط التي كانت تتضمنها مدونة الأحوال الشخصية التي تعود إلى سنة 1958، خصوصا على مستوى الزواج وما يرتبط به من ضوابط قانونية، حيث انتقل من سن ال15 إلى ال18، وعلى مستوى تعدد الزوجات، الذي منعته المدونة أو قيدته بشروط صارمة أهمها قبول الزوجة الأولى، وعلى مستوى الطلاق، حيث جاءت المدونة بأنواع جديدة في هذا المضمار من مثل طلاق الشقاق الذي يصنف على أنه أكبر ثورة عرفتها مدونة الأحول الشخصية في كل البلاد الإسلامية. واليوم، يكون قد مرَّ أكثرُ من عشر سنوات من عمر هذه الوثيقة، مما يطرح السؤال التالي: ما الذي تحقق منها؟ وهل نجح قضاة الأسرة في تفعيل كل مقتضياتها؟ وكيف تتعامل الأسرة اليوم مع هذه المتغيرات، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالأسر القروية والتقليدية؟ أكثر من عقد من الزمن، يكون قد وضع مدونة الأسرة على محك حقيقي، وهو محك لا تخفي الجمعيات النسائية تحفظها بشأنه، وتكاد تجمع على أن بعض بنود المدونة تم احتواؤها أو التعامل معها بخصوصية ظلت تعطي للرجل الكثير من الحقوق. ومن المراجع التي تعتمدها هذه الجمعيات النسائية -التي تقدم أرقاما صادمة عن حالات زواج القاصرات في ظل المدونة، وحالات التعدد، وما تعيشه المطلقات من إكراهات على مستوى الاستفادة من النفقة- ما تقول به المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التي تتحدث عن الفرد دونما تمييز بين رجل وامرأة، وأيضا ما جاء به دستور 2011؛ لذلك لا تخفي هذه الجمعيات رغبتها في دخول الشوط الثاني من معركة المدونة، والذي يعني الدفع في اتجاه تجاوز أسباب فشلها. اليوم، كل الانتقادات التي توجه إلى مدونة الأسرة تتوقف عند الفصل 20 منها، والمتعلق بزواج القاصرات؛ ففي الوقت الذي تتحدث فيه المدونة عن رفع سن الزواج من 15 سنة إلى 18 سنة، يلجأ البعض إلى صيغ أخرى تكون من اجتهاد القاضي، وتقدم إحصائيات ذات صلة بالموضوع أعدادَ القاصرات اللواتي تم تزويجهن في ظل الوضع الجديد. كما توجه انتقادات إلى الفصل 40 المتعلق بتعدد الزيجات، الذي منعته المدونة إلا بشروط؛ وقد بدأت أصوات تنادي بضرورة انخراط القضاة في تفعيل هذا الفصل مع القطع مع تلك الهوامش التي تركت للسلطة التقديرية للقاضي. وعلى الرغم من أن نسبة الطلاق المسجلة خلال سنوات تنزيل مدونة الأسرة تقلصت بشكل ملحوظ، فإن النفقة، التي يفترض أن تصرف للمرأة المطلقة، لاتزال تعرف الكثير من الإكراهات التي تجعل هذا الإجراء لا يؤدي وظيفته. وتقدم الجمعيات المهتمة الكثير من الملاحظات، لعل أهمها أن جل المحاكم لا تحترم مدة شهر التي تنص عليها المادة 190 من المدونة؛ كما لا تقوم النيابة العامة بتطبيق المادة 202، التي تنص على أن كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة. لقد اعتبرت مدونة الأسرة ثمرة نقاش شغل الرأي العام المغربي لفترة طويلة، وبصدورها حقق المغرب تقدما ملحوظا على مستوى الحقوق والعلاقات الاجتماعية وتكريس مبدإ المساواة بين الجنسين، خصوصا وأن منطلقها كان هو الأخذ بعين الاعتبار للواقع الاجتماعي ولأهداف الشريعة الإسلامية ولفلسفة الحقوق الأساسية للفرد، من أجل بناء علاقات اجتماعية متوازنة. ويبرز ذلك في أول بنود المدونة الذي ينص على أن «الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة». فهل نجحت المدونة في كل هذا الرهان وهي تتجاوز اليوم سنتها العاشرة، أم إن مشروع القاضي بتمديد ثبوت الزوجية سيشكل بداية التفكير فيها من جديد؟