اهتمت الشريعة الإسلامية بالزواج اهتماما كبيرا، وجعلت منه عقدا مقدسا وميثاقا غليظا وحثت على تكثير النسل وسواد الأمة، ونظرا لما للزواج من قدسية، فقد أولاه المشرع من العناية ما يستحق، حيث عمل على إحداث ملف له، وحفظه بكتابة الضبط بالمحاكم الابتدائية بأقسام الأسرة بها، تكوينه بوثائق حرصا على بيان حال الزوجين عند توثيقه لدى العدلين، وتفاديا لكل تدليس أو تحايل بشأنه طبقا لمقتضيات المادة 65 من مدونة الأسرة. وتوثيق عقد الزواج أصبح من الأمور الأساسية في الوقت الراهن، إذ يجب الإدلاء به في القضايا المرفوعة أمام أقسام قضاء الأسرة بالمحاكم الابتدائية كدعوى النفقة والحضانة والرجوع لبيت الزوجية والطلاق والتطليق والتعدد والحالة المدنية وغيرها، وعدم الإدلاء به يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا، كما يلزم الإدلاء به لدى ضابط الحالة المدنية لكل من يريد إنجاز كناش الحالة المدنية. إلا أنه بالرغم من هذه الأهمية فإن كثيرا من الناس لايزالون يتزوجون دون توثيق عقد الزواج لدى العدلين ويكتفون بحضور أفراد الجماعة وقراءة الفاتحة وحضور الولي عند الاقتضاء وتقديم الصداق المسمى للزوجة، وإقامة حفل الزفاف أو الوليمة لإعلان هذا الزواج وإشهاره، إلا أن الزواج بهذه الطريقة - وإن كان صحيحا بحيث أن الإشهاد على الزواج أمام العدلين ما هولاركن ولاشرط في الزواج - فإنه أصبح يعرف عدة مشاكل تتمثل في إنكار العلاقة الزوجية من طرف الأزواج وترك أولادهم عرضة للضياع والتشرد بدون نسب ووثائق إدارية، كما أن بعض الأشخاص يتحايلون على القانون فيتزوج الزوج بزوجة أخرى دون أن يسلك مسطرة التعدد، وقد تكون الزوجة الأولى رافضة لهذا التعدد ، وقد يكون هذا الزوج لا يتوفر على المؤهلات المادية لإعالة الزوجتين ، وبعد ذلك يتقدم بطلب إقامة ثبوت الزوجية إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية، وكذلك أن بعض القاصرين يتزوجون دون سلوك مسطرة زواج من لم يبلغ سن الزواج، بل الأكثر من هذا قد يرفض القاضي المكلف بالزواج للقاصر أو القاصرة بالزواج، ولكنهم يتزوجون بدون عقد، وبعد ذلك يتقدمون إلى المحكمة بدعوى الزوجية، بالإضافة إلى هذا هناك بعض الأشخاص تكون لهم علاقة غير شرعية فينتج عن ذلك حمل ويطلبون من المحكمة إقامة ثبوت الزوجية. وللحد من هذه المشاكل وحفاظا على استقرار الأسرة حتى لا تضيع حقوق الأطفال فإن المشرع قد خول للأشخاص الذين لم يسبق لهم أن وثقوا عقود زواجهم لسبب قاهر رفع دعوى الزوجية خلال الفترة الانتقالية المحددة في خمس سنوات ابتداء من دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق طبقا لمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة التي مددت إلى خمس سنوات أخرى ، فبالرجوع إلى مقتضيات هذه المادة يمكن للمحكمة سماع دعوى الزوجية إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق عقد الزواج في وقته معتمدة في ذلك سائر وسائل الإثبات كشهادة الشهود والقرائن والخبرة الطبية على الحمض النووي ADN آخذة بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما. وحري بالإشارة إلى أن المشرع المغربي كان قد ذكر في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة حالة الاستثناء طبقا للفصل الخامس، لكن العمل بهذا النص عرف نقاشا طويلا وإشكالا حقوقيا على القضاء الذي تولى توضيح مفهوم حالة الاستثناء مما جعل المشرع المغربي في مدونة الأسرة التعبير عن ذلك بالأسباب القاهرة . وانسجاما مع ما ذهب إليه المشرع في المادة المذكورة من أن وثيقة الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثباته، وأنه يمكن للمحكمة سماع دعوى الزوجية إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في حينه معتمدة في ذلك جميع وسائل الإثبات ، فإنه لم يعد مجال لتدوين لفيف عدلي يتكون من اثني عشر شاهدا لدى عدلين بمعرفتهم المعنيين بالأمر ، وقيام العلاقة الزوجية بينهما كما كان عليه الحال في الأحوال الشخصية الملغاة لذا فعلى الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن وثقوا عقود زواجهم أن يتقدموا إلى المحكمة بدعوى الزوجية لاستصدار حكما بإثباتها وحماية الأسرة ، وحفاظا على نسب الأطفال . وبالنسبة لأفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج وفي إطار التسهيلات التي يجب أن تقدم لهم ينبغي إشعارهم بأنه يمكن تكليف من ينوب عنهم بالمغرب لتقديم هذه الدعوى إلى المحكمة ، كما يمكنهم إنجاز وثيقة التقارير ويصادقون عليها أمام مصالح السفارة و القنصلية وتقديمها إلى المحكمة كحجة لإثبات الزوجية، وإذاكان الشهود الذين يعرفون الزوجين يوجدون خارج أرض الوطن ويتعذر عليهم الدخول إلى المغرب للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة، ففي هذه الحالة يمكن للقاضي الموجود بالسفارة أو القنصلية بالخارج الإذن للعدلين بإنجاز تلقية من الشهود شريطة أن تتضمن بما يفيد أنها لا تقوم مقام عقد الزواج ويشار إلى عنوانها ب «شهادة التلقية» دون الإشارة إلى رسم ثبوت الزوجية كما كان عليه الحال في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة. وبعد انتهاء الفترة الانتقالية بتاريخ 05/02/2009 بقي كثير من الأشخاص دون توثيق عقود زواجهم كما سجل عدد كبير من الملفات بالمحاكم، وحفاظا على استقرار الأسرة وحقوق الأطفال قام المشرع بتمديد هذه الفترة إلى خمس سنوات أخرى وتعديل المادة 16 من مدونة الأسرة وهو أول تعديل تعرفه المدونة إلا أن هذا التمديد لن يحل إشكالية توثيق عقد الزواج بصفة نهائية نظرا لطبيعة المجتمع المغربي الذي لا زال يعاني من نسبة كبيرة من الأمية والجهل والفقر، كما تبقى غير كافية للقضاء نهائيا على هذه الظاهرة . لذا يجب خلال الفترة الانتقالية القادمة مضاعفة الجهود لحث الناس على توثيق عقود زواجهم ينخرط فيها متخصصون من وزارة العدل ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن والسلطات المحلية وأئمة المساجد وخطباء الجمعة وكذا وسائل الإعلام للتحسيس بأهمية الموضوع دون إغفال جانب الرفع من المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين واعتماد سياسة القرب بإحداث مراكز القاضي المقيم في المناطق النائية البعيدة عن المحكمة للتخفيف عن المواطنين عبء مصاريف التنقل.