بعد ما تطرقنا في حلقة سابقة للشروط الإرادية التي تتحقق وفق إرادة الزوجين، ومقتضياتها وآثارها، سنتطرق في هذه الحلقة للشروط الإدارية لإبرام عقد الزواج على أن نختمها بالإشارة لتدبير الأموال المشتركة المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية. أ إجراءات إبرام عقد الزواج: تفاديا لما يمكن أن يشوب عقد الزواج من سوء تقدير أو تلاعب فقد أحاطه المشرع بإجراءات وشكليات تعطيه قوة وحصانة لما ينسجم ومكانته وأهدافه ومقاصده، مما حدا به إلى التنصيص في المادة 65 من المدونة على مقتضيات وإجراءات نجملها في الآتي: أولا: يحدث ملف لعقد الزواج يحفظ بكتابة الضبط لدى قسم قضاء الأسرة لمحل إبرام عقد الزواج، ويضم الوثائق الآتية: 1) مطبوع خاص بطلب الإذن بتوثيق الزواج، وقد اعتمدت وزارة العدل مطبوعا موحدا بجميع أقسام قضاء الأسرة، يتضمن البيانات اللازمة للخطيبين. 2 نسخة من رسم الولادة، يشير ضابط الحالة المدنية لتاريخ تسليمها في هامش العقد بسجل الحالة المدنية، والغرض الذي سلمت من أجله وهو الزواج، وذلك تفاديا لتسلمها مرة أخرى بموجب غير قانوني. 3 شهادة إدارية لكل واحد من الخطيبين، تسلمها السلطات الإدارية، وتدعى عادة بشهادة الخطوبة. 4 شهادة طبية لكل واحد من الخطيبين، تظهر الحالة الصحية لكل واحد منهما. 5 اعتماد الإذن بالزواج وذلك في الحالات التي تتطلب الزواج بإذن وهي: التعدد في حالة توفر شروطه المقررة قانونا. زواج القاصر (دون سن الأهلية) زواج الشخص المصاحب بإعاقة ذهنية. زواج معتنقي الإسلام والأجانب. ثانيا: يقوم قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بفحص الوثائق والتأشير على قبول الملف قبل الإذن على ملف المستندات المشار إليها أعلاه، ويحفظ برقمه الترتيبي في كتابة الضبط بقسم قضاء الأسرة. ثالثا: يأذن القاضي للعدلين بتوثيق عقد الزواج، ويضمن العدلين في العقد تصريح كل واحد من الخطيبين هل سبق أن تزوج أم لا، وفي حالة وجود زواج سابق، يرفق التصريح بما يثبت الوضعية القانونية إزاء العقد المزمع إبرامه. رابعا: يقوم العدلان بتوثيق العقد وفق الشكليات المذكورة في المادة 66 من المدونة، ويوقع كل واحد منهما بعلامته وتاريخ الإشهاد على العقد، ويقدم العقد لقاضي الزواج ليضمن خطابه على عقد الزواج مع طابعه. خامسا: يسجل نص العقد في السجل المعد لذلك لدى قسم قضاء الأسرة، ويوجه ملخصه إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين، مرفقا بشهادة التسليم داخل أجل 15 يوما من تاريخ الخطاب كلية من قبل القاضي< (1)، لكن قد يحدث ألا يكون للزوجين محل ولادة بالمغرب، وعليه يوجه ملخص عقد الزواج إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط. ويقوم ضابط الحالة المدنية، بتضمين ملخص عقد الزواج بهامش رسم ولادة الزوجين، حتى يدرج في حالتهما المدنية والرجوع إليه عند الحاجة. خامسا: يسلم أصل رسم الزواج للزوجة، ونظير منه للزوج فور الخطاب عليه. خلاصة: بناء على المقتضيات السابقة يتضح أن المشرع أعطى للقضاء الحق في الإذن بالزواج من عدمه، وذلك بجعل تأثير القاضي على ملف المستندات وإصدار الإذن هو بداية مسطرة الزواج وليس العكس، حيث كانت في السابق المبادرة للعدلين في توثيق العقد ليأتي تأثير قاضي توثيق شؤون القاصرين فيما بعد، وذلك تفاديا لما يمكن أن يقع من تدليس في توثيق عقود الزواج، وكذلك لتسريع المسطرة. ب تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية: تنص المادة 43 من المدونة على أنه لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الأخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها<، وبذلك تكون المدونة قد ذهبت مذهب الإمام مالك، الذي يقر بعدم أحقية قضاء الزوج في مال امرأته، قبل دخوله بها ولا بعده، حتى تتحقق للمرأة ذمتها وملكيتها المستقلة في أموالها من منقولات وعقارات والتصرف فيها كيفما شاءت دون أدنى تدخل من زوجها، فكل منهما مستقل بذمته المالية؛ ويبقى أصل التعامل التفويض أو الهبة أو الهدية، وليس التملك والتصرف الإجباري. كما أن المشرع نظر إلى أنهما قد يكتسبان أموالا أثناء قيام العلاقة الزوجية بينهما، مما قد يطرح نزاعا محتملا بينهما، وخاصة بعد الطلاق، مما أجاز لهما أن يتفقا على كيفية استثمارها وتوزيعها في عقد مستقل عن عقد الزواج يضمن لكل واحد منهما حقوقه وفق قواعد العدل والإنصاف، وأعطى المشرع الحق للعدلين لتنبيه الزوجين لتوثيق عقد مستقل عن عقد الزواج لتضمين كيفية تدبير الأموال المكتسبة. لكن، قد يحدث ألا ينتبه الطرفان لأهمية اعتماد هذا العقد، من هنا أقر المشرع اللجوء إلى قواعد الإثبات والدلائل، التي تفيد في الملكية المشتركة للأموال المكتسبة وطرق توزيعها ليستثنى لكل واحد منهما الحصول على حقه مقابل الجهد والعناء والمال الذي أنفقه طوال مدة العلاقة الزوجية. وهذا لا يتصادم مع مقاصد عقد الزواج، بل يعطي لكلا الزوجين فرصة اكتساب كل ما قد يفوتهما من كسب. 1) المادة 68 من مدونة الأسرة.