أصدرت جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي الحراك الشعبي للريف بيان ترد فيه على أول خروج إعلامي لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤخرا، السيدة أمينة بوعياشأنكرت فيه وجود معتقلين سياسيين بالمغرب. ففي حوار لها مع وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” (EFE)، نفت وجود معتقلين سياسيين بالمغرب اعتقلوا بسبب آرائهم مع إقرارها وجود سجناء اعتقلوا بسبب مشاركتهم في المظاهرات أو بسبب أعمال العنف التي تصاحبها، كما أنكرت استمرار ممارسة التعذيب في السجون أو مراكز الاحتجاز. وبقال البيان أن هذا النفي تتماهى فيه السيدة أمينة بوعياش مع الخطاب الرسمي للدولة المغربية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، ما يضع إستقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان واحترامه لمبادئ باريس موضع السؤال. كما أن هذا النفي يتناقض مع تأكيد العديد من الهيئات الحقوقية الوطنية والمنظمات الدولية غير الحكومية على وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، ومع ما سجلته من تعرض المعتقلين لاعتقالات تعسفية وعشوائية رافقها تعذيب جسدي ونفسي، إضافة إلى تلفيقهم تهما باطلة في محاضر جاهزة ومفبركة، من قبيل: المس بسلامة الدولة الداخلية وهبتها، والتحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها، وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية… ومجريات المحاكمات الصورية التي خضعوا لها الفاقدة لكل شروط المحاكمة العادلة، والأحكام الجائرة الصادرة في حقهم، بجانب مرافعات هيئة دفاعهم، والأسئلة التي وجهت إليهم من طرف المحاكم (واش أنت مغربي؟، لماذا ترفع راية الريف؟، ماذا تقصد بالنظام المخزني؟…)، تؤكد كلها أن سبب محاكمتهم هو آراءهم ومواقفهم واحتجاجهم السلمي على الظلم والحﯖرة وسياسة التهميش التي تمارسها الدولة ضد منطقتهم وفي حق أبنائها. وأضاف البيان أن صفة الاعتقال السياسي لمعتقلي حراك الريف تثبت أكثر مع استحضار قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي تعتبر كل شخص تعرض للاعتقال بسبب خروجه للاحتجاج بشكل سلمي من أجل مطالب وحقوق معتقلا سياسيا ومعتقل رأي. وأبلغ من ذلك، تتأكد هذه الصفة مع اتخاذ قضيتهم أبعاداً دولية بعد وصولها إلى مؤسسات البرلمان الأوروبي والمحافل الدولية، علاوة على مؤسسات العديد من الدول الأوروبية، بفضل جهود النشطاء الأحرار بأوروبا، لتصل مداها مع ترشيح أعضاء البرلمان الأوروبي لناصر الزفزافي، وعبره كافة معتقلي حراك الريف، لجائزتين من أهم جوائز تكريم ودعم المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الفكر دوليا، وهما: جائزة ساخاروف 2018، وجائزة فاكلاف هافل 2019. فهل نكذب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي الذي اعترف بصفة الاعتقال السياسي لمعتقلي حراك الريف؟ وهل نكذب المنظمات الحقوقية الدولية التي تؤكد تقاريرها وبياناتها بأن معتقلي حراك الريف وغيره من الحركات الاحتجاجية بالمغرب هم معتقلون سياسيون؟ وهل نكذب الملايين من المغاربة الذين احتضنوا معتقلي حراك الريف واعتبروهم معتقلين سياسيين، ونكذب مواقف الهيئات الحقوقية والقوى السياسية الحية الداعمة لمعتقلي حراك الريف السياسيين؟ هل نكذب كل هؤلاء ونصدق السيدة أمينة بوعياش وخطاب الدولة؟. مؤكدة في البيان إن نفي صفة الاعتقال السياسي عن معتقلي حراك الريف، وإنكار كل أشكال التعذيب التي مورست عليهم، يتعارض مع التعامل الاعتباري للمجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه مع معتقلي حراك الريف وعائلاتهم، خاصة منهم الذين تم ترحيلهم تعسفيا إلى مقر الفرقة الوطنية بالدار البيضاء. ومن تجليات ذلك، استقبالها وفدا من جمعية ثافرا للوفاء والتضامن واستدعاؤها لمجموعات من أمهات معتقلي حراك الريف، والأكيد أن هذه الاستقبالات لم تكن لدوافع إنسانية فقط، إنما ترتبط بوضعية المعنيين كمعتقلين سياسيين؛ علاوة على أن ذلك الإنكار يتنافى مع التقرير الطبي الذي أمر المجلس الوطني، في عهد السيد إدريس اليزمي، بإنجازه حول مزاعم المعتقلين السياسيين لحراك الريف التعرض للتعذيب. وبالمناسبة نطالب السيدة الرئيسة بإطلاق سراح ذلك التقرير الطبي، والرجوع إلى التقارير والشهادات التي وثقتها لجنة الحسيمة والناظور حول حالات التعذيب التي مورست في حق معتقلي حراك الريف. إنه لمن المؤسف حقا أن تساير السيدة أمينة بوعياش في تصريحاتها الخطاب الرسمي الذي يتم تمريره عبر مختلف مؤسسات الدولة، وبالتحديد المؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وهي تصريحات تكشف معالم تقرير المجلس حول حراك الريف الذي طالما وُعِدنا به منذ بداية الحراك. ولا شك أن هذا التقرير سيكون لحظة تاريخية في مسار المجلس ومحكا حقيقيا لاستقلاليته، فإما أن يدخل المجلس التاريخ بإثبات مصداقيته أمام الرأي العام الوطني والدولي فينتصر مستقبل الوطن، وإما أن يضع نفسه موضع باقي المجالس التي تعمل من خلالها الدولة على تلميع صورتها وتزييف الحقيقة والواقع. إن معتقلي حراك الريف تعرضوا لسوء المعاملة، والتعذيب الجسدي والنفسي، وهو ما يشددون عليه إلى يومنا هذا. ومهمة السيدة أمينة بوعياش هي أن تشتغل على ملفات التعذيب وسوء معاملة المعتقلين أثناء التحقيق معهم في مراكز الاحتجاز أو أثناء قضائهم لمدة محكوميتهم داخل السجون، وقبلهما في الطائرة “النفاثة” وسيارات القوات العمومية التي تحولت إلى مراكز اعتقال متنقلة تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. وهنا نتساءل مع السيدة الرئيسة، هل للمجلس الوطني من تفسير للتعذيب الذي مورس على معتقلي حراك الريف إن لم يمارس عليهم لأنهم معتقلون سياسيون؟ وماذا يقول مجلسكم عن الكدمات الواضحة على جسد المعتقل السياسي ناصر الزفزافي التي أظهرها الفيديو العار المسرب؟ ولماذا التستر عن من سرب ذلك الفيديو؟. وإذا ما كانت السيدة أمينة بوعياش حاولت إيهام الرأي العام بأن الدولة تحترم حرية التعبير بدعوى عدم إغلاق أي موقع إلكتروني أو صفحة فايسبوكية في السنوات الأخيرة، فإننا نؤكد أن الكثير من المواقع والصفحات الفايسبوكية أغلقت بسبب اعتقال أصحابها كما حدث لموقع البديل وريف 24 وموقع رصد المغرب، كما أن منع تأسيس الجمعيات وحضرها والتضييق عليها لا يزال يطال الكثير من الجمعيات (جمعية ثافرا للوفاء والتضامن، جمعية جسور، فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان…). البيان أكد أن حراك الريف كان وسيظل سلميا وحضاريا، واحتجاجاته السلمية تندرج ضمن أشكال حرية التعبير عن الرأي تجاه سياسات الدولة. وإذا كان هناك من عنف فالدولة هي التي مارسته ودفعت إليه منذ أن قررت تبني المقاربة الأمنية في التعامل مع الحراك حين لم تستسغ أن ينبهها إلى الممارسات اللاقانونية لأجهزتها ومؤسساتها، خاصة الجهاز الأمني. أما أحداث 26 مارس 2017 ببوسلامة (إمزورن)، فلا علاقة لحراك الريف ولنشطائه بها، وذلك ما تثبته كثرة الملفات القضائية المطبوخة للعديد من المتابعين على خلفية تلك الأحداث والتضارب فيما بينها، ولن تنطلي على أحد محاولة توريط ناصر الزفزافي ورفاقه في تلك الأحداث، لاسيما وأنهم بعد أكثر من ثلاثة أشهر من وقوعها كانوا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي ويواصلون نضالهم السلمي لتحقيق ملفهم المطلبي. وعلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان الكشف عن حقيقة من مارس ويمارس العنف أثناء الاحتجاج السلمي ودور الأجهزة الأمنية في ذلك، وعن مصير ملفات ضحايا التدخل الأمني لفض الاحتجاجات السلمية بالمغرب ونخص بالذكر ملفي الشهيدين: عماد العتابي وعبد الحفيظ حداد. وفي هذا السياق، ذكر البيان السيدة أمينة بوعياش أن أشكال التجمع والاحتجاج السلميين ما تزال ممنوعة في الريف لحدود اللحظة، بحيث أي مواطن أقدم على ممارسة حقه الدستوري في الاحتجاج السلمي هو مشروع معتقل سياسي بالنتيجة. كما أن محاكمة المواطنين بسبب تدوينات فايسبوكية أو رفعهم لراية الجمهورية الريفية أو الإشادة بالأمير عد الكريم الخطابي والمقاومة الريفية، ما تزال مستمرة، وهي محاكمات سياسية. وخير مثال على ذلك، ما تعرض له المعتقل السياسي السابق جمال مونا يوم الخميس 25 يوليوز 2019، حين قادته فرقة من الدرك الملكي إلى مفوضيتها بإمزورن، بعد أن داهمت بيت عائلته بمدينة الحسيمة وفتشته، لتحقق معه حول مشاركته يوم 21 يوليوز في مسيرة ببلدة تماسينت تخليدا لذكرى معركة أنوال ولمرور سنتين على استشهاد عماد العتابي، ناهيك عن التحقيق معه حول رفعه لراية الجمهورية الريفية، وتم عرضه على النيابة العامة يوم الجمعة 26 يوليوز 2019، وهو في حالة اعتقال. وقد أمر وكيل الملك بمتابعته في حالة سراح مؤقت وحددت له أول جلسة في شهر شتنبر. وأن الأعداد الضخمة من الاحتجاجات التي يعرفها المغرب ليست مؤشرا إيجابيا دالا على سيادة حقوق الإنسان، وإنما هو مؤشر سلبي يدل على غيابها، فالأصل هو أن يتمتع الناس بحقوقهم وينصرفوا لحياتهم الطبيعية، وليس إفناء حياتهم في الاحتجاج طلبا لتلك الحقوق والاعتقال بسبب ذلك؛ بل إن تنامي الحركات الاحتجاجية المجالية والقطاعية ومختلف أشكال المقاطعة هو دليل على أزمة حقوق الإنسان بالمغرب. والمؤكد أن تمادي مؤسسات الدولة في تجاهل الواقع وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها، يزيد تعميق الشرخ بين الدولة والمجتمع ويكرس أزمة الثقة بينهما. ومثل تصريحات السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا تعالج الأزمة بقدر ما تديمها وترسخ غضب المجتمع على الدولة ومؤسساتها. وعبرت جمعية ثافرا للوفاء عن التضامن مع عائلات معتقلي حراك الريف ومؤكدة بأن محاكمة معتقلي حراك الريف هي محاكمة سياسية وأن حل قضيتهم لن يكون إلا سياسيا. وختمت الجمعية بالقول كما عهدنا أنفسنا وكافة معتقلي حراك الريف وعائلاتهم، فإننا لن نسمح لأي كان بأن يتطاول على كرامة الريف وكرامة معتقليه ومطالبهم، ولن نفرط في الدفاع عن براءتهم وحريتهم.