لطالما تغنت الأوطان بشبابها وهمست للمستقبل أنهم سر ازدهارها وتميمة بقائها وإستمراريتها على اعتبار أن هذه الفئة هي العمود الفقري الذي لا يمكن الاستغناء عنها في أي مجتمع ، فالشباب يعبر عن خصائص تتمثل أساسا في القوة والحيوية والطاقة ، والقدرة على والتحمل و الإنتاج . فهم الفئة الاجتماعية الأكثر طموحا في المجتمع ، وعملية التغيير والتقدم لا تقف عند حدود بالنسبة لهم ، فهم أساس التّغيير والقوّة القادرة على إحداثه ، لذلك يجب أن يكون استقطاب طاقاتهم وتوظيفها أولويةَ جميع المؤسسات و المجموعات الاجتماعيّة التي تسعى للتّغيير إن وجدت في مجتمعاتنا .
فالشباب هم الفئة الأكثر تقبلا للتغيير ، ممّا يجعل دورهم أساسي في إحداث التغيير في مجتمعاتهم لكن رغم أهمية هذه الأدوار والخصائص التي تمييز هذه الفئة المجتمعية إلى أن الملاحظ اليوم في وطني العزيز هو تنامي عديد الظواهر التي تكرس لقطيعة حقيقية بين هذا الفئة المجتمعية ودينامكية المجتمع ككل ...
فكما هو معلوم أن الشباب المغربي اليوم كان ولازال يطمح لبناء وطن يتسع للجميع ، يكرس مفهوم الوطن القادر على إستعاب طموحاته والتجاوب مع تطلعاته لكن الواقع يؤشر على عديد المؤشرات السلبية التي تعبر عن رفض هذه الفئة للسياسات العمومية المنتهجة من طرف الدولة وتجلى هذا الرفض في انخراط الشباب المغربي في ردود فعل اجتماعية تتراوح بين قيادة الحركة الاحتجاجية التي تعرفها بلادنا مند عقود إلى انجرافه في تيارات الراديكالية المتطرفة المتنامية في منطقتنا العربية بسب ما توفره حالة اليأس الاجتماعي والهشاشة الاقتصادية التي تعرفها هذه الفئة من بيئة حاضنة تسهل عملية استقطابهم إلى هذه المستنقعات الدموية ، وصولا إلى موجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية التي تجتاح المغرب لتعبر عن حالة من انسداد الأفق في وطننا العزيز ، مما يطرح عديد الأسئلة عن واقع ومستقبل وطن يجر خلفه نزيف شبابه على عدة جبهات بدءا من طوابير العاطلين المحتجة في العاصمة الرباط وكل بقاع المملكة مرورا بدماء الشباب المغرر بهم في العراق وشام وغيرها من بؤر الإرهاب المشتعلة عبر العالم وصولا إلى ألاف الشباب المغربي الذي اختار ركوب المجهول للعبور لضفة الأخرى أو الموت في أحضان المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط .
هذا ما يجعلنا نبحث في الاسباب و ذلك للمساهمة في وضع الحلول و ليس لإيجاد التبريرات لهاته الجرائم التي ترتكب في حق شباب المغربي بشكل مباشر عبر سياسات عمومية أتثبت قصورها عن تقديم إجابات حقيقية عن المعاناة الاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها الشباب لعقود من الزمن ، فكل يوم تتعرض هذا الفئة الاجتماعية لأبشع صور العنف الرمزي الممارس من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة والهيئة الدائرة في فلكها من أحزاب ونقابات التي أضحت من وجهة نظر الكثير من الشباب مجرد هيئة مفرغة من محتواها وأدوارها مما دفع بالكثير منهم " أي الشباب " إلى اختيار مسارات أقل ما يمكن القول عنها أنها ضياع ونزيف غير مبرر لطاقات هذا الوطن كما تم توضيح دلك سابقا ...
فالشاب المغرب البسيط اليوم يجد نفسه منذ خطواته الاولى في الحياة حبيس دوامة تحصيل الامور المعاشية و هي دائرة مفرغة لا نهاية لها ، و يوما بعد يوم يكرس لديه المجتمع الرغبة في تحصيل المادة و توابعها ، و مع هذا الضغط المتواصل يجد الشاب نفسه أمام نفق مسدود و يعلن عجزه عن تحقيق تلك المطالب المعيشية البسيطة حتى صار الحديث عن الحقوق الأساسية البسيطة من قبيل النوادر و الطرائف في المقاهي و الملتقيات الشبابية بل درب من دروب المحال ...
حينها يحاول ذلك الشاب العاجز البحث عن الحلول وسط هذا التيه و لا يلقى عندها إلا المزيد من التجاهل و الاحتقار الذي تجلى في مشاهد كان أبطالها مسؤولين هذا الوطن ، بدءا من مهزلة النجاة مرورا بمآسي جرادة والحسيمة وصولا إلى تصريحات مهينة تمس بكرامة شعب بأكمله وغير ذلك الكثير ... و إذا سعى لرفع صوته و التعبير عن مطالبه فمصيره بين القمع و التهميش ... ...
فيصبح الظلم واقعا يعيشه الشاب بكل تفاصيله وتجلياته و يزداد ذلك الإحساس الداخلي الغاضب على البلاد التي يراها ترفضه و تمعن في قهره رغم حبه لها ... فيصير هذا العقل المشحون فريسة سهلة امام أكثر الافكار راديكالية تطرفا من جهة وتسافر أحلامهم لترتبط بآمال بعيدة عن الوطن ولو كان طريق تحصيله ركوب قوارب الموت او الارتماء في أحضان الانحراف والجريمة من جهة أخرى لتصبح المعادلة هي مواجهة التطرف بالتطرف والتهميش بالهروب أو الانزواء ... فالتطرف والتهميش الاول هو الصانع الحقيقي للإرهاب والانحراف وموجات الهروب الجماعية التي ينخرط فيها شبابنا اليوم فهما أصل الداء الذي علينا محاربته ...!
فمحاربة هذه الظواهر التي تفترس اليوم شباب أمتنا سواء كانت تطرفا أو انحراف أو اختيار ركوب أمواج المجهول اضحي ضرورة لا مفر منها لوقاية مجتمعاتنا من هذه الظواهر السلبية التي تكبح وتعطل دينامية تطور المجتمع و لهذا وجب على صانعي القرار في بلادنا نهج مقاربة بديلة تنبني على تكريس قيم بديلة تقوم على العدل و المساواة و فتح الافاق أمام الشباب فلا يكون الفقر و البطالة مصيرا محتوما لا مفر منه ... كذلك رفع الوصاية عن عقل و لسان الشباب و إتاحة الفرص أمامه للتعبير بكل حرية عن طاقاته ومقترحاتهم البناءة في مسار ودينامية التغيير المجتمعية فلا يكون اليأس رفيقهم الابدي ....
و أخيرا هذه السطور ما هي إلا محاولة لتحريك مياه يستمتع كثيرون بركودها وإبعاده الشباب المغربي عن مراكز القرار ممن امتهنوا الشأن العام ، ليس بهدف خدمته وإنما للأسف الاسترزاق بواسطته ومراكمة ثروات بدون وجه حق دونما اعتبار للمستقبل الوطن ومعاناة أبنائه ، وفي الأخير يمكن القول أن هذه الأمة لن تنبعث من رمادها إلا بإعادة الاعتبار لهذه الفئة الاجتماعية وتمكينها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، لبعث حلم وطن نادى به شباب أمتنا المغربية مند فجر الاستقلال ، رحيم بكل أبنائه عسى أن يلحق هذا الوطن بالركب الأمم التي تحترم إنسانية مواطنيه وهو الأمر الذي سيبقى بعيد المنال إن لم يتم مراجعة منهجيات التعامل مع قضايا الشباب على اعتبار أن هذه الفئة هي محرك التغيير ووقود إزذهار وتقدم الأمم .