إن المتتبع للمشهد السياسي المغربي الحالي، وللكيفية التي يتم بها الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، يلاحظ حجم الصراع والتهافت والنقاش الدائر حول ما يسمى في الدول الديمقراطية بآليات التمييز الإيجابي "الكوطا". فبعد التجربة التي كانت في العديد من الدول حول الكوطا، والتي تبناها المغرب، بصفتها إجراء انتقاليا فقط تهدف إلى نشر التربية على المساواة بين الجنسين، والتعود على رؤية المرأة في الحياة السياسية، ثم بعد ذلك يترك للمرأة المجال للتنافس مع الرجال دون هذه الآلية، التي يجب عدم الإبقاء عليها متى استوفت غرضها "التربية على المساواة بين الجنسين" تطبيقا للمادة الرابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة سنة 1979، التي تنص على ما يلي: "لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة، بما في ذلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، إجراء تمييزيا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع على أي نحو الإبقاء على معايير غير متكافئة ومنفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة". من خلال نص هذه المادة التي تسمو على القانون الداخلي يتبين أن هذا الإجراء انتقالي فقط، وليس إجراء دائما، لذا ينبغي على النساء اللواتي وصلن إلى مراكز القرار بهذا الإجراء إبراز كفاءتهن في التدبير والتفوق على الذكور، من أجل إثارة انتباه الناخب، حتى يصوت بشكل إرادي وطوعي على المرأة وبمحض إرادته، لا الإبقاء على هذا الإجراء الذي تحول إلى امتياز في التجربة المغربية، بل آلية لامتصاص الغضب. فبعد تجربتين من تطبيق الكوطا في البرلمان ينبغي الوقوف على التجربة النسوية وتقييمها، إذ الملاحظ أن أداء المرأة في البرلمان، وحضورها لأشغال الجلسات العمومية، ولأعمال اللجان ليس مرتبطا بها كجنس (أنثى) بل بمدى التزام فريقها في الحضور، إذ أن الفريق الذي يلتزم بالحضور للبرلمان، يحضر ذكورا وإناثا، ونفس الشيء بالنسبة للفريق الذي يتغيب، يتغيب ذكورا وإناثا، عدا بعض النساء اللواتي تشكلن الاستثناء فعلا، كما أن المرأة عندما تشتغل في البرلمان تدافع عن توجهات فريق سياسي، لا توجه جنسي ( أنثى، ذكر ). ففي الدول الغربية خاصة الاسكندينافية، تفوق نسبة النساء الثلث، ليس عبر كوطا قانونية، بل كوطا إرادية للأحزاب، لكن الفرق هو أن قيادات الحركة النسائية التي قادت النضال من أجل هذا المكسب هن نساء الأحزاب، ولسن نساء الجمعيات التي تبقى مساعدا لهن وليست نائبة عليهن في رفع هذا المطلب، كما هو الحال في التجربة المغربية. وعلى نفس المنوال يلاحظ حجم تهافت بعض التنظيمات الشبابية، حزبية وغيرها على هذا الإجراء التمييزي، مع العلم أن مبررات إعماله للشباب في التجربة المغربية غير متوفرة، وهذه المبررات تتمثل أساسا في مدى توافر نوعين من المعيقات: وهي إما ثقافية، بأن يكون للمجتمع موقف سلبي، يجعله ضد فئة معينة كالمرأة مثلا، وهذا لا ينطبق على الشباب، لأن ما يحول دون وصوله هو الفساد الانتخابي وليس المعيق الثقافي. المعيق الثاني الذي يوجب إعمال الكوطا، هو وجود أقلية دينية أو عرقية... يستحيل وصولها إلى المجالس المنتخبة، لذا تعمل الدول على تخصيص بعض المقاعد لها في البرلمان لضمان تمثيليتها، فالمعلوم أن الشباب في المغرب يشكل قاعدة المجتمع، ويمثل حوالي 50 في المائة من السكان، وبالتالي فهو لا يشكل أقلية بل أغلبية عددية. من هنا نستنتج أن تخصيص كوطا للشباب ليس بهدف تشبيب البرلمان كما يروج البعض بل بهدف امتصاص الغضب الذي أحدثته الفعاليات الشبابية التي تطالب بالإصلاح الدستوري والسياسي، وتجديد النخب ومحاربة الفساد، والقطع مع أساليب الماضي... وأعادت هذا النقاش إلى الواجهة، والدليل على ذلك هو عدم المساس بعدد مقاعد البرلمانيين السابقين، إذ أن عدد المقاعد ارتفع بسبعين مقعدا -395 عوض 325 مقعدا في السابق-، تم تخصيص ستون منها للنساء والشباب( إضافة ثلاثين للنساء، وإحداث ثلاثين للشباب) بينما أضيفت العشرة مقاعد المتبقية إلى البرلمانيين الشيوخ إن صح التعبير. إن الكوطا أصبحت الآن معطى واقعي وقانوني، لكن كان يجب التنصيص صراحة على منع الترشح على الفائزين في هذه اللائحة مرة أخرى، حتى لا تصبح اللائحة سواء الشبابية أو النسائية امتياز يحتكره المقربون من الأمناء العامون للأحزاب السياسية، أو من المنتمين للعائلات المهيمنة داخلها. وتبقى أفضل وسيلة لتجديد النخب، التي كان ينبغي على التنظيمات الشبابية المتهافتة على الكوطا، وكذا التنظيمات النسائية الدفاع عنها، تتجلى أساسا في ضرورة التنصيص الدستوري، أو القانون التنظيمي لمجلس النواب على حصر الولايات الانتخابية للبرلمانيين في ولاية واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة، آنذاك يمكننا القطع مع وجوه الفساد السياسي التي تنتعش في ظل فتح باب الترشيح في وجهها إلى ما لا نهاية. فبعد النساء والشباب الآن مع الكوطا، لا ندري الدور القادم لمن سيكون ليطلب بدوره بالتمييز الإيجابي؟ باحث في العلوم السياسية، ماستر في موضوع الحركة النسائية، جامعة محمد الخامس أكدال.