«عرفت الانتخابات التشريعية لسنة 2002 سيادة منطق العلاقات الزبونية والعائلية في الترشيحات، وهو استغلال سيئ لنظام الكوطا الذي يحمل مقاصد نبيلة». هذا ما صرح به عبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المعارض، لكنها لم تعرف تجندا من طرف الحركات النسائية الداعية إلى اعتماد الكوطا والرفع من نسبتها، رافقه صمت من طرف القطاعات النسائية الحزبية، واستمرار هذه الظاهرة دون مقاومة، وهو الذي من شأنه المس بمصداقية مطالبهن وإفراغها من مضمونها الإيجابي الذي أسست من أجله. هذا التصرف اعتبره عبد العلي حامي الدين أسلوبا له تداعياته الخطيرة، ليس فقط على مستقبل التمكين السياسي للمرأة، ولكن على الحياة السياسية عموما وعلى مستقبل الديمقراطية في المغرب، والمعني بالتصدي لها أولا هم النساء أنفسهن، دفاعا عن عدالة قضيتهن ومنعا لأي تشويه لها، لأنهن أول المتضررات من هذا الاستغلال البشع لمكتسب ديمقراطي أساسي، كما أن الأمر مرتبط أيضا بضرورة إصلاح الأحزاب السياسية وتأهيلها لتكون في مستوى التحول الديمقراطي المطلوب. وتشاطره الرأي النائبة البرلمانية باسمة حقاوي، وتضيف قائلة: «لقد تم استغلال الكوطا لجلب نساء لا يتوفرن على الكفاءة ووضعهن في مناصب القرار». فاطمة الليلي لم تشاطر الرأي ممثلا حزب العدالة والتنمية، حيث ترى أنه لا يمكن إقصاء المناضلات ذوات الكفاءات بحجة أنهن مقربات من رجال السياسة، فالترشيحات كما تقول الليلي، النائبة عن حزب التجمع الوطني للأحرار، يجب أن تحدد بمعاير تساوي بين الجميع، بدل أن نبقى في دائرة مقفلة. العلاقات العائلية والشخصية ليست المشكل الوحيد الذي يعيق تجربة الكوطا في المغرب، والتي تعتبر استثمارا استراتيجيا بالنسبة إلى كل من الدولة والأحزاب والحركات النسائية، على حد تعبير باسمة حقاوي، النائبة عن حزب العدالة والتنمية، حيث أكدت أن النساء يعتبرن هذا التمييز فرصة مواتية للوصول السريع إلى مواقع القرار بسهولة وبدون جهد يذكر. لكن النساء لسن الوحيدات اللواتي يسئن من استخدام هذا التمييز الايجابي، بل نصفهم الآخر أيضا، ففكرة أن المرأة هي منافسة للرجل تسيطر على مساحة التفكير في عقولهم، إلى درجة تدفعهم إلى استغلال الكوطا من أجل إقصاء المرأة من اللائحة المحلية والاكتفاء باللائحة الوطنية، والحديث هنا لباسمة حقاوي. باسمة وأخريات استطعن ولوج ميادين ومهن حساسة، لكنهن كن بحاجة إلى ما يسمى» الكوطا» أو التمييز الايجابي من أجل الوصول إلى المؤسسات التمثيلية، رغم أن النساء يمثلن أكثر من 47 من مجموع الناخبين المغاربة، وفي هذا السياق، أكد عبد العلي حامي الدين أنه لابد من الإشارة إلى أن نسبة الاقتناع بأهلية المرأة وقدرتها على ولوج العمل السياسي لدى المرأة نفسها تبقى نسبة ضعيفة، لأن المشكلة ذات طبيعة بنيوية عميقة مرتبطة بسيادة ثقافة اجتماعية تكرس دونية المرأة وضعف أهليتها للعمل السياسي، ووجود طرح يدعو النساء إلى استقطاب أصوات شقيقاتهن في الجنس، ترفضه حقاوي جملة وتفصيلا، حيث ترى أن المرأة نائبة للأمة، أما حامي الدين فيؤكد هو الآخر أنه رغم هذه الوضعية لا يجب أن نسقط في نوع من التصويت «الطائفي» على أساس الجنس، لأن هذه نظرة مبنية على أساس منطق الصراع بين الرجل والمرأة، على حد قوله. فعدم قدرة المرأة على جلب الأصوات لا يرجع إلى ضعف تكوينها السياسي أو عدم كفاءتها، ولكن الأمر مرده، كما قالت فاطمة الليلي، إلى مشكل العزوف عن المشاركة في الانتخابات، إضافة إلى استعمال المال لشراء الذمم. «تواجد المرأة في البرلمان أمر ضروري من أجل نجاح الحياة التشريعية والسياسية بالمغرب». هذا ما تنادي به الجمعيات التي تطالب بالمساواة بين الجنسين في جميع الميادين، بما في ذلك المساواة بين النساء والرجال في البرلمان، وذلك من خلال تعزيز دور «الكوطا» والرفع من سقف نسبتها، والتي تسمح للنساء بالحضور ولو بنسب محددة، خاصة المناضلات اللواتي يؤكدن على ضرورة حصول المرأة على تمثيلية تصل إلى الثلث. وبهذا الخصوص تقول فاطمة الليلي: «ندعم المناضلات المطالبات بالثلث من خلال مواقعنا السياسية وعبر تعبئة وحث الأخوات البرلمانيات على الدفاع عن هذا الطرح عن طريق فرقنا البرلمانية لتقديم تعديلات تدعم هذه المقترحات من أجل ضمان حظوظ أكثر وتمثيل مشرف للمرأة المغربية في الانتخابات القادمة إنشاء الله في يونيو 2009». نحو تعزيز دور المرأة لقد ظل المغرب ومنذ سنة 2002 يحاول تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية من خلال نظام «الكوطا» الهادف إلى توفير تمثيلية برلمانية للناس، التي اعتبرت الأولى من نوعها في العالم العربي، فالمغرب اعتمد على نظام «الكوطا» أو التمييز الإيجابي خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002 وكذا 2007، ورغم ذلك ظلت الجمعيات النسائية تطالب وتلح على ضرورة رفع سقف حصة النساء، وهذه التجربة كانت فرصة للنساء السياسيات من أجل إثبات حضورهن على مستوى المؤسسة التشريعية، وهذه التجربة التي تجرنا إلى التساؤل حول الحاجة مرة أخرى إلى الكوطا بغية الحصول على بطاقة الحضور في المؤسسات المنتخبة، حيث أكد عبد العلي حامي الدين أنه بالنظر إلى نسبة حضور المرأة في المؤسسات المنتخبة، سواء على مستوى البرلمان أو على مستوى الجماعات المحلية أو على مستوى الأجهزة، مازالت المرأة في المغرب بحاجة إلى هذا النظام لانتزاع الاعتراف المجتمعي بمؤهلاتهن لتدبير الشأن العام.