في الحقيقة ما تفضل به الأستاذ المحترم أسعد طه-مشكورا- من قوله-على الفايس بوك-:(...ومن الديمقراطية ألا يغضب الناس أو يخافوا إذا ما فاز تيار ما في النقابات كالإخوان مثلا،وإنما يستعوا لجولة مقبلة) قول يستحق الوقوف عنده ليوفى بعض حقه. إن طرحه هذا موقف ديمقراطي جد متقدم ينم عن تشبع عال بقيم الديمقراطية،وهو في الحقيقة -كما أرى فيه أنا شخصيا على الأقل-رد عملي على بعض العلمانيين،أقول بعض،الذين يسوقون لمقولة خطيرة جدا،ولا يمكن لأي معني ومتتبع ...إلا ان يعتبرها انقلابا ممنهجا في صورة ملتوية التفافية على الديمقراطية... مفاد هذه المقولة:(إن إجراء اي انتخابات الان والحالة ان كل الشعوب العربية والإسلامية تنهل من نفس المرجعية التي يصدر عنها الإسلاميون ويتقاسمون معهم نفس الهوية...فلن تكون إلا في صالح الإسلاميين...). والحل في "نظرهم" "الثاقب" و"الوجيه" هذا هو تاجيل إجراء اي انتخابات في الظروف الراهنة (وهذا كلام صدر ويصدر عن أكثر من جهة آخرها ما جاء على لسان واحد من أبرز متزعمي هذا التوجه،اثناء مشاركته في ندوة حوارية بين إسلاميين ويساريين). تأجيل الانتخابات حسب هذا الطرح قد يستغرق سنة،عقد،جيل...علم ذلك عند اشباه الديمقراطيين هؤلاء-إلى حين "تربية" هذه الشعوب على المبادئ الديمقراطية حتى تستطيع "التمييز" بين الديمقراطي وبين غيره!!!. هذا كلام خطير وانقلاب،كما قلت آنفا،على الديمقراطية..فإما ان تصوت الشعوب لصالحي أو احكم عليها بأنها غير ناضجة (استنساخ ممسوخ لمقولة سئ الذكر دبليو بوش:من ليس معنا فهو مع الإرهاب). هذا انتقاص من الشعوب ووصفها بالقصور وعدم النضج نمجه ونرفضه كما يرفضه العقلاء والشرفاء من العلمانيين لا ادعياء العلمانية.فشعوبنا،كما اقول دائما،ليست اقل من شعب "الزولو إنكات" اوغيره من كثير من الشعوب التي تنعم اليوم بديمقراطية حقيقية لاديمقراطية الواجهات والتسويق الخارجي. من حقي اليوم كإسلامي ديمقراطي أن أضع يدي على قلبي خوفا على الديمقراطية عامة وعلى مستقبلها في بلدي/المغرب(لأننا لازلنا نتلمس الطريق إليها ولازلنا نراوح مكاننا في فترة "الانتقال إلى الديمقراطية"،هذه الفترة التي طالت واستطالت وتم تمطيطها واستهلاكها حتى اصبحت كتلك الأسطوانة المشروخة من كثرة تكرارها على مسامعنا). نعم من حقي ومن حق كل ديمقراطي-إسلاميا كان او غيره-ان نخاف على الديمقراطية وعلى مآلها من ادعياء الديمقراطية والعلمانية هؤلاء...انطلاقا من هذا التخوف -الذي اراه مشروعا-اسائل هؤلاء "الديمقراطيين جدا": 1) ما هي المدة بالضبط –نريد جوابا واضحا-التي سيستغرقها "مشروعكم" هذا،"مشروع" "تنشئة" و"تاهيل"...و"تربية" الشعوب على الديمقراطية؟. 2) ما هي الضمانات على ان "مشروعكم"هذا سينجح؟. 3) ما موقفكم من الديمقراطية إن فشلتم في ذلك؟. خصوصا وأن جميع المؤشرات تدل على فشل رهانكم ،من اهمها: *ما يعرفه العالم الإسلامي،ومن ثلاثة عقود خلت تقريبا،من صحوة وعودة للذات،وخط هذه العودة في تصاعد متزايد،خصوصا مع فشل رهان كثير من المراهنين على الغرب (ولأكون دقيقا وواضحا اقصد رهان بعض المتغربين الذين يعيشون بيننا غربة مركبة،غربة هوية وتاريخ وجغرافيا...،فشل رهانهم على الغرب الاستعماري لا الغرب الإنساني بطبيعة الحال). *نجاج تجارب إسلامية وصلت إلى الحكم عن طريق الديمقراطية باصوات قياسية غير مسبوقة معبر عنها عبر صناديق الاقتراع خلال عدة استحقاقات في انتخابات شهد بنزاهتا المراقبون الدوليون قبل المحليين ومراقبي باقي الفرقاء السياسيين،حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا. هذا النموذج الذي تجاوزت حدود تاثيره الجغرافية التركية إلى باقي العالمين العربي والإسلامي،بل اصبح محرجا ومؤرقا لكل الأنظمة العربية ليس فقط بديمقراطيته، التي تضاهي كثيرا من الديمقراطيات الغربية، وبمشروعيته المستمدة من اختيار الشعب له ولكن ايضا بمواقفه الجد متقدمة والشجاعة... من قضية الأمة المركزية،قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي. 4) هل ستعودون بنا إلى المرحلة السطالينية في حالة فشل "مشروعكم"؟. 5) هل سنعيش فترة الخمير الحمر، الحكم الدموي ل(بول بوت سفاح كمبوديا)؟. 6) هل سنكون امام فترة جديدة من التطهير العرقي والديني بتصفية المعارضين والخصوم السياسيين؟. 7) هل ستكون لكم الشجاعة بالاعتراف بفشل "مشروعكم"؟. 8) اليس من حق هذه الشعوب،بعد ان تكونوا بزجها في نفق "مشروع"إعادة تاهيلها" قد ضيعتم عليها الفرصة في تحول انظمة حكمها إلى انظمة ديمقراطية منشودة،اليس من حقها أن تطالب حينها بمحاكمتكم؟. 9) اليس من حقنا أن نشير باصبع الاتهام-مجرد اتهام- إلى هؤلاء وأمثالهم من اصحاب هذه "النظريات الوجيهة" أن ما يطرحونه يلتقي مع رغبات النظمة الديكتاتورية القمعية لأنها لاتريد لهذه الشعوب ديمقراطية حقة،لأنها تدرك بحسها القمعي والاستبدادي ان في ذلك إيذان برحيلها وكنسها ورميها في مزبلة التاريخ؟ 10) الا يلتقي موقفكم هذا مع موقف و.م.أ.السلبي الرامي إلى إفشال وإجهاض ومنع كل انتخابات في العالم العربي خصوصا ثبت لها عن طريق تقارير استخباراتية إما امريكية او غيرها ان إسلاميين سيفوزون فيها؟. 11) اليس هذا هو ذات موقف بعض الأنظمة من الإسلاميين الديمقراطيين،هذا الموقف الذي لم يقتصر على حرمانهم من حقهم الطبيعي والقانوني والدستوري في التنظيم والإسهام،كما غيرهم من باقي الأحزاب،في تأطير المواطنين،بل تعداه إلى استعداه جهات خارجية عليهم وتحذير هذه الجهات منهم على انهم كلهم على نفس الشاكلة،حسب بعض التسريبات الأخيرة؟. إذا كنا بالامس القريب نجد كثيرا من العلمانيين يتخوفون على الديمقراطية من بعض "الإسلاميين"، فأرى انه من حق الإسلاميين الديمقراطيين اليوم ان يتخوفوا على الديمقراطية من بعض "العلمانيين". وأنا هنا لست بوارد الاستنكار على العلمانيين تخوفهم ذاك بل أقدر ان تخوفهم كان ولا يزال مشروعا. ففي مقابل الخمير الحمر عند اليسار هناك الطالبان المحسوية،ظلما على الإسلاميين،وفي مقابل ادعياء الديمقراطية وسط العلمانيين هناك أيضا من لازال يجاهر بالعداء للديمقراطية وسط الإسلاميين وفي احسن الحالات نجد بعض هؤلاء يصرح في كتاباته بإيمانه بمرحلية الديمقراطية وبتكتيكيتها واعتبارها مجرد مطية للوصول للحكم... إننا اليوم امام تحد خطير ومسؤوليات جسام...يتمثل كل ذلك في التصدي ومقامة هذا الانزلاق الخطير..،الذي يمكن اعتباره بداية التاسيس والتنظير... لاختيارات لاديمقراطية تشتم منها رائحة الدم... يفرض هذا التحدي على كل مكونات الصف الديمقراطي بشتى مشاربه،وبدون إقصاء او مزايدات هذا الطرف على ذاك... التوحد وتجاوز الخلافات سواء خلافات في المرجعيات او التقديرات السياسية والمواقف المرحلية من هذه القضية او تلك...فكلها أمور ثانوية والخلاف فيها لا ينبغي ان يفسد للود قضية بين الفرقاء.. عليهم ترتيب الأولويات والبحث عن المشترك الذي يجمع ولا يفرق والتعاون على تنزيل هذا المشترك،وتبني القاعدة الذهبية (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)،كل من موقعه،لا ندعوا لتحويل بندقية النضال من كتف إلى كتف... عليهم تسوية الأوتار فيما بينهم حتى تصبح نغمات معزوفاتهم وكانها معزوفة واحدة متناسقة منسجمة مع معزوفة الشارع العربي في ربيعه الذي بدأ يزهر... وإلا فإنهم سيخطؤون موعدهم مع التاريخ فتتجاوزهم الجماهير بعد أن تلفظهم..ولا يبقى لهم حينذاك اي حق في قيادتها...بل يفقدون جميع الحقوق ما عدا حقا واحدا هو تسجيلهم في كتاب (غينيتس) كمختصين ومحطمي الأرقام القياسية في تضييع الفرص. مع تحياتي ومتمنياتي بان نرى بلداننا ترفل وتنعم بالديمقراطية،تصبحون على ديمقراطية.