مهما استثمرت الأحزاب الشرعيات التي تستظل بها ، و مهما تسلحت بمختلف الذرائع وحملت جزءا من تدهور واختناق العمل السياسي ومحدودية المشاركة الانتخابية للدولة ومؤسساتها المنتشرة في كل مكان، وهذه حقيقة تاريخية لا مراء فيها، فإن مجمل الأحزاب يتعين عليها أن تعترف وبجرأة عالية، بأن جزءا مهما من إخفاقاتها وانتكاس العمل السياسي وتتفيه المحطات الانتخابية، كامن في ذاتها وفي طريقة تدبير أجهزتها وتواصلها مع المواطنين، وارتهان الاجتهاد الفكري والنظري في ممارستها للمناسبات مثل "اقتراب مواعيد المؤتمرات الوطنية إن احترمت الآجال المحددة لها " أو وجود هزات سياسية واجتماعية . أعتقد أن تبني نظرية المؤامرة من طرف العديد من الأحزاب، والحديث عن وجود مخططات تسعى إلى تقزيمها وتهميشها وتدميرها، وهذه فرضيات بعضها مازال صحيحا حتى تثبت الوقائع عكسها، فيه هروب من الواقع الحزبي ذاته، وتغطية على الأعطاب التنظيمية والبياضات الفكرية والصراعات الشخصية والمصالح الضيقة التي تؤجل انبثاق أي رؤية للتجديد، أوبلورة تعاقد جديد تجاه المجتمع.علما أنه عندما تكون هناك رؤية وفلسفة محددة يلتف حولها الناس، يمكن لقائد حتى لو كان لايتوفر على مواصفات الكاريزما، أن يقود الحزب ويتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، وعندما تغيب هذه الرؤية، فإنه يصعب ويتعذر ،حتى على من يمتلك قدرا وافيا من الكاريزما ومن الخيال السياسي من الوصول إلى تحقيق أداء متميز وقيادة القواعد بطريقة مقنعة وسلسة. من دون شك تدرك النخب الحزبية في المغرب، أنه لامناص من تحيين الأهداف والمفاهيم والتحاليل والتوجهات، ووضع القواعد الصلبة لإعادة البناء الإيديولوجي والبرنامجي الضروري، وتحديد التحالفات على قاعدة الوضوح والانسجام، وهذه في اعتقادي شروط أساسية لأي اكتساح سياسي بالمعنى الايجابي للكلمة، ومدخل حيوي للحصول على جهاز سياسي عصري وفعال، يمكن من تبسيط طرق الاشتغال واتخاذ القرار، ويعطي القوة والمناعة لتصور الحزب للنموذج الاجتماعي، و يطلق الحوار والمواجهات الفكرية مع الجمعيات والنقابات وكل التعبيرات المجتمعية، ومن هنا يبدأ مشروع أو مشاريع تكوين أقطاب منسجمة تحظى بالمصداقية وتعكس التحولات الاجتماعية. إن أي مشروع لايمكن أن يتحقق إلا عبر البناء المتين، والثقة في النفس، والواقعية وتكريس ثقافة الاعتراف والنقد الذاتي والانفتاح. علما أن مسلك الشعارات وتبخيس واحتقار المبادرات الفكرية المنتجة لا يمكن أن يصوغ مشاريع وبرامج تجيب عن سؤال السياسة والمسألة الاجتماعية والاقتصادية ومعضلة التشغيل والصحة والتربية وخدمات الأعلام العمومي والعدالة والمساواة والحكامة الإدارية و استحقاق الجهوية والتنوع اللغوي والتعدد الثقافي..إلخ. وكما أن العواطف الجياشة والملتهبة لا يمكن أن تصنع استراتجيات، فإن الفاعل الحزبي أو القائد السياسي الذي لا يقول الحقيقة للجماهير، ليس بقائد من الناحية الشعبية والسياسية والأخلاقية. الآن ونحن نعيش حالة من الكسل السياسي ، رغم الاستهلاك المبالغ فيه وغير المعقلن أحيانا للاستحقاقات الانتخابية المنتظرة،يطرح سؤال أساسي ومركزي واستفزازي على الأحزاب السياسية ،بخصوص قدرتها الفعلية على إحداث قطيعة مع واقع السلبية واللامبالاة التي ميزت الاستحقاقات السابقة ، و أيضا بخصوص اقتراحاتها لتأمين الشروط الضرورية لاسترجاع الثقة في العمل السياسي، وإعادة الاعتبار لسؤال السياسة والمشاركة الانتخابية و السبيل إلى إقناع المواطنين بأهمية الانخراط الملتزم والواعي في المحطة الانتخابية المقبلة ، بهدف رفع تحديات التنمية، وتوفير شروط المشاركة الواعية لتحصين وتعميق الاختيارات الوطنية الأساسية، المتمثلة أساسا في البناء الديمقراطي عبر الإصلاحات المؤسساتية والسياسية الضرورية، باعتبار هذه العناصر مقومات جوهرية لإحقاق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة الحق والقانون. كما يتعلق الأمر هنا بكسب رهانات التنمية المستدامة عن طريق نهج الحكامة الجيدة والإنخراط المسؤول والواعي للمواطنين في تحديد البرامج وتنفيذها ،وتقييم نجاعتها ومراقبة مرد وديتها. اللافت أن الساحة السياسية الوطنية شهدت وتشهد تحركات لعدد من الفاعلين السياسيين بغية تشكيل تحالفات وتقاطبات جديدة غير أن سحبا كثيفة من الغموض تشوش على رادارات هؤلاء الفاعلين .فما هي آفاق وإمكانيات صياغة تحالفات حزبية قبل وبعد الانتخابات توخيا للعقلانية والمر دودية ؟ وما هو حجم الفرص الممكنة لإعادة تشكيل المشهد السياسي الوطني؟ وإذا توفرت الشروط واجتمعت أسباب النهوض بهذا الورش السياسي والأساسي ،فإنه سيشكل مؤشرا على نضج الحقل السياسي واتجاهه نحو تشكيل أقطاب كبرى ،تتجاوز التحالفات الظرفية ذات الطابع التكتيكي والتي يمليها عادة المنطق الانتخابي .