يوم 26 يوليوز 2011، أعلن أحمد ابن الصديق في رسالة إلى الملك، أنه يضع حدا للبيعة. لقد قرر أن يلجأ لهذه الوسيلة بعدما استنفد جميع الوسائل وسلك جميع القنوات والمناشدات لإسماع صوته، فجاءت الرسالة مدوية كالصاعقة و أحدثت رجة لا يستهان بها. لا شك أنها سوف تنضاف إلى سجل الضربات الموجعة التي توجهها زمرة الديمقراطيين والمواطنين المغاربة النزهاء إلى النظام الحاكم و إلى حاشيته، خاصة أن نشرها على شبكة الإنترنت أعطاها صدى كبيرا و ما يزال صداها يتردد لم يجرأ حتى الآن أي مسؤول عمومي على هذه المغامرة الخطيرة، فهي مجازفة كبيرة لعل أقل تداعياتها على كاتب الرسالة إقفال باب العودة للعمل في المؤسسات العامة في الماضي و إبان حكم الحسن الثاني ، كان مصير من تأبى عليه كرامته أن يقدم فروض الولاء للملك أو يقبل يده، أن توضع العراقيل مدى الحياة أمام كل مساعيه للحصول على وثائقه الإدارية بالنسبة للقصر و خاصة للمهووسين بجنون العظمة، تعتبر رسالة ابن الصديق كإعلان حرب: فقبل أن يجف مدادها أصبح منزله محاطا بحزام أمني و صارت حركاته و اتصالاته موضع مراقبة مستمرة. تُرى ماذا حدث حتى يتمرد مواطن هكذا على السلطة الأولى في البلاد؟ و ما حجم المعاناة التي دفعته لذلك ؟ ابن الصديق كان مديرا لشركة شبه عمومية مكلفة بتسيير حامة » مولاي يعقوب » (تابعة لمجموعة صندوق الإيداع والتدبير ) وبهذه الصفة، كان مسؤولاً عن أدائها السليم، وأمن منشآتها وعن سياسة تطويرها. لم يتجاوز أبدا حدود مسؤولياته عندما كشف – بعد أشهر قليلة عن تعيينه- عن أوجه الخلل، مثل الممارسة غير المشروعة لمهنة الطب داخل المؤسسة لمدة اثني عشر عاماً أو عندما أخذ على محمل الجد تقارير تقنية تحذر من خطر انهيار بناية الحامة الشعبية، أو عندما بدأ بتفعيل مشاريع جديرة بالثناء للارتقاء بالأداء الطبي للحامة العصرية (التوأمة مع محطة إيكس ليبان الفرنسية، التعاون مع المعهد الوطني للوقاية التابع لوزارة الصحة لحماية المواطنين من الأمراض، الشراكة مع كلية الطب بفاس لإنشاء تخصص جديد غير موجود بالمغرب)، أو حتى عندما زار الملك الحامةفاستقبله المدير و بسط بين يديه تلك المشاريع والتمس منه الدعم الملكي بعد استشارة الإدارة العامة لصندوق الإيداع و التدبير ، نظرا لبعدها الوطني لقد ورد في التقارير التقنية، لكل من المهندس المعماري الفرنسي جون بول إيشتير المقيم بفاس، والمختبر العمومي للتجارب و الدراسات أن هناك « تآكل بالغ في الهيكل الفولاذي للبناية، و تشققات في الكمرات الخرسانية، واختلالات تشكل ضررا على استقرار البناية، وتدهور تصاعدي يفرض إصلاحات فورية، كما أن أسس بعض جدران التدعيم غير كافية، و الخرسانة متدهورة على العموم، و هناك أضرار ناجمة عن المياه الكبريتية ...الخ » و جود خطر حقيقي على زبناء المحطة. ردا على ذلك، توصل ابن الصديق بإشعار عن جريمة الإساءة لشخص الملك، حيث تضمنت مراسلة صندوق الإيداع و التدبير ما يلي :« الإخلال بالاحترام الواجب إلى السلطات العليا في البلاد: إزعاج صاحب الجلالة الملك خلال زيارة خاصة إلى منتجع مولاي يعقوب، دون امتلاك الصفة و الصلاحية للتصرف و لا الإذن المسبق من المشغل. السيد ابن الصديق سلم للملك ملفا يتضمن مجسمات و صورا، مما أزعج هذا الأخير. لقد أصر على تسليم الملف للملك لحظة مغادرته« الغريب هو أن المؤسسة انتظرت سبعة أشهر قبل أن تتذكر فجأة أنه تجرأ على عدم احترام الملك... أو بالأحرى أصبحت الاختلالات تفوح رائحتها و تهدد بعض المسؤولين الكبار. لذلك لجأوا لهذا الأسلوب لإرغامه على الانسحاب بصمت. لقد جاء جواب ابن الصديق بليغا في تعبيره عن حجم الاحتقار وحجم المأساة التي تُنسج خيوطها أمام أبصارنا. « في الحقيقة، قدمتُ إلى الملك هدية عبارة عن مجلة كنت أحتفظ بها بعناية : فيها صورة لشاب فرنسي ممن يمارسون تسلق الجبال و « هو يرفع العلم المغربي على قمة أعلى جبل في العالم، الايفرست، وذلك يوم زفاف الملك محمد السادس بالضبط بعد ذلك بعام، قرر الملك تعيينه في منصب المدير التنفيذي للاحتفال بذكرى مرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس، و هذا القرار يعتبر في حد ذاته تكذيبا واضحا لتهمة عدم احترام الملك و تأكيدا على مؤامرة استطاعت في آخر المطاف أن تلقي به خارج هذا المنصب بصفة تعسفية رغم أنه صاحب الفكرة و المبادرة أصلا مما يؤكد ان المؤامرة أقوى من القرار الملكي من البديهي، لكي نسمي الأشياء بأسمائها دون التفاف، أن جريمة ابن الصديق في نظر خصومه أنه أبدى حماسا خلال لقاءه مع الملك، عندما شرح له المحاور التنموية الطموحة لمحطة المياه المعدنية مولاي يعقوب. إذا تذكرنا طبيعة الحاشية المتملقة و سلوكياتها الانتقامية، لا داعي للبحث عن أسباب أخرى لتصميمها على تدمير الرجل و تنغيص حياته، و لتذهب مصالح العباد للجحيم...بدءا بإجهاض المشاريع التي اشتغل عليها مع شركاء كثيرين مغاربة وأجانب، ورغم الموافقة الملكية و هذا خطير في حد ذاته بذل ابن الصديق المهندس قصارى جهده لابتكار أفكار جيدة، معتمد ا على طبيعته الحيوية ومقاربته المهنية و شغفه بالتاريخ و الحضارة المغربية و كيفية مساهمتها في بناء المغرب المعاصر، فوضع تصورا لتنزيلها على الواقع و أقنع نخبة من الكفاءات و المؤسسات لتحويلها إلى مشروع نال فيما بعد الإعجاب والدعم من شخصيات وازنة بالمغرب و خارج الحدود إن من يحاولون اليوم الإجهاز عليه يعرفون أنه أصبح يشكل تهديدا لمواقعهم ومصالحهم . لقد وضع الأصبع بدقة و ضمير حي و بالحجج على الاختلالات الوظيفية للحامة ومنها خطر موت الزوار الذي قد ينجم عن تآكل البناية العتيقة ، كما أظهر التقصير الكبير الذي اتسم به تدبير من سبقوه و عدم اكتراث الإدارة العامة بالرباط مما يبرز النقص في الكفاءة والمسؤولية لأنها فضلت أن تغض الطرف على انتهاكات كبيرة وعرضت سلامة المواطنين وصحتهم للخطر. لكن المستقبل القريب سيتكفل إن شاء الله بإنصافه ! لقد وصفوا لنا مغرب الكفاءات و لم يتطرقوا لمغرب الإهانات. عندما آمن ابن الصديق بالمغرب الأول كافأوه بأن قذفوا به في المغرب الثاني ليلتحق بطائفة المقهورين و المبعدين و المنفيين جرت الأعراف المخزنية أن من واجهه هذا المصير الإقصائي غالبا ما يسجن نفسه في الصمت كأنه اقترف ذنبا و ينتظر أن يأتي الصفح أو يناله العطف يوما أوقد لا يناله، لكي يستأنف مساره، على عادة الحاشية التي تتحكم في مصير الأطر و المسؤولين حسب هواها لكنه على عكس العادة اختار ألا يستسلم بل أن يقاوم، كرجل حر، و يطالب بأن يحاكم إذا ثبت في حقه أي فعل يستوجب ذلك. من الواجب أن يدافع الإنسان عن شرفه إذا تمت إهانته، و الاستماتة لأجل الحصول على حقوقه كاملة والتمكن من إعادة بناء حياته التي دمرها المدمرون و المفسدون. أليس من الطبيعي أن يطالب المظلوم بالتعويض عن الأضرار الجسيمة التي لحقت به لمجرد أنه قام بواجبه المهني و كله ثقة في بلده ؟ لقد مرت ثلاثة أسابيع عن نشر الرسالة المدوية دون أن يصدر أي رد فعل رسمي، مما يعزز مصداقية الرسالة و يشكل إقرارا ضمنيا لكل ما ورد فيها. و الرأي العام، عبر العشرات من المقالات الصحفية منذ 2008، و عبر الرسالة المفتوحة ما قبل الأخيرة التي أرسلها ابن الصديق للملك شهر يوليوز 2010 وسماها رسالة الكرامة والمسؤولية والوضوح، من حقه أن يسمع رواية الطرف الآخر أي السلطة و من حقه أن تفتح تحقيقات جادة لتحديد المسؤوليات و محاسبة الجميع بما فيهم ابن الصديق و معاقبة المفسدين مهما كان منصبهم و إعادة الاعتبار للنزهاء لا أريد إكمال هذا المقال دون الإشارة إلى هذه الوقاحة الإضافية التي صفعت الديمقراطيين يوم 4 غشت 2011، أثناء زيارتهم لمنزل المعني بالأمر لمؤازرته. ذلك أن أحد عناصر الاستخبارات، بعد أن قام بتصوير النشطاء، و عندما تعرف على السيد « سيون أسيدون » من بينهم، صاح في وجهه ساخرا « أنت يهودي، عليك أن تلتحق بإسرائيل ! » ما هو الرد على هذا الجهل المخيف بالمغرب و ثقافته و تراثه و تاريخه ؟ لا جدوى من ذلك، باستثناء الاقتناع أن النظام لم يعد له أي سلاح يعتمد عليه ليعاكس نضالنا المشروع من أجل الحرية والكرامة، إلا الاوغاد و السفهاء. وأبشع ما في القضية هو أننا نحن الذين ندفع أجورهم.