إن ثمة سؤال يطرح نفسه في خضم التحولات والتغيرات السياسية الدولية والإقليمية، يتعلق بمدى رغبة مالكي وسائل الإنتاج والإكراه، أو ما يصطلح عليه داخل الحقل الثقافي والسياسي المغربي ب " المخزن"، في خلق قطيعة مع سياسة العبث التي بصمت حقبات من تاريخ المغرب . إن محاولة الإجابة عن الإشكالية المومأ إليها أعلاه، يستدعي تشريح بنية النظام السياسي المغربي، وذلك من زاوية الثابت والمتغير في الحقل السياسي المغربي. وبناء عليه يمكن القول أن "المخزن المغربي" استطاع أن يضمن بقاء رساميله في ظل حركية اجتماعية ودينامية سياسية، وأن يعيد إنتاج نفسه دون أن يمس ذلك ببنياته الداخلية. فالمخزن إذن يجيد لعبة الإستمرارية، إنه حسب الباحثة المغربية هند عروب " يتغذى ويتقوى من المتغيرات، يتكيف ولا يتغير"، وقد ساعدت مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية في تكريس مسلسل الإستمرارية ، من ذلك التوسل بنظام تقليداوي باترمونيالي (patrimonialisme) يتم من خلاله تنزيل آليات تقليدية في قوالب حديثة، والإنتقال البيولوجي للسلطة غير المقترن بمفهوم الدمقرطة والتحديث، وغياب إرادة حقيقية وفلسفة واضحة لدى مالكي وسائل الإنتاج والإكراه، وخوف النخبة من مغامرة التغيير وتفضيل صيغ الماضي والإستزلام بالسلطة، عوض سيناريو الإنتقال المقترن في المخيال السياسي بالمجهول ... وهكذا فإن سؤال الإستمرارية يظل الهاجس الأوحد لصانعي القرار السياسي بالمغرب، وهو نفس الهاجس الذي أبداه الباحث الإيطالي ريمي لوفو (Rémy leveau) حين كتب سنة بعد وفاة الحسن الثاني ما يلي : "إذا كان الكل يدفع الملك إلى ارتداء دور ولباس أمير المؤمنين، فإن هناك سؤالا يطرح نفسه : هل لدى الملك الحالي رغبة للخروج منه ؟ ". إذا كانت الرؤيا لم تتضح للراحل لوفو لتقييم عمل المؤسسة الملكية بعد مرور سنة على الإستخلاف، فإن مرور أزيد من عقد من الزمن على هذا الإستخلاف كاف - في اعتقادنا- للإجابة بشكل أكثر وضوحا عن أسئلة ريمي لوفو ، والقول أن المخزن عمل دوما على إعادة إنتاج سيناريوهات العهد القديم، مع إدخال بعض الرتوشات من حين لآخر على بنيته الداخلية، كانت آخرها - وليست الأخيرة – التعديل الدستوري الذي قدم الملك خطوطه العريضة في خطاب 17 يونيو 2011، والذي رآه البعض بأنه " تحدث عن كل شئ دون أن يعطي أي شئ ". إن الضغط الشعبي والحراك السياسي الرافع لشعار " حرية ، كرامة، عدالة إجتماعية "، لم يشكل للمخزن أدنى حرج من ترديد سنفونية التوابث الستاتيكية، والمجسدة في : الإسلام، إمارة المومنين، الوحدة الترابية، ثم الخيار الديمقراطي الذي تذيل به دائما قائمة التوابث هاته، والتي تشكل كوكتيل يجمع بين أشياء متناقضة ومتنافرة شكلا ومضمونا، وهو ما حدى بالدكتور المهدي المنجرة للقول بأن : " المخزن والحرية وحقوق الإنسان تتناقض، من غير الممكن أن يتعايشوا". وعلى سبيل الختام نخلص إلى أن مالكي وسائل الإنتاج والإكراه في سعي حتيت ومستميت للحفاظ على ما تبقى من رساميلهم المادية والرمزية، وذلك عبر صياغة سيناريوهات مسلسل استمرارية العهد الجديد/القديم ، الذي وصفه الباحث الأمريكي جون واتربوري (John Waterbury) بأنه : " يمكن أن يتغير فيه كل شئ من أجل ألا يتغير أي شئ "، وهو ما يشكل مؤشرا إن دل على شئ فإنما يدل على أن المغرب بالفعل يعيش انتقالا ، لكن نحو الرفيق الأعلى.