خيبة أمل ملكية خيب الملك محمد لسادس آمال كل اللذين كانوا يتوقعون أن يؤدي الحراك الشعبي الذي ما زال يتفاعل وسط الشارع المغربي، إلى إعطائه إشارات على كون الملكية في المغرب تتجدد. فقد حاولت بعض الصحف المكتوبة والرقمية أن تستبق الأحداث وتساءلت عن إمكانية تخفيف البروتكول الملكي من طقوس بالية في مناسبات رمزية مثل عيد العرش وحفل الولاء. لكن شيئا من هذا لم يحدث. فقد ظهر الملك بلباس تقليدي تضلله مظلة ضخمة، وهو يمتطي صهوة فرس أسود يحيط به عبيد القصر. وأمامه كانت تصطف عشرات الصفوف من رجال السلطة التابعين للإدارة الترابية والمنتخبين والأعيان، وهم ينحنون لدرجة الركوع في طقس يخدش كرامة الإنسان. الانطباع الأول الذي ستخلفه هذه الصورة عند المتلقي في الخارج، هو تناقض الخطاب الرسمي المغربي الذي يتحدث عن الحداثة والعصرنة، وفي نفس الوقت مازال يتشبث بممارسات تحن إلى زمن العبودية والاسترقاق. أما الصورة في حد ذاتها فهي لا تهين من يتسابقون في خوف أو بطواعية للانحناء في خنوع، وإنما تخدش سمعة شعب ما زال ثلة من أبنائه الأحرار يخرجون للتظاهر مرددين شعار "يحيا الشعب" أولا، ربما لأنهم يدركون بأن جزء كبيرا من هذا الشعب مازال لم يصل بعد إلى مرحلة نضج الشعوب العربية التي صرخت و تصرخ "الشعب يريد"... ما بين القباج وأولحاج البيان الناري الذي أصدره الفرع الإقليمي لحزب الإتحاد الاشتراكي، يستنكر فيه حرمان طارق القباج عمدة أكادير وأحد رموز الحزب بمنطقة سوس، من حقه في الانحناء في حفل الولاء، يبين أن عملية الانتقال الديمقراطي التي كان الحزب يبرر بها دخوله إلى الحكومة عام 1998، قد نجحت فعلا، مع فارق بسيط وهو أن الانتقال الحقيقي هو ذاك الذي تحقق داخل حزب المهدي وعمر، بعد أن حوله "الرفاق" إلى حزب مخزني أكثر من المخزن نفسه. ف"المخجل والاستثنائي"، حسب بيان الحزب، أصبح هو حرمان القباج من "حقه" في الانحناء. و "خطورة هذا الحدث غير المسبوق"، (هكذا صيغت عبارات البيان) تكمن في كونه يندرج ضمن "بعض الممارسات التي تسعى إلى تقويض مسارات الإصلاح والتغيير التي دشنتها البلاد" ! ويناقض "تكريس دولة الحق والقانون وحماية الحريات وترسيخ قيم الديمقراطية والحكامة الجيدة" ! (ربما سقطت كلمة "الحداثة" هنا سهوا). لا غرابة إذن أن الحزب الذي أسقط عبارة "القوات الشعبية" من عنوانه الأصلي منذ سنوات، عاد ليتحدث عن حق تمثيل الأمة في واجب الانحناء في بيان تفضحه عبارات مصكوكة من زمن الماضي، ربما نسي الرفاق أن يغيروا لغتهم بعد أن بدلوا مبادئهم. لكن مقابل هذا البيان الناري لرفاق القباج، الرجل الذي يصف نفسه بالستاليني، ربما بسبب شاربه الكث ليس إلا، قفز إلى الأخبار اسم آخر هو لحسن أولحاج، عميد كلية الحقوق بالرباط، وعضو اللجنة الملكية لإنجاز الدستور الممنوح، عندما رفض ارتداء اللباس التقليدي لأهل فاس من أجل حضور حفل عيد العرش. فالرجل الذي يعتبر نفسه أمازيغيا حد العنصرية، لم يحتج على المضمون بقدر ما احتج على الشكل. ومع ذلك أو ربما لمثل هذه الحالات ما زال يصلح المثل المغربي المأثور "اللهم لعمش ولا العمى" ! في مديح الجلاد تسابق بعض الزملاء في كيل المديح المجاني لرئيس المخابرات الداخلية المغربية عبد اللطيف الحموشي، بمناسبة توشيحه من قبل الملك في عيد العرش. الزملاء، سامحهم الله، حملتهم الحمية في إبراز وطنيتهم، فقالوا في الحموشي ما لم يقله مالك في الخمر (طبعا مدحا وليس قدحا). وتناسوا أن الحموشي هذا ليس سوى كبير الجلادين الذي في عهد ترأسه لجهاز "دي إس تي"، أصبح العالم كله يتحدث عن معتقل تمارة السري، وغرف تعذيبه التي حولها إلى "أوراش" لتقديم "الخدمات" لأجهزة المخابرات السرية الأمريكية والبريطانية. أعيدوا قراءة شهادة أحد زوار تلك الغرف، البريطاني الإثيوبي محمد بنيام، أو على الأقل انتظروا ما ستكشف عنه تفاصيل أشرطة التحقيق مع رمزي ابن الشيبة في زنازن الحموشي. ربما ستقولون إن ذلك حدث في عهد الجنرال حميدو لعنيكري، طيب اسألوا رفاق محمد المرواني ومصطفى المعتصم، أو الطفل المهدي بوكيو، أما العشرات من المعتقلين الإسلاميين فإن شهاداتهم ما زالت معتقلة معهم داخل زنازنهم المكتظة بمآت المظلومين. فمنذ عام 2003 حتى اليوم أعلنت أجهزة الحموشي عن تفكيك زهاء 70 خلية مسماة "إرهابية"، ورمت وراء قضبان السجون بآلاف من أبناء الوطن أغلبهم أبرياء، مكلفة ميزانية الدولة ملايين الدراهم التي لا يخضع صرفها لمحاسبة أو مسائلة، ومع ذلك لم تستطع هذه الإدارة أن تتنبأ أو تستبق حادثا مأساويا مثل حادث "أركانة" الذي مازال يلفه الكثير من الغموض. السلطة كافأت أحد خدامها، وهذا احد طقوسها. أما الزملاء فكان عليهم أن يتريثوا قبل أن يصدروا الأحكام في حق من رمى بزميل لهم، هو رشيد نيني، في غياهب السجون، حتى يستعيد زميلهم حريته كي نصدق حميتهم الوطنية الزائدة ! التحقيق مع جوليان أسانج قبل "جرجرة" الزميلين عبد العزيز كوكاس وإدريس شحتان، إلى مخافر الشرطة للتحقيق معهما في الأخبار التي نشروها حول تدخل الولاة والعمال في الاستحقاقات الانتخابية التي عرفها المغرب لصالح حزب بعينه، كان على الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية أن يصدر قبل ذلك الأمر بطلب التحقيق مع جوليان أسانج، مؤسس موقع "ويكيليكس"، فهو أول من كشف في إحدى قصاصاته أن وزارة الداخلية عبر آلتها الرهيبة الممثلة في الولاة والعمال، تدخلت بالمكشوف في طنجة ومراكش ووجدة والرباط، وسلا، للحيلولة دون وصول عمداء مدن من حزب "العدالة والتنمية"، فتم اقتسام الغنيمة بالتواطؤ بين أحزاب"الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الأحرار"، حتى يتوزع دم الضحية بين قبائل الأحزاب بالتساوي فيذهب سدى. نصيحة إلى دفاع الزميلين، من حقكم طلب حضور جوليان أسانج من إقامته الإجبارية بلندن، للشهادة أمام المحكمة، وطلب شهادة السفير الأمريكي الأسبق طوماس ريلي، الذي حررت مصالح سفارته تلك القصاصات التي اتهمت وزارة الطيب الشرقاوي بالتدخل في انتخابات المجالس البلدية عام 2009.