"اكتساح قسنطينة" يفرح البركانيين    قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    









رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد
نشر في لكم يوم 20 - 07 - 2011


تمهيد
تحدث الجزء الأول من مقال " رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد " عن علامات الزيغ العيسوي الذي حرك الآلاف من مريدي بعض الزوايا، للتسويق لقول “نعم" يوم الاستفتاء للدستور المفروض. وكان بعضهم قد استولى عليه حال الرهبانية المبتدعة، بتأثير ذلك السماع العجيب: “لا عشرين لا ياسين والدستور هو اليقين". وتوسع المقال في تحليل مكامن زيغهم. وعلمت لاحقا أن شيخ الطريقة النقشبندية، وهي الطريقة الأكثر انتشارا في العالمين القديم والجديد، قد تبرأ من موقف البوتشيشيين. واستشهادي بحكم الشيخ النقشبندي، لا أبتغي منه سوى أستخلاص نتيجة واحدة: الرجوع إلى رهبانية أمة المصطفى هي من آكد الواجبات في هذه الفترة من تعطيل الدين في المعاملات. ورهبانية المصطفى صلى الله عليه وسلم هي بالضبط مقاومة دين العلمانية المحنط لأحكام القرآن.
الجزء الثاني من المقال يحاول تحليل علامات الزيغ الموسوي المحتمل عند الفريق الثاني المنتسب للتيار السلفي، والذي ساهم بدوره في التسويق للدستور المفروض.
أعذار أكبر من زلات أم أصغر؟
الحكم على فريق بالحبرية المغضوب عليها، هو فعل خطير... فما ذم الله فرقة مثل ما ذم أحبار السوء. يسارعون في الفتوى المشبوهة، أحيانا بالتكفير دون الرجوع إلى حكومة شرعية أو استتابة. بل يفتون بقتل الرسل والأنبياء والمصلحين... ويوقظون النعرات الداعية لسفك الدماء وحروب الإبادة، “يكتمون الحق وهم يعلمون"، و"يُحَرِّفون الكَلِم عن موَاضِعه"، و"يلبسون الحق بالباطل"، و"يشترون بآيات الله ثمنا قليلا" من متاع الدنيا، “لا يتناهون عن منكر فعلوه"، “كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"... وغيرها من الصفات الجالبة لغضب الله ولعنة الرسل والناس أجمعين.
من أجل ذلك ينبغي التريث طويلا قبل الخوض في موضوع " الزيغ الموسوي" المنتج لأحبار السوء. وقبل ذلك لابد من مراعاة واجب التماس الأعذار للفرقاء الذين لا يتورعون في سلوك دربهم، وفي دخول جحور التبعية لهم.
وهم في الحقيقة طوائف وشيع شتى، حشروا أنفسهم في خندق واحد، خندق شهادة مشبوهة في دستور مفروض على شعب مسلم مقهور، ومن أجل ذلك القهر، نال رضا أعداء الدين، فنوهت به الخارجية الأمريكية، وكذلك رئيس فرنسا وغيرهما من زعماء الغرب المتصهين.
ربما جمعهم الله من أجل الزيال، الذي يتميز عبره أنصار الزيف والكذب، من أنصار الحق والصدق. و القوم يبدون أو يخفون أعذارا لتبرير فعلهم... هل سيقبلها الشباب الثائر أم سيرفضها؟ وعلى أية حال، هناك من متطرفي القوم من أفتى بتحريم ما يقوم به الشباب من تظاهرات سلمية ضد الفساد والاستعباد، كأتباع فقيه الإسهال الفتوي المثير للغثيان، الزمزمي هداه الله. هؤلاء لا كلام معهم، ويبقى الآخرون على ذمة التحقيق من أعذار نلتمسها لهم: محن أو منح، أو إكراه أو تلبيس...
أعذار لفريق الفزازي والمغراوي، وهم حديثو عهد بالاكتواء بنار محن دين الفساد والاستعباد. ولايزال بعضهم يقبع ظلما وعدوانا في غيابات السجون. ولربما الشيخ البوتشيشي كان على علم بالمكيدة التي نصبت لهم يوم 16 ماي 2003 حسب رسالة كتبها أحد مريدي الزاوية نشرتها الصحافة أخيرا؛
أعذار لحزب بن كيران وعلمائه. ربما ظنوا أن منصبا متقدما في الحكومة المقبلة، هو من جملة المنح السلطانية التي سوف ينعم بها عليهم، فيمكنهم ذلك من إصلاح الفساد والاستبداد! حلم إصلاح الدولة من الداخل! وهل هضم الشباب بسهولة تغافل قادتهم عن طبيعة الدولة ومكائدها المكيافالية!
أعذار لعلماء الإدارة في وزارة الأوقاف وفي المجالس العلمية : كمثل عذر إغوائهم لطرق باب الحيل في صياغة الفتاوى حسب الطلب. وعذر إكراههم على التسويق للدستور الجديد. ولقد كانت قمة الإكراه والاستخفاف بحملة كتاب الله ما شهدناه من إهانة لهم لما جيء بهم لقراءة القرآن في ضريح الحسن الثاني يوم الأحد 17 يونيو، فإذا بهم يحشرون أمام البرلمان لمواجهة المسيرة التي دعت لها حركة 20 فبراير !!
يكتمون الحق وهم يعلمون
والزلة الظاهرة الكبرى التي هم فيها مشتركون هي زلة كتم الحقيقة على الشعب، فهم متفقون مع النظام على احتقار ذكاء الشباب القائم ضد الفساد والاستبداد.
ربما تفاوض أصحاب الفزازي والمغراوي على شيء ما مع الحكام... فرجع بعضهم من المنافي وخرج بعضهم من السجون. ولسنا بلائميهم على السعي في رفع الظلم عنهم، ولكن اللوم يرجع إلى كتمهم لتفاصيل الصفقة التي أبرموها. ربما كانت على حساب دين ومصلحة المغاربة أجمعين...هل كانت عن موعدة وُعِدوا بها؟... فلولا بينوا الصفقة بكل شفافية. فإن قبلها الشباب الثائر، فبها ونعمت، وإن رفضها فلزوم الشيوخ بيوتهم بعيدا عن الساحة السياسية هو أولى لهم من المساهمة في مساندة دين الفساد والاستبداد.
وإن كان ولابد من تدخلهم في الشأن العام بهدف بسط العدالة القرآنية، فأحرى بهم أن يتساءلوا بينهم: ما نصيب الأيتام في مأدبة اللئام؟ هل يمكن أن يكون لهم نصيب في الحكم يستطيعون عبره النفوذ إلى مواقع القرار، كمثل المناصب التي أسندت لحفنة أنصار اليسار اللاييكي المفروضة من الغرب على المغاربة؟ هل يدركون أن ذلك مستحيل في دولة دبر توزيع الأدوار فيها بليل؟
ربما نفس التفاوض السري حصل مع أصحاب بن كيران. ولقد فهم شباب الثورة ملامح الصفقة انطلاقا من حراك بن كيران وتأطيره لمهرجانات تسويق الدستور... حتى إذا مر الدستور بأمن وسلام بالطرق العتيقة، استدرك هو وأصحابه الأمر، وعضوا على أناملهم، وتخافتوا بينهم واستنكروا دوام تقاليد تزوير صناديق الانتخاب. وفقد بعضهم الأمل في منصب في مراكز القرار نظرا لاستمرار أساليب التزوير. فقام بن كيران يهدد ببلادة واضحة النظام بحركة الشباب الثائر. وقد كان من السياسة الحكيمة، مصارحة المغاربة بالصفقة المبرمة مع مفاوضي القصر، ليكونوا عليها من الشاهدين... وقبلها كان من الأسلم لبن كيران أن يبقى بعيدا عن طلب الإمارة التي لن ينالها في ظل حكم العلمانية، إلا إذا تنازل عن المبادئ التي تعاقد مع أنصاره عليها. وهي الصيغة التي يطبقها الحكام من أجل تجريد الخصم من كل مصداقية شعبية. فيهرب عنه المنتخِبون. فيقبل ما تجود به الصناديق الانتخابية المحبوكة نتائجها سلفا، كما قبلتها الأحزاب الخربة. فيصبح من المدافعين عن الزور. فيخسر الدنيا والآخرة. ولقد صرح بن كيران بنفسه في مهرجان التسويق للدستور المزور، إنه يغامر بمستقبله في السياسة، وبمصيره في الآخرة. وتلك هي خطوات شيطان السياسة الفاسدة التي أمرنا ربنا أن نحطات منها .
أما علماء الرسوم والطقوس داخل الحقل الديني “المهيكل" ليصبح أداة تنفيذية في الإدارة اللاييكية، وظيفتها إصدار الفتاوى تحت الطلب، فلا يستحق منا عناء بحث عن دلائل ركونه إلى دين الفساد والاستعباد. حسبنا ما ذكره في حقهم أولئك الفقهاء الذين جاءوا من الجبال المحرومة من التنمية، عقابا لهم على مقاومة آبائهم للاحتلال الفرنسي والإسباني، جاءوا للتظاهر أمام البرلمان ضد قهر وتسلط الجهاز التيوقراطي...
يلبسون الحق بالباطل
تراهم على اختلاف مشاربهم ينصبون أنفسهم حماة للناس من الفتن المهددة عوارضها المظلمة في الأفق. نعم ما صرحوا به. لكن إذا قيل لهم ما تعريفكم للفتنة؟ وما رأيكم في قوله تعالى : {{... حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله...}} ؟ أليست الفتنة هي كون الدين لغير الله؟ أو شطره لله وشطره لقيصر؟ وهو بالذات دين العلمانية الذي يحكمهم؟ ربما رد بعضهم بملء شدقيه:"الخضوع إلى دين العلمانية واجب لأنه يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. فما لا يدرك الواجب إلا به فهو واجب"!! فتكون دعوة صريحة إلى البرغواطية الجديدة التي لا تخفي خطتها في تعطيل أحكام القرآن!! لكن ألم ينتفض المغاربة ضد البرغواطية القديمة رغم أنف أحبار السوء الحابكين لشرعتها، والرعاع المنافحين عن سلطانها؟
ومنهم من نكس على رأسه وركبه الغرور فأتى بمنكر الرأي: إن لم يطع العلماء الرسميون دين الفساد والاستبداد، فسوف يحل مكانهم من هم أسوأ منهم. فهم في منصبهم تحت وازع ترجيح مصلحة بقائهم! هم من يرجح، وهم من يتشبت بالمناصب، فهم الخصم والحكم!
ومنهم من نصب نفسه خبيرا في فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد. لا يخشون من تلبيس إبليس عليهم فيه. فإذا قيل لهم: " وأي مصلحة ترجى من استمرار تعطيل أحكام القرآن في المعاملات؟ وأي مفسدة تترتب عن التظاهرات السلمية لدفع الفساد والاستعباد وهضم الحقوق؟ فإن كان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالشباب الثائر ضد الفساد هو صاحب الحق؟ وبلطجية “حزب الإدارة الأوفقيرية" المهددة بالحرب الأهلية، هي التي تستحق فتوى تجريم فعلها السيء... أليس كذلك؟ الحق واضح وضوح الشمس في النهار... لكن لا حياة لمن تنادي!
ولأن “الضرر يزال، والضرر لا يزال بالضرر" حسب القاعدة الأصولية المعروفة في علوم الشريعة، فالضرر الصادر عن قمع التظاهرات السلمية وسفك الدماء فيها، لا يصلح لهضم حق التظاهر السلمي، بل الأولى أن يفتي علماؤنا بوجوب إزالة ضرر الفساد والاستبداد، من أصله ومنبعه. والأصل والمنبع هو الوثيقة الدستورية التي لم تُصَغ لكي تلزم الحكام بإصدار قوانين تطبيقية لأحكام القرآن فقط، لا السماح لهم بالتشريع العلماني، متعللين بالخزعبلات من كل نوع، كالخوف من اليهود والنصارى ومعاهداتهم وقوانينهم الدولية المستمدة من التلمود.
كثيرا منهم يتولون الذين كفروا
وفي الحقيقة لا خوف هناك من أعداء الأمة كما يدعون. مشايخنا هداهم الله، هم أقرأ الناس لكتاب الله الذي يطمئن أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم من تسلط أعدائهم، قوله جل وعلا: {{ لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}} “سورة آل عمران : 111 “.
وحتى الإذاية نكون نحن السبب فيها. وقراءة مقتضبة في طبيعة الدولة العربية الحديثة توضح لنا الأمور، كي لا يتزايد علينا أحد أنه أشد الناس حرصا في طلب الأمن والعافية لهذا البلد، ولهذه الأمة.
فلقد كان السبب في الإذاية زلة الاستغاثة بأعداء الأمة لتطويع الشعوب المسلمة، التي كانت في بداية القرن الماضي، لا تعرف من الحكم المركزي إلا الجباية والتطويع والترحيل من ناحية إلى أخرى، عوض سلك نهج التحديث والتصنيع والنهضة العلمية التي شهدها الغرب آنذاك... لقد عجز القصر في حل تلك المشاكل الداخلية، فاستعان بالجيش الفرنسي والإسباني لقتال المسلمين. وتوسل فتاوى أحبار الوهابية الذين يبيحون الاستعانة بالكافر على المسلم، أفتوا بها للعرب المنتفضين ضد الخلافة العثمانية بزعامة “لاورانس العرب" الأنجليزي، فيسروا لهم تمزيق بلاد المسلمين، وساهموا في ضياع فلسطين.
وأثناء مفاوضات الاستقلال الصوري في إيكس ليبان، تحددت طبيعة الدولة التي ستسلم لها مهام الإدارة الترابية بعد الاستقلال. تم فيها تقسيم النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري، بين سلطات الاستعمار، والمخزن، والنخب المتغربة، التي تبنت النهج العلماني المعطل للدين في المعاملات وصرحت بذلك علانية في الصحف آنذاك، ووقعت عليه في المعاهدات، غير عابئة بتحريم الشرع لذلك. ولازالت تلك القسمة الضيزى سارية المفعول إلى يومنا هذا.
تلك هي طبيعة الدولة المغربية. وذلك هو السبب المانع لها من المضي في أي إصلاح للفساد الهيكلي الذي يفرضه الغرب على الشعوب المسلمة. فلا أمل من نهجها لسياسات اقتصادية أو اجتماعية أو قضائية أو أمنية تصب في صالح الشعب. موازين القوى أو ما يسمونه “التوازنات الكبرى" هو الفيصل في تسيير البلد. الشعب المسلم لا يعتد به في ميزان القوة. لذا فلا نصيب له في ثروات البلد، ولا في التحديث التكنولوجي، ولا في أي وسيلة من وسائل الكرامة إلا بالقدر الذي يبقي رأسه فوق الماء، أو القدر الذي يزيت عضلاته للعمل المضني. وحتى العمل تهضم حقوق الشباب فيه، لكي ينشغل الشعب بفتنة الفقر، فلا يبقى له قدرة على المطالبة بحقوق العدل والكرامة، فضلا عن انتزاعهما المشروع من المحتكرين لها. وقد أحسن عبد الأحد السبتي في تحليله لطبيعة الدولة المغربية حين قال : " السيادة الشكلية للدولة المخزنية ... ظلت في واقع الأمر جهازا ينقص من تكاليف السيطرة الاستعمارية. فقد تم الاحتلال العسكري باسم المخزن، وكانت القرارات الكبرى تتخذ بواسطة ظهائر السلطان... وعملت الحماية على ترميم الدولة المخزنية فأحدثت مؤسسات جديدة مثل وزارتي العدل والأوقاف، واستقطبت من خلالها عناصر مؤثرة من النخبة العالمة." هذا في فترة الاستعمار أما بعده فيقول: " ورثت دولة الاستقلال جهازي المخزن وسلطات المراقبة معا : المديريات التي تحولت إلى وزارات “تقنية"، وأجهزة الأمن والمراقبة، وجيش نظامي خلف الجهاز العسكري الفرنسي . وإلى جانب هذه المؤسسات، استمرت البنية المخزنية العتيقة التي رممتها سلطات الحماية."
واليوم، ما من سلطة من السلطات الثلاث: تشريعية أو تنفيذية أو قضائية وزد عليها حتى السلطة الرابعة سلطة الإعلام، إلا وتجد فيها ممثلين عن المخزن، وممثلين عن سلطات الاستعمار، وممثلين عن الأعيان التقليديين والنخب العلمانية المغربة. ولما طالت مدة احتكارهم للثروة والسلطة، ظهرت علامات التدمير الذاتي فيهم، من ترف واستبداد وفسق واحتقار للمستضعفين. فحق على الكون كله دفع فسادهم واستبدادهم:
امتثالا لكلمات الله الشرعية والكونية: {{ فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ... }} هود ؛ 116.
وخضوعا لإرادة الله القدرية الاستخلافية، منة على المستضعفين، {{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) }} “القصص؛5 “؛
وتطهيرا للكون من فساد المستكبرين: {{ ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}} " القصص؛ 6 “.
لكي يعتبر الناس في بدائع سريان كلمات الله الشرعية والكونية والقدرية على مر الدهور والعصور...ولكن ... {{ ... وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }}"يونس؛ 92 “
فمن كان على بينة من تلك الكلمات الربانية، وصدق بها، رغم كيد الجاحدين لها، وامتثل لأوامرها الشرعية، واتبع أسبابها الكونية، وخضع لإرادة الله القدرية فيها، فهو من الأحبار المحمديين المحمودين، الذين هم في مرتبة أنبياء بني إسرائيل، كما جاء في الحديث الشريف. ومن تحققت فيه صفات أحبار السوء السالف ذكرها فلينتظر حكم الشعب المستضعف عليه بعد حين، {{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}} " الفرقان: 70 “. وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
حرر بإنديانا الولايات المتحدة، بتاريخ 18 يوليوز 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.