انقسم الشارع المغربي بين مسيرات حاشدة مؤيدة للدستور الجديد، وأخرى خرجت للتعبير عن رفض الوثيقة الدستورية، وطالبت بملكية برلمانية وبمحاربة الفساد والقطع مع الاستبداد، وذلك مساء أمس الأحد 26 يونيو. وتميزت المسيرات الداعمة للإصلاحات الدستورية بخروج أتباع الزاوية البودشيشية، أكبر طريقة صوفية بالمغرب، إلى الشارع لدعم الدستور في أول سابقة من نوعها، بينما نظمت حركة 20 فبراير للمرة الخامسة 70 مسيرة في مختلف مدن البلاد، تدعو إلى مقاطعة مشروع الدستور الجديد. وجدير بالذكر أن الدستور الجديد سيُعرض على الاستفتاء الشعبي يوم الفاتح من يوليو المقبل للتصويت بنعم أو لا، وهو الدستور السادس من نوعه في تاريخ المغرب المعاصر بعد آخر دستور لسنة 1996. حضور قوي للصوفيين ولأول مرة في تاريخ الطرق الصوفية بالمغرب، حشدت الطريقة القادرية البودشيشية التي يتزعمها الشيخ حمزة بن العباس حوالي 300 ألف شخص من أنصارها ومريديها في مسيرة ضخمة، شهدت أطوارها بعض شوارع مدينة الدارالبيضاء دعما للدستور الجديد والتصويت بكثافة لصالحه. ولاحظ المراقبون أن مسيرة هذه الطريقة الصوفية تعد أكبر مسيرة مؤيدة للدستور تم تنظيمها حتى الآن منذ بدء الحملة الرسمية لتعبئة المغاربة من أجل التصويت، وذلك من حيث حجمها وكثافتها وانضباط المشاركين فيها الذين لم يكتفوا بترديد الشعارات المؤيدة، بل اغتنموا الفرصة لشرح مضامين الدستور الجديد للمواطنين الذين كانوا يتابعون مسيرة الصوفيين المغاربة. وبحسب عبد الصمد غازي، عضو اللجنة التنظيمية لهذه المسيرة، في تصريح لإسلام أون لاين، فإن هذه المسيرة تبرز مدى حضور الطريقة البودشيشية في كل اللحظات والأحداث الكبرى التي يعرفها المغرب، ومشاركتها الإيجابية في تأييد الورش الإصلاحي الضخم الذي يقوده ملك البلاد بهدف الرقي بالأمة على جميع الأصعدة. واعتبر غازي أن الطريقة البودشيشية وشيخها حمزة بن العباس لم يترددوا في الإعراب عن رضاهم بما جاء في الدستور الجديد، لكونه صان ثوابت الأمة ومنها الهوية الإسلامية للدولة، وبالتالي كانت هذه المسيرة عبارة عن موقف وواجب وطني صادق. وفي ما يبدو أن هذه المبادرة فتحت الباب واسعا أمام زوايا وطرق صوفية أخرى، أعلنت الزاوية الكتانية، أحد أكبر الزوايا الصوفية بالمغرب، في بيان لها وصل إسلام أون لاين نسخة منه، أنها تدعم الدستور عبر تأطير مختلف شرائح المجتمع، مطالبة أنصارها ومريديها بتدشين حملة واسعة وهادفة لحشد الهمم لبلوغ المرام، والتصويت بنعم على الدستور الجديد الذي سيرقى بالمغرب إلى مصاف البلاد الديمقراطية.. نوايا الدولة وخلفت المسيرة التي نظمها الصوفيون البودشيشيون لدعم الدستور الجديد جدلا سياسيا بخصوص خلفياتها وسياقاتها، وهل قرارها كان داخليا ومستقلا، أم أنه جاء مسايرا لرغبة الدولة في حشد المزيد من التأييد للدستور الجديد، وأيضا حول هل المسيرة الكبرى للبودشيشية عبارة عن رد فعل اتجاه الموقف الرافض لجماعة العدل والإحسان التي سبق لزعيمها الشيخ عبد السلام ياسين أن تمرد عليها منذ سنوات..؟. وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي الدكتور محمد ضريف في تصريح لإسلام أون لاين أن مسيرة الطريقة البودشيشية تحاول أن تبرز القوة التي تحظى بها هذه الزاوية في المجتمع المغربي، من حيث القدرة على التعبئة والتنظيم في المحطات السياسية والاجتماعية الحاسمة في تاريخ البلاد. ويرجح ضريف أن عقد هذه المسيرة قد تكون رسالة من الدولة وسلطاتها التي تريد أن تبلغ إشارة قوية إلى بعض الجهات الرافضة للدستور والتي دعت إلى مقاطعة الاستفتاء حوله مثل جماعة العدل والإحسان، بكونها -أي الدولة- تمتلك مفاتيح حشد أطراف دينية لها مكانتها وقوتها تساير التوجه الرسمي لدعم الدستور، مقابل جماعات دينية أخرى قررت رفض ما سمته الدستور الممنوح. وكانت شعارات رفعها مريدو الطريقة البودشيشية في مسيرتهم بالدارالبيضاء من قبيل: "لا عشرين ولا ياسين.. الدستور اللي كاين"، تحاول أن تبرز رفضها لتوجهات جماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير، في ما يخص مقاطعتهم للاستفتاء على الدستور الجديد. وعرفت مدن مغربية أخرى تنظيم مسيرات ووقفات عديدة قُدرت بعشرات الآلاف من المناصرين للدستور الجديد، خرجوا للهتاف ورفع الشعارات والأعلام الوطنية وصور الملك، تأييدا للورش الإصلاحي الذي أطلقه العاهل المغربي منذ خطابه في التاسع من مارس المنصرم. مسيرات رافضة وفي الجهة المقابلة، خرج شباب حركة 20 فبراير إلى الشارع في مسيرات شملت زهاء 70 مدينة، تنادي بمقاطعة الدستور الجديد وبتحقيق المطالب السياسية الملحة التي رفعوها منذ بدء المسيرات الاحتجاجية. وطالب شباب حركة 20 فبراير بتحقيق ملكية برلمانية حقيقية، وبأن يسود الملك ولا يحكم، وبإعلان حرب فعالة ضد مظاهر الفساد وضد جميع المفسدين مهما كانت مناصبهم ومراكزهم، والقطع مع عهد الاستبداد لإرجاع الكرامة والحرية للشعب المغربي. وباستثناء بعض المناوشات والملاسنات التي حدثت بين مؤيدي الدستور الجديد وبين الرافضين له من أنصار حركة 20 فبراير، فإن باقي المسيرات الرافضة للوثيقة الدستورية مرت عموما في جو من الحرية والمسؤولية. ويدعم توجهات ومطالب حركة 20 فبراير بعض الهيئات والأحزاب السياسية، من قبيل حزب النهج الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة، وأيضا نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، من جهة الأطراف اليسارية. ومن ناحية الجهات الإسلامية، هناك جماعة العدل والإحسان وأيضا حزب الأمة غير المعترف به رسميا، وكلها هيئات وأحزاب تتفق على قرار مقاطعة الدستور الجديد، بسبب أنه لم يحقق مطالب الشعب المغربي، ولأنه ركز السلطات بيد الملك، بخلاف ما هو عليه الحال في دساتير البلدان الديمقراطية. http://www.islamonline.net