19 مارس, 2018 - 10:31:00 بعد سنوات من الانتظار، كسر الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، جدار الصمت الذي طبع مسؤولي ووزراء المملكة؛ بعد نشر مذكراته في 8 مارس الجاري. وتأتي خطوة اليوسفي (94 عامًا)، في ظل رحيل مسؤولين دفنوا سرّهم معهم، وتركوا الرأي العام يتساءل عن ملفات مصيرية كانت لهم يد فيها. اليوسفي (ثاني أكبر شعبية في تاريخ البلاد بعد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران حسب استطلاعات رأي محلية)، اختار أن يكشف أسرار حكومته، ليرمي حجرا على بركة الأسرار التي تطبع مسار الوزراء والمسؤولين. وكان اليوسفي معارضا للعاهل الراحل الحسن الثاني، لكنه عاد للوطن وترأس حزب الاتحاد الاشتراكي وشارك في انتخابات 1997 حيث تصدر حزبه الانتخابات. وقاد اليوسفي الحكومة التي سميت ب"حكومة التناوب" في مارس 1998. وعام 2002 تصدّر حزبه من جديد الانتخابات البرلمانية، غير أن عاهل البلاد الملك محمد السادس عيّن إدريس جطو، غير المنتمي لأي حزب (تكنوقراطي)، إلاّ أن اليوسفي اعتبر أن المغرب حاد "عن المنهجية الديمقراطية"، واعتزل العمل السياسي وسافر آنذاك لفرنسا. اليوسفي، قاد الحكومة في مرحلة صعبة كانت تمر بها البلاد، وذلك بعد وفاة الحسن الثاني (23 يوليوز 1999)، وتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم. ونشر اليوسفي مذكراته، في كتاب بعنوان "عبد الرحمان اليوسفي: أحاديث في ما جرى" من إعداد الكاتب مبارك بودرقة. دفن الأسرار كثير من المسؤولين الكبار والوزراء رحلوا إلى دار البقاء خلال السنوات القليلة الماضية، ورحلت معهم أسرار كثيرة. و قال الباحث، خالد يايموت، إن "مسؤولي البلاد نادرا ما ينشرون مذكراتهم، مثل عبد اللطيف الفيلالي". وتقلّد الفيلالي (1928-2009 ) العديد من المناصب مثل وزير أول ووزير الخارجية والإعلام والتعليم العالي، وسفيرا بعدد من العواصم كمدريد ولندن وبكين. وأصدر كتاب "المغرب والعالم العربي" عبارة عن بعض من مذكراته. وأوضح يايموت، أن "نشر السير الذاتية من طرف بعض المسؤولين تعتبر من الثقافة الديمقراطية في العالم الغربي، وجزء من الممارسة الديمقراطية في كتابة مذكرات السياسيين والوزراء وعمداء المدن". أسرار في الرواية في الوقت الذي اختار العديد من المسؤولين و الوزراء السابقين كتم أسرار تدبيرهم للشأن العام، فضل آخرون عالم الرواية والقصة من أجل تصوير أسرار تدبير الدولة من خلال الحبكة القصصية. وأصدر العديد من الوزراء روايات، مثل الراحل عبد الكبير العلوي المدغري (أشهر وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية)، وحسن أوريد الناطق السابق باسم القصر الملكي. ويعمل هؤلاء المسؤولين السابقين على إصدار روايات وقصص، في طياتها توجد بعض الأسرار بطريقة غير مباشرة. وأصدر العلوي المدغري (1942-2017) رواية "في مرآتنا عالم آخر". ويعتبر المدغري أشهر وزير في فترة الراحل الحسن الثاني، وبداية عهد الملك محمد السادس، حيث ظل يشغل المنصب لمدة 18 عاما متواصلة، من 1984 وحتى 2002، أي بعد نحو 3 سنوات من تولّي محمد السادس الحكم بالبلاد (يوليو 1999). كما أصدر أوريد، العديد من الروايات والقصص باللغة الفرنسية والعربية. الصمت "طمعا في رضا النظام السياسي"؟ الباحث يايموت، لفت إلى أن "الثقافة السياسية ببلاده التي تميّزها التكتم لا تساهم في نشر الوعي السياسي والتواصل بين المواطنين والمسؤولين، وبين الأجيال أيضا". واعتبر أن النخبة ببلاده "غير مؤمنة بإدارة العلاقة مع مختلف شرائح المجتمع، وتسعى إلى علاقة جيدة مع النظام السياسي". وأوضح الباحث، أن المسؤولين لا يريدون الكشف عن بعض أسرار إدارة الدولة، فيما أسماه "طمعا في رضا النظام السياسي". ورأى أن "مذكرات اليوسفي ستضم بعض القضايا ذات الصبغة الديبلوماسية، مثل قضية الصحراء، وعلاقته مع الراحل الحسن الثاني". واعتبر يايموت، أن "مبادرة اليوسفي ستشكل إضافة للمشهد السياسي، فضلا عن كونها ستميط اللثام عن عدد من القضايا، خصوصا في ظل التغيّرات الأخيرة لهذا المشهد".