الهرم السكاني للمغاربة يتجه إلى الشيخوخة.بدأنا نقطف فقط الفاكهة السيئة لتطور المجتمعات الرأسمالية.بطبقة متوسطة متدهورة و كسيحة و جيوش من الكادحين الفقراء وفيالق من العجزة و الشيوخ و شباب اقل سندخل العقود القادمة. نحن و ألمانيا دخلنا نادي المنافسة,طبعا في الشيخوخة و ليس في شركة زايمنس والفولسفاغن, محمد الحليمي يخبرنا في دراسة أعدتها المندوبية السامية للتخطيط على أن المغاربة أصبحوا يعيشون أكثر و ينجبون اقل. لماذا يعيش الناس اليوم عمرا أطول من أجدادهم..؟ لماذا أصبح عرزائيل يأتي متأخرا مقارنة مع ما كان في السابق. الأعمار تختلف باختلاف البيئة و المناخ و التغذية و الوراثة و الظروف الصحية و السكنية و التكنولوجية و الشغل و غيرها من الأسباب. لماذا لم تعد بطون النساء تنتفخ على مدار الحول و يحتاج موظف الحالة المدنية لوقت أقل لتسجيل المواليد. تبدلت أحوال المغاربة بالتأكيد. صور السبعينات و الثمانينات التي أرخت لعنفوان جيلنا تبدو الآن لنا وكأنها أخرجت من تحت الرماد مضحكة. لقطات السينما و الأفلام الوثائقية التي صورت المغرب زمن الاستقلال تكشف أن شارع محمد الخامس وشارع الحرية في طنجة و شوارع مشهورة عصرية في مدن أخرى كانت ممرات للبغال و الحمير أكثر منها لسيارات بعض النصارى و المقيمين. من كان يملك سيارة أو هاتف في المنزل و تلفزيون كأنما يملك الدنيا كلها.السعادة المطلقة كانت هي أن تأكل بطيخة وتشاهد شامي كابور يغني لعشيقته في حقل من الزهور على نهر في فيلم هندي في السينما. هل يقبل أطفال اليوم ببطيخة و فيلم هندي فقط لتغمرهم السعادة و الفرحة.؟ ما قاله الحليمي ليس شيئا جديدا,هو قدم أرقاما و إحصائيات لكن الناس كما تقول أدبيات الإتحاد التي خالطها الحليمي جيدا تعيش بالمحسوس الملموس شيخوخة المجتمع . ما عادت الفتيات يجدن زوجا و سقفا يأوين إليه هربا من العنوسة المدمرة الفتاكة.ما عاد الشباب يجدون عملا يحاربون به سرطان البطالة الذي يقتلهم بالتدريج.الحلقة مفرغة.الشاب عاطل و الشابة عاطلة و سوق العمل محدود و غير مهيكل .من يتزوج من؟ أستنجد غريق بغريق.المصيبة واحدة وإن إختلفت الحالات. كيف تغير المجتمع المغربي راسا على عقب دون أن نشعر بالزلزال الهائل الذي حصل ؟ ظل سنوات طويلة بعد الاستقلال جزء كبير من المغاربة لا يعرفون ماذا يعني و لما يصلح" السليب".و كثيرون آخرون هللوا لكتان الميريكان وتغنوا به و أنشدوا فيه قصائد . روى لي رجل مسن من فم الجمعة بازيلال أن القنطرة الصخرية التي تفصل القرية بنيت بسواعد عمال كانت أجورهم حفنة من التمر لسد الرمق لا غير.العمل مقابل الغذاء.شيء اقرب الى العبودية.اليوم لا أحد يقبل بهذه المعاملة الرديئة. المغاربة كانوا يصابون بالاكتئاب فيشدون الرحال لسيدي رحال و مولاي عبد السلام و مولاي بوعزة ,اليوم بدأوا يعرفون الطريق لزيارة أخصائي نفساني و ينصتون الى توصيات و تفسيرات و نصائح الدكتور مبارك الدريبي على ميدي 1 . حبوب زيبام و تيميستا بدأت تنتصر على بركة "الأولياء و الصالحين" و المكي راسبوتين الصخيرات. صحيح أن قسما كبيرا بسبب الفقر و الجهل و الشعوذة و الخرافة ما زال ضحية للفقهاء الذين يولجون أيورهم في فروج النساء لعلاجهم من الجن ؟ الصحافة تتحدث يوميا عن هذه الفظاعات لكن النيابة العامة لا تحرك ساكنا لوضع المشعوذين في الحبس . كان المغاربة يقلعون الأضراس و الأسنان كأنهم يخوضون حربا ضد عدو,طبيب الأسنان كان جزءا من الخيال العلمي.حلاق درب الفقراء أو الحجام هو من يتكفل بالمهمة. المغرب تغير بشكل كبير.من قال العكس شخص من طائفة ان عكسنا فقط. كنت أسافر أيام دراستي الجامعية من طنجة إلى الرباط في كار البرادلي في سبع ساعات يطوف بنا عبر مدن و قرى و مداشر و محطات الى أن يفرغ حمولته قبل أن تزهق أرواحنا في القامرة.السفر كان قطعة من الجحيم. اليوم أسافر من طنجة إلى الرباط تقريبا كال نهاية أسبوع في ساعتين على أوتوروت . التقدم جلب معه ضجيجا و أحزمة بؤس و مدنا كبرت بلا تخطيط . ففقدنا الطبيعة و الأشجار و رائحة التراب الطري و أعشاب البحر و زقزقة العصافير و رؤية ماء المتوسط من سطح الدار . جماعة سيدي بنور وجدوا كنيسة و اشجارا أوكاليبتوس غرسها الفرنسيون . المجلس الذي يتكون من الاحزاب التي يقول الدستور انها تؤطر المواطنين قطع الاشجار و باع الكنيسة.هل حقا تستطيع أن نبني ملكية برلمانية مع قوم مثل هؤلاء الأوغاد. بالرغم من كل ما سبق.هل يجوز القول أننا أصبحنا أكثر سعادة من الماضي ام اننا نعيش عصر القلق و الحزن بامتياز.لا أستطيع الحسم في الجواب بسرعة حتى لا نظلم الزمن. الأكيد لحد الساعة هو أن الحليمي يدق ناقوس الخطرلمجتمع بدأ يشيخ دون أن ينتج فائض القيمة و دون تقاعد و دون تامين و تغطية صحية.الأكيد أننا سنكون بحاجة لاستيراد كراسي متحركة و حبوب منومة لمرضى الزهايمر و سنحتاج لبناء عدد كبير من دور العجزة بعد أن جعلت آلة الرأسمالية المتوحشة العجزة بضاعة فاسدة في لعبة السوق.