كلما سمعت بعض الزعماء والمحللين، وهم يعلقون على الأوضاع بالمغرب، لا أستطيع منع ذاكرتي من استحضار رجل كان يملأ القنوات التلفزية العربية بمختلف مكروفوناتها. أعني رجلا اسمه، إن لم تخني الذاكرة، مجدي الدقاق. عضو بارز في الحزب الوطني الحاكم بمصر سابقا، عضو لجنة التثقيف بنفس الحزب. الحقيقة أن مهمته كانت هي البروباغاندا وتبييض وجه حزب مبارك. انه من الدين اضحى يصطلح عليهم المتخسسون على وزن المتخصصين ! كلما ارتكبت جرائم في حق شعب مصر، وما أكثرها، كانت القنوات التلفزية، كلما اتصلت بالحزب الحاكم لأخذ وجهة نظره في قضايا خلافية تشهدها الساحة المصرية، إلا ويطل السيد مجدي الدقاق على المشاهد العربي بنظرياته وتخريجاته. حسب الدقاق، مثلا، فمصر في عهد مبارك هي أقرب إلى بريطانيا منها إلى أي بلد آخر من حيث الممارسة الديمقراطية. ومن حيث التنمية، فمصر قريبة من الدول السكندنافية. ومن حيث حرية التعبير، فمصر تقريبا تحولت مع مبارك إلى هايدبارك المنطقة العربية... كل هذا الكلام كان يقدمه السيد الدقاق في قالب معتدل: صحيح هناك مشاكل بسيطة، لكن مبارك منكب على حلها. صحيح هناك تجاوزات، لكن ألا تعرف أمريكا نفسها الكثير من التجاوزات. هناك فساد؟ من ليس له دليل لا حق له في رمي الناس بالتهم الرخيصة. صحافيون في السجن؟ وهل الصحافيون فوق القانون؟ الرئيس مبارك مريض؟ فشر، صحتو زي البمب... مثل هذا الخطاب ل"إفحام" الأصوات المعارضة على التلفزيونات لم ينطل على أحد غير مبارك وبطانته. هذا الكلام كان يريح نظام مبارك حتى وقعت الفاس في الراس. يومها، لم تنفع لا وعود ولا إصلاحات ولا حتى مجدي الدقاق الذي اختفى كما يختفي أي نصاب، بعد افتضاح أمره. أمثال مجدي الدقاق كثيرون بمصر وتونس وليبيا والمغرب وقطر وسوريا، وغيرها من البلدان. لنترك مجدي الدقاق مختفيا بعض الوقت ونعود للمغرب. يوم فاتح يوليوز، سيتم تنظيم الاستفتاء واعتماد دستور جديد بالبلاد وسيشرع العمل به. لكن، هل يعني ذلك نهاية مسلسل التجاذبات؟ هل يعني أننا تجاوزنا منطقة الزوابع التي تضرب المنطقة العربية؟ المتتبعون لمجريات السياسة ببلادنا يدركون أنه، بالنظر إلى سقف مطالب وانتظارات الشارع المغربي، وبالنظر إلى سقف مطالب المرحلة جهويا وعالميا، فإن الحراك السياسي سيستمر، بنفس الوهج وربما أكثر. والذين تتبعوا مواقف الناس واستمرارهم في المطالب والتعبئة يدركون أن الربيع العربي سيستمر مغربيا. والذين عايشوا، مثلا، مسيرة طنجة يوم الأحد 26 يونيو، بعشرات الآلاف المستمرة في المطالبة بالإصلاحات الدستورية لا يتوقعون بالتأكيد صيفا باردا ولا خريفا، بل ربيعا مستمرا. الدولة، حتى الآن، تجاوبت مع مطالب الشارع بشكل جزئي من حيث التعديلات الدستورية، وستكون مطالبة باللحاق بركب عالم القرن الواحد والعشرين، عوض الشعور بالارتياح بالمقارنة مع القرن الماضي. ولازال الشارع كذلك ينتظر الإصلاحات السياسية ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة والقطع مع الماضي بتفاصيله وفساده ووجوهه. سيظهر أكثر من مجدي الدقاق بالمغرب ليقول إن المغرب اليوم، بهذا الدستور، وضع رجله مع الأمم العظيمة في الديمقراطية، وأن المغرب قطع مع الفساد، وأن المغرب واحة من الحرية وجنة من التنمية... لن يصدقهم أحد. لن يصدقهم الواقع، لأنه يعلو ولا يعلى عليه. لن تصدقهم أرقام البطالة، ولو زوروها، لأن البطالة إحساس بالمهانة وليست رقما يتم تزويره. لن يصدقهم المغاربة، لأننا نعيش هنا وليس في تكساس. لن يصدقهم العالم، لأن للعالم مؤشرات يعتمد عليها. لن يصدقهم البيت الأبيض، لأن الناطق باسمه سيقول غدا: نحن مع حرية التعبير والتجمهر. وهو ما سيقوله الإليزي كذلك.... كلما تعقدت الأمور هنا. فالخارج يهنئ ويبارك ليدفع عجلة الإصلاح إلى الأمام، حتى تصبح مكسبا، ثم ينزل بضغطه من جديد. إن أخطر ما يمكن أن يصيب بلدنا هو أن يسكن الماسكون بزمامه لراحة وهمية عند سماع خطاب الارتياح المغشوش. مثل هذا الخطاب قاد تونس ومصر وليبيا وسوريا إلى ما هي عليه. رجاءً، أنصتوا إلى كلام الناس، إلى آلام الناس، إلى مطالب الناس، إلى نصائح الأصدقاء الحقيقيين، إلى صوت العقل، أنصتوا إلى خطاب الحقيقة. رجاءً، لا تصدقوا كلام أشباه مجدي الدقاق. فالمعركة لازالت طويلة من أجل مغرب جديد. وحقيقة ما تحقق انتم تعرفونها، كما أن حقيقة شساعة وضخامة ما يجب أن يتحقق تعرفونها كذلك ...