تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الاثنين    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "روح الأسرة" بعيدا عن "سلطوية العام" و"شكلانية القانون" و"مصلحية الاقتصاد"    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    جلالة الملك محمد السادس يحل بدولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة خاصة    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الدكتور عبد الواحد أكمير، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 01 - 12 - 2010

من هو الحزب الشعبي الإسباني ، و ماهي جذور هذا الحزب اليميني، و ما هي ارتباطاته بالفكر الفرانكوي ، و هل يمكن اختيار هذا الحزب ، حزبا ديمقراطيا كما يريد أن يوهم الجميع... هي بعض إستفهامات تدور في مفكرة أي متتبع للحقل السياسي الإسباني.
لسبر ماضي هذا الحزب، نقلنا بعض الأسئلة للدكتور عبد الواحد أكمير مدير مركز دراسات الأندلس و حوار الحضارات، فكان هذا الحوار:
} لماذا يصنف اليمين الإسباني و على رأسه الحزب الشعبي كامتداد للفكر الفرنكاوي بإسبانيا، وهل يمكن اعتبار هذا اليمين ، فكرا ديمقراطيا رغم ظهوره عقب الانقلاب العسكري لسنة 1936؟
أظن أن التوقف عند مسار اليمين الإسباني يفرض علينا التمييز بين محطتين رئيسيتين، تبتدئ الأولى سنة 1876 مع ما سمي بمرحلة الترميم، وتنتهي بسقوط الملكية وإعلان الجمهورية الثانية سنة 1931؛ خلال هذه الفترة خلق اليمين الإسباني نوعاً من الديموقراطية المفبركة، يتناوب فيها على الحكم حزبان هما المحافظ والليبرالي، وكان الحزبان، بدعم من التيارات المحافظة والكنيسة والجيش وخصوصاً أصحاب النفوذ من الإقطاعيين الذين يطلق عليهم اسم Caciques يسيرون الحياة السياسية على هواهم، بحيث كان تزوير الانتخابات شيئاً عادياً، وكان من يسير دواليب الحكم يقول: «إن الشعب ليس في حاجة إلى الممارسة السياسية والممارسة السياسية ليست في حاجة إلى الشعب»، وقد خلق ذلك قطيعة حادة بين الشعب ومن يتحكم في مصيره، بحيث انقسمت اسبانيا إلى قسمين اسبانيا الرسمية واسبانيا الواقعية، وأطلق على حالة الانفصام هذه تعبير قدحي هو Las Dos Españas . ولم يتنبه الملك ألفونسو الثالث عشر وأحزاب اليمين التي يستند إليها إلا بعد فوات الأوان، حيث اهترأ النظام وأصبح آيلا للسقوط من تلقاء نفسه، وكان أليخاندرو لاروكس الذي تولى رئاسة الحكومة بعد سقوط الملكية يقول: «سقطت الملكية وحدها، كل ما فعلناه نحن -الجمهوريون- هو ملء الفراغ الذي تركته».
المحطة الثانية من مسار اليمين الإسباني، تبدأ سنة 1934 مع تأسيس ما يسمى ب «الفلانخي»، وهو تنظيم فاشي متأثر بالفاشية الإيطالية، لقي وقت تأسيسه دعما خارجيا من الفاشية والنازية، وكذا دعما داخليا من أحزاب اليمين التي أصابها الوهن، وكذا رجال المال والصناعة والكنيسة الكاثوليكية. ودخل التنظيم في مواجهات مع التيارات التقدمية، والتنظيمات اليسارية خصوصاً الشبابية، حيث بدأت سلسلة من الاغتيالات السياسية. وقاد آنذاك مؤسس الفلانخي خوسي أنطونيو بريمو دي ريفيرا، محاولة انقلابية فاشلة ضد الجبهة الشعبية التي وصلت إلى الحكم بشكل ديموقراطي، وقد ألقي عليه القبض وأعدم، مما خلق جوا من التوتر غير مسبوق انتهى باندلاع الحرب الأهلية إثر اغتيال الزعيم اليميني المتطرف كالفو سوطيلو.
بعد انتهاء هذه الحرب وإعلان ديكتاتورية فرانكو، وتأسيس الحزب الوحيد، تحول الفلانخي أو اليمين المتطرف إلى الذراع الإيديولوجي للنظام الفرانكاوي على امتداد حوالي أربعة عقود، وكان على أي شخص يبحث عن السلطة، أو الشهرة أو المجد، بل وحتى عن العمل كموظف في الإدارة أن ينتمي إلى هذا الحزب الذي سمى نفسه بالحركة الوطنية Movimiento Nacional، والذي أصبح له كذلك جناح نقابي، بعد إلغاء النقابات التي تمثل الطبقة العمالية. وقد تحول بطبيعة الحال الحزب اليميني الجديد إلى ناد للوصوليين من مختلف الأطياف، أطلق عليهم استهجاناً اسم «الأقمصة الجديدة».
بعد وفاة فرانكو ومجيء الديمقراطية، سيبحث عدد من قياديي الحزب اليميني الفرنكاوي عن مكان داخل الحياة السياسية الجديدة، وبدأوا بالتكتل تحت قيادة أحد رجالات فرانكو هو مانويل فراغا، نائب رئيس الحكومة ووزير سابق، مستغلين حالة الفراغ السياسي التي كانت تعرفها البلاد. وبحكم أن هذا اليمين كان يجر وراءه سنوات من الماضي الكئيب الذي يذكر الإسبان بمآسيهم فلم يتمكن من تكوين حزب بمعنى الكلمة، وإنما تحالف من الأحزاب اليمينية، تضم أشخاصا من مختلف التوجهات، بدءاً بالوسط ووصولاً إلى اليمين المتطرف، وقد أطلقت هذه الأحزاب على نفسها اسم «التحالف الشعبي». ومنذ النصف الثاني من الثمانينات، وبسبب المنحى اليميني المتشدد الذي سار فيه هذا التنظيم، انسحب منه عدد من المعتدلين، وبقيت العناصر الأكثر تشدداً والتي أسست على أنقاضه الحزب الشعبي الحالي. إذاً وكما نلاحظ، نحن أمام حزب بمرجعية فرانكاوية وبتاريخ فرنكاوي، حتى لو أراد أن يتبرأ الحزب الشعبي اليوم من هذه المرجعية التي تزعجه لأنها تحرمه من أصوات الناخبين. وللتذكير فهذا التنظيم لم يلعب دوراً ذا أهمية في الحياة السياسية الاسبانية إلا في العقود الأخيرة، أما خلال السنوات الأولى للديمقراطية فقد استمر كرمز للفاشية، لذا لم يكن له أي ثقل في صناديق الاقتراع.
} لماذا يسجل في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية الربط المغلوط والمباشر للأزمات التي تقع في إسبانيا بالمغرب خصوصا من طرف اليمين الإسباني ؟
هذا سؤال وجيه، وأظن أن فهم المشكل يفرض علينا التوقف عند مجموعة من المحطات التي جعلت الإسبان وليس اليمين فقط يظنون أن المغرب والمغاربة يتحملون المسؤولية في المصائب الكبرى التي تحل بهم، سواء كانت ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، ففي المجال الاقتصادي، عندما تتعرض الصادرات الإسبانية للضرر في الأسواق الدولية، سواء تعلق الأمر بالطماطم أو الحوامض أو توت الأرض أو السمك، يقولون إن المسؤول هو منافسة المنتوج المغربي، ويبدؤون باعتراض شاحنات السلع المغربية ومنعها من عبور التراب الإسباني؛ وعندما تحدث جرائم قتل أو أعمال يعاقب عليها القانون في إسبانيا، فإن أصبع الاتهام توجه مباشرة للمهاجرين المغاربة، ولعلك تتذكر أحداث إليخيدو سنة 2000، عندما خرج سكان القرية وعددهم 3000 شخص لاصطياد المغاربة في مطاردة جماعية لأقلية عرقية لم تعرف أوروبا مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بعدما اغتال مهاجر مغربي مختل عقلياً مواطنة إسبانية من سكان القرية. ولعل في الجانب السياسي نجد أمثلة أكثر تعبيراً مما هو الحال في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي. وأتوقف عند خمس محطات حدثت خلال المائة سنة الأخيرة، لأبين لك أن ما يقع اليوم من حملة شرسة على المغرب، هو نتيجة لتراكمات، ساهمت فيها الصحافة الإسبانية، كما تفعل اليوم، بشكل سلبي جداً. ففي سنة 1909 انهزمت إسبانيا في معركة خندق الذئب بالريف، وقد خرجت مظاهرات في مختلف جهات إسبانيا احتجاجاً على إرسال قوات عسكرية إلى المغرب وكان الرأي العام الإسباني رافضاً لأي مغامرة استعمارية جديدة بعد الكوارث التي عرفها الإسبان في أمريكا اللاتينية. وقد تطورت موجة الاحتجاج بشكل خطير في برشلونة ودامت أسبوعاً كاملاً، اصطلح على تسميته ب «الأسبوع المأساوي»، وسقط عشرات القتلى، وتم إحراق المؤسسات العمومية، وبسبب استفحال الأزمة سقطت الحكومة، وهنا بدأت الصحافة والأحزاب اليمينية الحاكمة تقول إن المغرب والمغاربة هم السبب. وفي سنة 1921 وقعت معركة أنوال، وقد اكتشف الإسبان إثر هزيمتهم، درجة الفساد المتفشية في الإدارة والجيش، وحدث انقلاب عسكري كارثي سينجم عنه فيما بعد سقوط الملكية، وهنا كتبت الصحافة الإسبانية أن المغرب هو السبب في تغيير النظام بشكل راديكالي في إسبانيا. وما بين 1936 و 1939 اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية التي حسمها المغاربة الذين شاركوا فيها، وعددهم حوالي 100 ألف لفائدة فرانكو، وهنا كتبت الصحافة الإسبانية، أن المغاربة هم المسؤولون عن مجيء الديكتاتورية. وفي سنة 1975 استرجع المغرب الصحراء، وهنا قالت الصحافة الإسبانية، إن الحسن الثاني، استغل احتضار فرانكو والفراغ السياسي الذي تعرفه إسبانيا والصراع الخفي على السلطة بين الفرانكاويين والديموقراطيين، للإعلان عن المسيرة الخضراء، مع أن تتبع الأحداث بدقة يبين أن الإعلان عن المسيرة الخضراء تم أياما قبل الإعلان عن مرض فرانكو؛ وفي 2004 وقعت تفجيرات مدريد الإرهابية، التي أدانها المغرب قبل غيره، وكان المغرب قد اكتوى بنار الإرهاب قبل إسبانيا، وقد تعاون المغرب في ملف الإرهاب مع إسبانيا بشكل مثالي، لكن الصحافة الاسبانية بدأت تنشر أن المغاربة هم المسؤولون عن التفجيرات، مع أن أولئك الإرهابيين قبل أن يكونوا مغاربة هم أعضاء في تنظيم إرهابي دولي امتداد في كل أنحاء العالم. بل بدأ بعض اليمينيين المتطرفين، وبعض الصحفيين يلمحون بأن المغرب يتحمل جزءاً من المسؤولية، وذهب نائب مدير جريدة الموندو «كاسيميرو غارثيا أباديو» إلى حد نشر كتاب يحمل عنوان «11 مارس الانتقام»، يزعم فيه أن المغرب ساهم في ذلك العمل الإرهابي للانتقام من إسبانيا بسبب ما حدث في جزيرة تورة.
إذن عندما تقوم الصحافة، على امتداد كل هذه السنوات الطويلة في خلق ثقافة لدى الرأي العام مفادها أن «العدو يأتي دائماً من الجنوب»، كما نقرأ في بعض الوثائق التاريخية الإسبانية، فلا تنتظر من الرأي العام الإسباني رد فعل إيجابي نحو المغرب، بل إن الرأي العام يصبح مهيئاً لتقبل كل ما هو سلبي لأنه يتماشى مع ما هو متجذر في ذاكرته الجماعية. وسأحكي لك حكاية أظن أنها معبرة؛ في المدة الأخيرة شاركت في نشاط ثقافي في إشبيلية، وسألت أحد الزملاء الجامعيين الإسبان عن رأيه في الحملة التي تشنها الصحافة الاسبانية على المغرب، فقال لي بكل موضوعية، إنه لو كتبت أية صحيفة غير ذلك، لما التفت إليها أحد، بل ولا اعتبر جزء من قرائها أن لها مصلحة معينة مع المغرب تدفعها لمخالفة المتعارف عليه. إن مبدأ الصحافة الذي يقول «الخبر مقدس والتعليق حر»، لا تحترمه الصحافة الإسبانية أبداً في تعاملها مع المغرب، لدرجة يمكن القول إن المنع الذي طال بعض وسائل الإعلام الإسبانية من تغطية أحداث العيون بسبب عدم موضوعيتها، لن يؤثر عليها، تعرف لماذا؟ لأن الصحفي الإسباني حتى لو سمح له بالذهاب إلى العيون، فكن متأكداً، أنه سيذهب إلى هناك فقط ليزكي ما يوجد في مخيلته، بمعنى أن المقال يكون قد وضع خطوطه العريضة في رأسه قبل أن يصل إلى العيون، وربما يذهب هناك فقط لالتقاط الصورة التي ترافق المقال، إذا لم يقم بفبركتها هي الأخرى كما بينت التجربة مؤخراً. وهنا أريد أن أقول شيئا آخر بخصوص رفع المنع الذي قامت به الحكومة المغربية عن بعض الصحف الإسبانية، إن ذلك تصرف محمود لأن حرية التعبير هي بمثابة «الترموميتر» لقياس درجة الديموقراطية، حتى لو سبب لنا ذلك إزعاجاً، لكن أنا على يقين أن هذه الصحف وغيرها من الصحف الإسبانية لن تغير من موقفها، ولن تبحث عن الموضوعية، ولن تستمع إلا لأعداء وحدة المغرب الترابية، وكل رأي أو حدث مخالف لن يجد مكانه في الصحافة الإسبانية أو يجده بشكل محدود جداً، ولا أدل على ذلك قضية مصطفى ولد سلمى والمجزرة الهمجية التي ارتكبتها ميليشيات مدربة في حق قوات الأمن والقوات المساعدة المغربية، بل وحتى مظاهرة الدار البيضاء الأخيرة، التي شارك فيها ثلاثة ملايين شخص لم تظهر إلا بشكل خجول وفي عدد محدود من وسائل الإعلام الإسبانية، بخلاف المظاهرة التي نظمها المساندون لأطروحة البوليساريو منذ أسبوعين في مدريد، والتي قال المنظمون إنها جمعت خمسة آلاف شخص، مع أن العدد في الواقع هو أقل من ذلك بكثير، فقد استمرت هي الخبر الرئيسي التي تفتتح به قنوات التلفزيون والإذاعة الإسبانية نشراتها طيلة يومين.
} هل هذا العداء الذي يكنه اليمين الإسباني مرتبط بما هو انتخابي أم هو عداء تاريخي للمغرب؟
شق من هذا العداء هو تاريخي كما بينت لك، لكن الشق الثاني انتخابي محض، وتكفي قراءة سريعة في خطاب قادة هذا الحزب، انطلاقاً من تصريحات أمينه العام ماريانو راخوي إلى تصريحات الناطق باسم الحزب في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان غوستافو دي أريستيغي ليتبين ذلك، فالأول لم يكن يتحرج وهو في الحملة الانتخابية التي عرفتها مقاطعة كطالونيا في الأسبوعين الماضيين، ليتناول موضوع أحداث العيون، وكأنه جزء من حملته الانتخابية، أما الثاني، فإن تدخله أمام لجنة الشؤون الخارجية يوم 18 نوفمبر الأخير، يجعلنا لا نحس فقط بالمفاجأة، وإنما بالصدمة، بحيث يعتبر قضية الصحراء شأنا داخليا إسبانيا، مع العلم أن وجود إسبانيا في الصحراء انتهى في 26 فبراير 1976، عند انسحاب قواتها ومنح مسؤولية التسيير الإداري للمغرب.
وبعد فشل الحزب الشعبي في جعل الحزب الاشتراكي الحاكم يدين المغرب، بدأ يردد بأن الحكومة الإسبانية لم تحرص على مصلحة إسبانيا العليا، وعندما ردت الحكومة بأن هذه المصلحة هي التي فرضت عليه التعامل مع الملف بالتروي والاعتدال، قال الحزب الشعبي ليست مصلحة إسبانيا هي المهمة، وإنما يوجد ما هو أهم منها: حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان. وعندما قال المغاربة، إذن باسم حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان نطلب منكم أن تستمعوا إلى وجهة نظرنا حتى لو لم تقبلوا بها، نظر الحزب الشعبي إلى الجهة الأخرى، وانتقل إلى البرلمان الأوروبي بحثاً عن هذه الإدانة، بعدما فشل في الحصول عليها من البرلمان الإسباني. وقد راهن الحزب الشعبي بأي ثمن أن يصوت البرلمان الأوروبي على مقترحه لتشكيل لجنة تقصي الحقائق في الصحراء قبل 28 نوفمبر الجاري، مستفيداً من وجود أغلبية يمينية بهذا البرلمان. أما السبب في اختيار هذا التاريخ، فيرجع من جهة إلى استعمال هذه الورقة في الانتخابات التشريعية بكاطالونيا التي أجريت في اليوم المشار إليه، والتي حسن فيها الحزب الشعبي بشكل واضح نتائجه مقارنة مع الولاية التشريعية المنتهية، ويرجع من جهة أخرى إلى تخوفه من الدور الذي يمكن أن تطلع به الدبلوماسية المغربية في البرلمان الأوروبي، حيث تمت برمجة مجموعة من اللقاءات خلال الأسبوع الجاري، لشرح وجهة نظر المغرب.
} ماهي إمكانيات الحزب الشعبي للفوز في الانتخابات المقبلة، وما هو مستقبل العلاقات مع المغرب
في حال تحقق ذلك؟
حسب جل استطلاعات الرأي فإن الحزب الشعبي سيفوز في الانتخابات المقبلة، وهو في الوقت الحاضر يتقدم بأكثر من 10 نقاط على غريمه السياسي. وقد نجح الحزب الشعبي بدهاء في إقناع الرأي العام الإسباني، أن المسؤول الأول والأخير عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعرفها إسبانيا اليوم هو السياسة التي نهجها الحزب الاشتراكي، مع أن المتوقف عند المعطيات الاقتصادية المتوفرة ، يتبين له أن الأزمة بنيوية وليست ظرفية، بمعنى أنها موروثة عن الحكومات السابقة بما فيها حكومتا الحزب الشعبي الذي تولى فيهما السلطة خوسي ماريا اثنار. قد يقول قائل لا زال موعد الانتخابات بعيداً، حيث تفصلنا عنه سنة وربع، لكن أقول لك، إن المؤشرات الاقتصادية لا تتحدث عن أي تحسن، وأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وبالدرجة التي تزداد فيه الأمور سوءا، يزداد خطاب الحزب الشعبي عدوانية حيال الحكومة الحالية.
بخصوص العلاقة مع المغرب، الحقيقة لن أستطيع أن أقول لك إنني متفائل بمستقبل هذه العلاقات في حالة ما إذا وصل الحزب الشعبي إلى الحكم. صحيح أن هناك العديد من الرهانات، التي تفرض تعاونا مثمرا بين البلدين، على رأسها الجانب الأمني، وموضوع الإرهاب والهجرة السرية، ووجود جالية مغربية في إسبانيا تقدر بحوالي مليون شخص، والتعاون الاقتصادي حيث إن إسبانيا هي ثاني شريك اقتصادي للمغرب، وتوجد به حوالي ألف شركة، والاستثمار في المغرب يمكن أن يمثل خياراً بديلاً للمستثمرين الاسبان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها بلادهم، ثم هناك الملف الثقافي، فالمغرب يحتل المرتبة الأولى من حيث المعاهد والبعثات الثقافية التي لإسبانيا في الخارج، لكن جل هذه الأمور كانت موجودة من قبل، ولم تتم مراعاتها من طرف الحزب الشعبي، عندما خلق جواً من التوتر مع المغرب، كاد يتحول إلى ما لا تحمد عقباه، على إثر مشكل جزيرة تورة. لذا فأنا أرى أن الحزب الشعبي مطالب بتغيير نظرته الموروثة من الماضي الكئيب عند تعامله مع المغرب.
الدكتور عبد الواحد أكمير
* إزداد الدكتور عبد الواحد أكميرسنة 1960 بقبيلة ببني أحمد (لإقليم شفشاون).لينتقل بعد دلك للدراسة بمدينة تطوان حيث نال فيه شهادة الباكالوريا ، ليرحل في رحلة الدراسة إلى إسبانبا و نال دكتوراه الدولة، بجامعة كومبلوتنسي، مدريد، 1990 . ليلتحق بوطنه أستاذا بجامعة محمد الخامس بالرباط، ونظرا لتخصصه أنشأ مركزا للدراسات الأندلسية وحوار الحضارات ، للدكتور عبد الواحد عدة كتب و منشورات منها
* الهجرة العربية إلى الأرجنتين: 1880 -1980(منشورات جامعة كومبلوتنسي،مدريد 1991).
* علي باي، مغترب قطلاني في بلاد الإسلام، بالاشتراك مع مجموعة من الباحثين (منشورات المتحف الإثنوغرافي، برشلونة 1996).
* العالم العربي وأمريكا اللاتينية، بالاشتراك مع مجموعة من الباحثين (منشورات اليونسكو، مدريد 1997).
* الحضور المغربي في إفريقيا الغربية (بالاشتراك مع باحثَين آخرَين،منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط 1997).
* وصف الممالك المغربية(ترجمة من الإسبانية،منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط 1997).
* العرب في الأرجنتين: النشوء والتطور.منشورات مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت 2000 .
* الهجرة إلى الموت: إسبانيا وأحداث إليخيدو. منشورات الزمن، الرباط 2001 .
كما له عدة مشاريع علمية و أكاديمية يشرف عليها منها على سبيل الذكر
* الحضور المغربي في إفريقيا الغربية (السنغال ومالي وساحل العاج)، دراسة ميدانية، تمويل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج ومعهد الدراسات الإفريقية (1992-1994) .
* العالم العربي وأمريكا اللاتينية، دراسة ميدانية، تمويل منظمة اليونسكو (1994-1997) .
* الذاكرة التاريخية نقطة التقاء بين إسبانيا والمغرب، دراسة ميدانية ، تمويل اللجنة الجامعية الإسبانية ،المغربية (منسق مجموعة البحث المغربية المشاركة في المشروع) ( 1997-1999)
* صورة الآخر خلال القرون الوسطى العربية-الإسبانية، تمويل اللجنة الجامعية الإسبانية- المغربية (منسق مجموعة البحث المغربية المشاركة في المشروع).
* الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية (المشرف على المشروع) تمويل مركز دراسات الوحدة العربية (في طور الانجاز).
وبالإضافة إلى إهتماماته الأكاديمية، يعمل الأستاذ أكمير خبيرا لدى اليونسكو في شؤون الهجرة. و عضوا بأكاديمية أمريكا الشمالية للغة الإسبانية. و عضوا ب جمعية الباحثين المغاربة المهتمين بالعالم الناطق بالإسبانية (عضو المكتب المركزي). و المعهد الأرجنتيني العربي للثقافة.والجمعية المغربية للبحث التاريخي. و مشرفا على الأعمال العلمية المترجمة من الإسبانية إلى العربية، والصادرة عن منشورات الزمن. و توج مساره العلمي بنيل جائزة عبد الحميد شومان في العلوم الإنسانية لسنة 1998 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.