قال عبد الحميد البجوقي، أحد نشطاء المجتمع المدني المغربي في مدريد والرئيس المؤسس لجمعية العمال والمهاجرين المغاربة بإسبانيا، إن ورقة الاقتصاد فرضت نفسها خلال الحملة الانتخابية بإسبانيا بحكم الأزمة التي يعيشها العالم والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المشاكل التي يتخبط فيها قطاع العقار الذي يعد ضمن القطاعات الأساسية التي يبنى عليها الاقتصاد الإسباني، مضيفا أنه مع ذلك ظهر أن الحزب الشعبي لم يستغل هذه الورقة بشكل قوي. وأشار البجوقي إلى أن ورقة الهجرة أوضحت إلى أي حد يحمل الحزب الشعبي في عمقه بذور عنصرية لا زالت قائمة، موضحا أن اقتراح برنامح التعاقد كان موجها ضد المسلمين الذين يحاول اليمين أن يرسم صورة مخيفة عنهم. وفي ما يلي نص الحوار: - ما هي القراءة التي تقدمها لأجواء الحملة الانتخابية الإسبانية التي شارفت على نهايتها؟ < أعتقد أن الحملة الانتخابية في إسبانيا تتميز لأول مرة بالتعادل بين الحزب اليميني الشعبي والحزب الاشتراكي، بسبب كونها أول انتخابات تمت بعد أحداث11مارس وحرب العراق وإعلان الهدنة بين الدولة ومنظمة إيتا الانفصالية، وكان منتظرا إلى غاية الشهور الأخيرة أن يحتل موضوع الإرهاب الصدارة خلال الحملة الانتخابية، وتأتي بعده المواضيع الأخرى، بل طفا على السطح موضوع الاقتصاد الذي كان قبل شهور في وضعية مريحة ولم يكن منتظرا أن يشكل موضوعا للجدل بين الحزبين المتنافسين، وكان متوقعا أن يستعمل موضوع الهجرة، لكنه لم يكن يتوقع أن يحتل أهمية كبرى بعد المقترح الذي تقدم به ماريانو راخوي، زعيم الحزب الشعبي اليميني. - ما هي العوامل التي أدت إلى تراجع ورقة الإرهاب وظهور ورقة الاقتصاد والهجرة؟ < فرضت ورقة الاقتصاد نفسها بحكم الأزمة التي يعيشها العالم والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المشاكل التي يتخبط فيها قطاع العقار الذي يعد ضمن القطاعات الاقتصادية الأساسية التي يبنى عليها الاقتصاد الإسباني، مع ذلك ظهر أن الحزب الشعبي لم يستغل هذه الورقة بالشكل القوي الذي كان متوقعا منه في هذا الظرف الانتخابي، خصوصا أنه يمتلك عدة كفاءات اقتصادية بينها رودريغو راتو الذي كان إلى وقت قريب يشغل منصب مدير للبنك العالمي وكان سابقا يشغل منصب وزير للاقتصاد في حكومة خوسي ماريا أثنار . أما تراجع موضوع الإرهاب فيعود إلى أن تفجير مطار مدريد باراخاس دفع الحزب الاشتراكي إلى تغيير إستراتيجيته في التعامل مع المنظمة الإرهابية إيتا، بل إنه اتخذ سياسة أكثر تشددا من اليمين نفسه حتى تجاه الأحزاب السياسية الموالية لها مثل حزب بتاسونا وحرمانها من المشاركة في الانتخابات، وبالتالي وجد الحزب الشعبي أن ورقة الهجرة يمكنها أن تميل الكفة لصالح حزب أو آخر. - هل التشدد الذي أبداه الحزب الشعبي اليميني إزاء ملف الهجرة خلال هذه الانتخابات يدل على أنه يزداد يمينية مع مضي الوقت؟ < لا أتفق على هذا التحليل، بحكم أن الحزب الشعبي كان يحمل دائما جميع التيارات المتطرفة بين ظهرانيه، خصوصا أن جميع جذور الحزب قادمة من الفرنكاوية مع بعض الاستثناءات المعروفة، إضافة إلى بعض الشخصيات القادمة من حزب الوسط الذي كان يتزعمه أدولفو سواريث في السابق، و أظن أن الحزب اليميني تحت قيادة خوسي ماريا أثنار احتل موقع الوسط إلى غاية حرب العراق، والواقع أن تطرف الحزب خلال تلك المرحلة ظهر على مستوى السياسة الخارجية في الحرب على العراق والعلاقات مع المغرب، والحكومة الأولى التي شكلها أثنار كانت ائتلافية ووسطية، أما الحكومة الثانية التي شكلها بأغلبية مطلقة، فإنها كانت أقرب إلى الوسط من اليمين رغم أن الزعيم كان أقرب إلى اليمين من الوسط، وهي مسألة طبيعية يمكن أن تقع في الأحزاب من أجل كسب مزيد من الأصوات. لقد أوضحت ورقة الهجرة إلى أي حد يحمل الحزب الشعبي في عمقه بذورا عنصرية لا زالت قائمة، كما أن هذا جانب في اللاوعي الإسباني حاضر عند مواطني هذا البلد، بحيث إن استعمال اقتراح برنامح التعاقد كان موجها ضد المسلمين، التقاليد التي تم استهدافها كلها كانت إسبانية، وهو ما يصور أن الجانب الذي يشكل تهديدا في موضوع الهجرة هي الهجرة المسلمة، وما يحصل هو محاولة لتقليد تجربة نيكولا ساركوزي في فرنسا، رغم أن الرئيس الفرنسي الحالي كان يوجد على يمينه حزب يميني أكثر تطرفا هو حزب جون ماري لوبان، في حين أن الحزب الشعبي يملك حزبا متطرفا في دواخله، في الوقت الذي عبر فيه الحزب الاشتراكي عن أفكار أكثر ليبرالية على مستوى الارهاب والهجرة، وأكدت التجربة الإسبانية دائما أن الحزب الذي يكسب في الانتخابات يكون في الوسط. - يمثل المغاربة العمود الفقري للجالية المسلمة في إسبانيا التي تؤطرها مجموعة من جمعيات المجتمع المدني، ما الذي يمكنكم أن تفعلوه لمواجهة هجمة الحزب الشعبي؟ < أظن أن الإطارات التي تمثل المهاجرين المسلمين والمغاربة، يجب أن تنتبه إلى نقطة أساسية هي عدم تقديم هذه الجالية بصفة الإسلام، بل بصفة الثقافة، وهو ما سيقطع الطريق على كل التطرف سواء كان مرتكزه الدين أو أي شيء آخر، وأعطي المثال بالطفلة فاطمة التي منعت في سنة 2000 من الولوج إلى مدرسة بسبب ارتدائها الحجاب، واتخذت جمعية العمال والمهاجرين المغاربة بإسبانيا موقفا مساندا لحق الطفلة في ارتداء الحجاب، ولم يستطع وقتها اليمين الإسباني الذي كان في الحكم أن يتهمنا بأية تهمة تتعلق بالتطرف الديني بحكم أننا جمعية اجتماعية وغير دينية، وفي الأخير انتصر القانون على ترجمة القانون بطريقة رجعية التي كان يقوم بها اليمين وقتها، وقلنا لهم إن ما ترتديه الطفلة فاطمة ليس حجابا، بل هو منديل وهي مسألة مرتبطة بالتقاليد وليس بالدين ووجدنا في هذه الصيغة حلا للمشكلة، لذلك يجب أن ندافع عن حقوقنا من موقع الحقوق والواجبات المدنية وليس الدينية فقط، رغم أن هذه الأخيرة قائمة ويجب التعامل معها بكل احترام ومسؤولية، ولا يجب أن ننسى أنه يوجد في إسبانيا أزيد من مائة ألف مسلم إسباني، وهم لهم دور فعال في هذا البلد الأوروبي، وأعتقد أن جمعية العمال والمهاجرين المغاربة التي لم أعد أمثلها لها علاقات مع جمعيات معتدلة يتزعمها مسلمون إسبان. ويشكل الإسلام بعبعا مخيفا للإسبان الذين يخشون الغزو الإسلامي والمسلمين الغزاة، وشيء من الإشارات غير المباشرة التي نجدها موجودة بقوة مثل الشعارات التي يطرحها الآن الحزب الشعبي خلال هذه الحملة، وهو يحاول أن يستخدم ورقة الهجرة المسلمة بعد أحداث 11 مارس كتهديد للكيان الإسباني، وهو كلام باطل يراد به باطل، وهو كلام سلس وبسيط يصل إلى المواطن الإسباني الذي يسكن أحياء تعاني من مشاكل الإندماج بعد فشل سياسة الحكومات الجهوية والوطنية في إدماج المهاجرين.