تساءلت صحيفة أمريكية بشأن الموقف المحتمل للجيش المصري من احتمالات توريث الحكم في البلاد لجمال مبارك نجل الرئيس المصري الحالي حسني مبارك، وقالت إن قضية التوريث لو حدثت ستشكل اختبارا قاسيا للجيش المصري. في غضون ذلك لا تزال الساحة السياسية في مصر تشهد حراكا حاميا للتحضير للاستحقاقات الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة بين الداعين إلى المقاطعة وعدم المشاركة، وبين الحزب الحاكم الذي يسعى إلى الإبقاء على الوضع السياسي القائم بعلاته وأوضاعه المرفوضة شعبيا ومعارضة. فقد أعلن حزب الغد المعارض في مصر، الثلاثاء الماضي، أنه سيلتحق بالدكتور محمد البرادعي في مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في نونبر المقبل. وأشارت صحيفة نيويورك تايمز، في عدد صادر نهاية الأسبوع الماضي، إلى انفجار حدث في مصنع 99 العسكري بحلوان المصرية وأسفر عن مقتل عامل مدني وإصابة آخرين، وإلى أن الجيش قدم لمحاكمة عسكرية عددا من العمال الذين احتجوا إثر مقتل زميلهم في انفجار غلاية في المصنع الشهر الماضي. وقالت الصحيفة إن اعتقال الجيش المصري لعدد من العمال المدنيين في المصنع الذين مارسوا حقهم في الاحتجاج وفق ما تسمح به قوانين البلاد وتقديمه إياهم إلى محكمة عسكرية، يعتبر دليلا على أن القوانين المصرية لا تسري على الجيش المصري، وأنه مستقل في إرادته. وأضافت أن الجيش رغم استقلال مؤسسته عن القوانين المدنية التي تحكم مصر، سيواجه اختبارا قاسيا بشأن اختيار البلاد للرئيس القادم وبشأن احتمال توريث الحكم لجمال مبارك. نفوذ الجيش ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين عسكريين متقاعدين وناشطين سياسيين ومحللين في مصر قولهم إن إظهار الجيش لنفوذه ضد العمال المدنيين المضربين، يأتي إشارة واضحة على وضع الطابع العسكري على اختيار الرئيس المقبل. وبينما قالت إنه سيكون بيد الناخبين المصريين تحديد الرئيس القادم عبر الانتخابات المزمع إجراؤها عام ,2011 فإن فوز مرشح الحزب الحاكم يكاد يكون أكيدا، مضيفة أن ما وصفته بالصراع الحقيقي على الخلافة سيكون وراء الأبواب المغلقة. وأضافت نيويورك تايمز أنه بينما قد يحاول الجيش الحفاظ على وضعه الراهن القوي في البلاد أو قد يتدخل لمنع جمال مبارك من وراثة الحكم، أعرب مسؤولون بالجيش في مقابلات إعلامية عن تحفظاتهم على مبارك الابن، أحد المرشحين المحتملين لخلافة الرئيس. وقال مسؤولون متقاعدون وغيرهم من المحللين إن الجيش لن يساند ترشح نجل مبارك دون الحصول على ضمانات حديدية لاستمرار احتفاظ الجيش بمركزه البارز في شؤون الأمة المصرية. ومضت إلى أن المسؤولين المتقاعدين تناقلوا ما وصفته بالخطاب المفتوح الذي ينتقد ترشح جمال مبارك الشهر الماضي، وأن الجيش المصري تحول إلى عملاق يتحكم في الأمن والدفاع وفي الأعمال المدنية مثل شق الطرق والبناء والتشييد والتجارة وإدارة المنتجعات وغيرها في البلاد. تدخل عسكري وقالت نيويورك تايمز إنه رغم أن الجيش المصري يحافظ على سرية أعماله وتوجهاته وحتى على أعداده التي قدرتها بنحو 300 إلى 400 ألف جندي، فإنه يعلن تفسيراته وأوامره القضائية بشكل واضح، مشيرة إلى أن اللواء المتقاعد حسام سويلم قال إن الجيش قد يتدخل بقوة لو تطلبت الأمور لمنع جماعة الإخوان المسلمين من الحصول على السلطة على سبيل المثال. وأضاف اللواء سويلم أنه سنطيع الرئيس لأن الشعب سيقبله، لكننا لن نقبل بأي تدخل من جانب الأحزاب السياسية في شؤوننا العسكرية. وأما جورج إسحاق عضو الجمعية الوطنية للتغيير وهي جماعة علمانية معارضة فيصف الجيش بقوله إنه القوة الأولى والرئيسية في مصر الآن، ولا نود أن يلعب الجيش دورا سياسيا في مساندة شخص ضد آخر. وبينما يبدو وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي من بين المرشحين للرئاسة في مصر، وينافسه في ذلك رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان، فإن كثيرين يفترضون توريث الحكم للمرشح جمال مبارك الذي برز نجمه سريعا عن طريق الحزب الوطني الديمقراطي. كما أشارت الصحيفة إلى أن مرافقة جمال لوالده إلى واشنطن بهدف إطلاق مفاوضات السلام المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يوم 2 شتنبر الجاري زادت من التكهنات بشأن احتمال توريث الحكم، خاصة أن جمال ذهب مع والده الرئيس المصري وهو لا يتمتع بأي منصب حكومي رسمي. وقال اللواء المتقاعد محمد قدري سيد من جانبه إنه لو أراد جمال أن يخلف أباه فيجب عليه أن يفوز في انتخابات نظيفة، في حين قال مسؤولون عسكريون آخرون إنهم يخشون أن يُحدث جمال مبارك ما وصفوه بالتآكل في سلطات الجيش المؤسسية. وبينما لا يؤمن بعض المسؤولين العسكريين بكون الانقلاب العسكري يشكل أحد الخيارات، يقولون إنه يجب على من يخلف مبارك سواء كان نجله جمال أو غيره محاولة إقناع الجيش بأن مركزه في بنية السلطة المصرية سيبقى ثابتا ومحفوظا وغير قابل للمساس. جمال حلم الأغنياء وليس الفقراء من جانب آخر، قالت صحيفة كريتسيان ساينس مونيتور الأمريكية أن تولي جمال مبارك منصب رئاسة الجمهورية، حلم لرجال الأعمال، لكنه ليس حلم فقراء مصر. وتساءلت عن أسباب سماح أجهزة الأمن بتوزيع ملصقات تؤيد نجل الرئيس مبارك ليكون الرئيس القادم لمصر، وما إذا كانت هذه محاولة من داخل الحزب الوطني الحاكم لتأهيل جمال لهذا المنصب. وقالت كرستن تشيك (مراسلة الصحيفة في مصر) إن البعض يعتبر استضافة الرئيس مبارك للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في شرم الشيخ، ما هو إلا رسالة منه إلى واشنطن وتل أبيب لإقناعهم أن جمال هو الخيار الأكثر أماناّ للحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل. واعتبر البعض (وفق الصحيفة) أن انتشار ملصقات في عدة أحياء شعبية تؤيد جمال مبارك رئيساّ لمصر وتعتبره حلم الفقراء، هو تدشين مبكر لحملة نجل الرئيس الانتخابية تأهباّ لانتخابات الرئاسة .2011 وذكرت الصحيفة أن مرافقة جمال لأبيه في رحلته إلى واشنطن لبدء محادثات السلام بين الفلسطينيين والصهاينة أدت إلى زيادة التكهنات بشأن سعي مبارك الأب لتأييد باراك أوباما (الرئيس الأمريكي) لمخطط التوريث في مصر، التي تتلقى معونات أمريكية قدرها بليون دولار سنوياّ. وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم إنكار كل من الرئيس ونجله أي خطط مطروحة للتوريث، فإن الشائعات تزيد بشكل كبير، ويبدو أنها في سبيلها لتتحول إلى حقائق، واستندت في هذا إلى عدم اتخاذ الرئيس مبارك قراراّ بتعيين نائباّ له منذ توليه الحكم عام ,1981 وهو ما خلق حالة من التساؤل والغموض حول من سيخلفه. وأبرزت صحيفة الشروق المصرية ما رصدته كرستين لرحلة الصعود السياسي لجمال مبارك، حيث قالت إنها بدأت منذ عام 2000 عبر توليه عدة مناصب في الحزب الوطني الحاكم، حتى أصبح الآن أمين السياسات ونائب رئيس الحزب، ورغم أن التعديلات الدستورية الأخيرة سمحت بأن تكون الانتخابات الرئاسية تعددية وبها أكثر من مرشح، فإنها تصب كلها في صالح مرشحي الحزب الحاكم. ورأى حسن نافعة (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) أن هذه التعديلات مجرد خطوة للتسويق لجمال مبارك، وإعداد المسرح له لكي يتولى السلطة، موضحا أنه لا يعتقد أن الرئيس مبارك اتخذ قرار ما إذا كان سيرشح نفسه لفترة رئاسة قادمة أم لا. ويعارضه محللون آخرون، إذ رأوا أن زيارة جمال مبارك الأخيرة بصحبه والده إلى واشنطن أكبر دليل على اتخاذ مبارك الأب للقرار. ويرى نافعة أن الإسرائيليين مقتنعون أن جمال هو الأنسب، لأنه سيحرص على استمرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأن أي خيار سواه سيكون فيه مخاطرة كبيرة. ومن الدلالات الأخرى التي رصدتها مراسلة الصحيفة لرضا النظام على جمال مبارك، أن ملصقات تأييده هي الوحيدة الباقية على جدران الشوارع في مصر، بينما أزيلت جميع الملصقات الأخرى للمرشحين المحتملين للرئاسة. والغريب أن الحزب الوطني أعلن عدم مسؤوليته عن نشر هذه الملصقات، بعدها ظهر مجدي الكردي، وهو عضو حزب معارض سابق، ليعلن أنه المنسق العام لحملة تأييد جمال مبارك، وأنه المسؤول عن هذه الملصقات، وقد أثار هذا شكوكًا كثيرة حول الميزانية التي تحملها الكردي لتعليق هذه الملصقات الفاخرة في شوارع بأحياء مصرية متواضعة، وظهرت شائعات تقول إن رجل الأعمال وعضو الحزب الوطني إبراهيم كمال هو الذي دفع ميزانية الملصقات (بحسب الصحيفة) لكن الحزب نفى رسمياّ هذه الشائعات. وأكد نافعة أن هناك جهوداّ من رجال أعمال داخل الحزب الوطني لتتويجه رئيساّ بدلاّ من والده، وهم مستفيدون من سياسات جمال مبارك الاقتصادية التي فتحت لهم الأبواب لجني المزيد من المال، بينما جمع جمال حوله جوقة من رجال الأعمال الأغنياء المحتكرين، واستطاع الاستفادة من دعمهم له، في دولة يعيش أكثر من 40% من سكانها بأقل من دولارين يوميا. الغد يلتحق بالبرادعي في سياق مختلف، وفي مسعى واضح لمزيد من إرباك خطط الحزب الحاكم للتفرد بالبلاد وقطع الطريق أمام مشاريع الإصلاح والتغيير، أعلن حزب الغد المعارض في مصر، الثلاثاء الماضي، أنه سينضم إلى الدكتور محمد البرادعي في مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في نونبر المقبل. وفي الأسبوع الماضي قال البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يتزعم حركة تطالب بإصلاحات وتغييرات دستورية في مصر : إنّ الانتخابات سيجري تزويرها وإن أي شخص يشترك في الانتخابات سواء مرشح أو ناخب يخالف ضميره القومي. ويقول محللون: إنّ مقاطعة الانتخابات البرلمانية قد تزيد المخاطر للانتخابات الرئاسية المقررة في .2011 ولم يكشف الرئيس المصري حسني مبارك (82 عامًا) حتى الآن عما إذا كان سيترشح لفترة ولاية أخرى، لكن كثيرين من المصريين يعتقدون أنه سيحاول دفع ابنه جمال (46 عامًا) إلى السلطة إذا قرّر عدم الترشح. وينفي الأب والابن كلاهما أي خطة لتوريث الحكم، لكن مسؤولين من الحزب الحاكم رحبوا بفكرة ترشح مبارك للرئاسة مجددًا كما أكدوا أيضًا على حق الابن في الترشح ورحبوا بذلك. وقال أيمن نور رئيس حزب الغد بعد أنّ وافق حزبه بأغلبية ساحقة على عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية نحترم رأي البرادعي في المقاطعة... هذا الرجل له وزن كبير في عملية التغيير ونحن نحترمه. وخاض نور انتخابات الرئاسة التي جرت في 2005 ضدّ مبارك وجاء في المركز الثاني بفارق كبير. وأودع السجن بعد الانتخابات بوقت قصير لتقديمه وثائق مزورة عندما أنشأ حزب الغد وهي اتهامات يقول: إنها كانت بدوافع سياسية. ويأمل حزب الغد، أن تحرم معارضة متحدة للانتخابات الحزب الحاكم من الشرعية، وانضم ممثلون لحركة كفاية إلى اجتماع الثلاثاء الماضي. وقال وائل نوارة الشريك المؤسس لحزب الغد للصحفيين: سنخرج من قواعد هذه اللعبة وسنرسي قواعد جديدة. سنعمل على إيجاد برلمان جديد ودستور جديد. وعَلَت أصوات الدعوات المطالبة بمقاطعة انتخابات نونبر بعد أن فاز الحزب الحاكم بزعامة مبارك بمعظم المقاعد في انتخابات مجلس الشورى التي جرت في يونيو، وشكت جماعات حقوقية من وقوع خروقات بينما أصرت الحكومة على أن الانتخابات كانت نزيهة. لكن قوة المعارضة في مصر تبقى منقسمة مع إعلان جماعة الإخوان المسلمين أكبر كتلة معارضة والتي لها 88 مقعدًا في البرلمان وحزب الوفد أنهما سيشاركان في الانتخابات.