الخطاب الملكي ليوم 09 مارس2011 رغم حديثه عن" إصلاحات جديدة شاملة، في تجاوب دائم مع كل مكونات الأمة” ، فانه ركز على المحاور السبعة ، التي يجب أن يشملها الإصلاح ، و حدد قضايا معينة وجعلها من الثوابت ، غير قابلة للمراجعة أو الإصلاح، و" هي محط إجماع وطني، وهي الإسلام كدين للدولة الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي الضمان القوي والأساس المتين لتوافق تاريخي، يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب". ورغم ذلك فان معظم النقاش كان ومازال منصبا على هذه القضايا التي جعلها الخطاب من الثوابت. و أضحت تلك القضايا مجالا للنقاش و لتنافس الأحزاب ، من حيث مقترحاتها. بل أكثر من ذلك ، أصبحت مقترحات الأحزاب و المجتمع المدني حول المرجعية الإسلامية للدولة، و إمارة المومنين وتقنينها ، ومقدار تقليص السلطات التنفيذية للمؤسسة الملكية، أهم ما تركز عليه الصحافة و وسائل الإعلام السمعية البصرية والمقروءة والمسموعة، ومعيارا لقياس مدى قوة و جرأة الأحزاب السياسية من عدمها، أو ضعفها . إذن ما هي القيمة الديمقراطية المضافة في هذا الدستور الجديد ؟ يمكن البحث عن القيمة الديمقراطية المضافة في الدستور الجديد على مستويين : المستوى التدبيري و السياسي، و المستوى الحقوقي والاجتماعي. -1- المستوى ألتدبيري و السياسي : لفهم ومعرفة الجديد الذي أتى به مشروع الوثيقة الدستورية يمكن التركيز في هذا المشروع الوثيقة على ثلاثة جوانب ، السلط الثلاث : التنفيذية و التشريعية والقضائية، حيث لازالت المؤسسة الملكية تشكل محور السلطة التنفيذية ، بمقتضى ما يوفره الباب الثالث من المشروع الجديد بفصوله من 41 إلى 59 من سلطات واسعة إن لم نقل مطلقة للمؤسسة الملكية ، فرغم تقسيم الفصل التاسع عشر في الدستور السابق ، إلى فصلين 41و 42 في الدستور المقبل ، ورغم تغيير لصفة الملك من ممثل أسمى للأمة إلى ممثل أسمى للدولة، والتي يعتقد العديد من الباحثين أن بمقتضاها (تمثيلية الملك للأمة) كان يمارس السلطة التشريعية ، في حين أن الملك يمارس صلاحيات إحداث العديد من اللجن والمجالس باعتباره (يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات، والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية الملكية) في الفصل19 من الدستور السابق ، والتي مازلت باقية في الفصل 42 من الدستور المقبل. وبذلك تبدو ملامح الملكية التنفيذية واضحة في كل ثنايا الدستور، اللهم إشراك رئيس الحكومة في التعيينات الوزارية وفي المناصب السامية و الإدارات المركزية، ومن خلال الاقتراح (الفصلين 91 و92)، مع العلم سلطة التعيين والإعفاء محتكرة من الملك، وهذا ما سيسمح بالإفلات من المحاسبة السياسية والمراقبة الإدارية للعديد من الذين سيعينون في تلك المناصب، مما يتناقض مع مضامين الخطاب الملكي ليوم 9مارس2011 ، الذي ركز على اقتران المسؤولية بالمحاسبة . دون الحديث عن ما يشكله المجلس الوزاري( الفصل 49) من سد أمام كل ما لا ترغب فيه المؤسسة الملكية ، من توجهات استراتيجيات لسياسة الحكومة، أو توجهات عامة للقوانين المالية، أو من قوانين تنظيمية ، مما يفيد أن الحكومات التي ستشكل في ظل الدستور المقبل ، لا يمكن لها أن تطبق برنامجها الذي نالت عليها الثقة من الشعب خلال الانتخابات ، وإنما ستجتهد فقط في تطبيق البرنامج الملكي الذي توضع خطوطه الإستراتيجية في المجلس الوزاري، مما سيفرغ العملية السياسية برمتها من محتواها الديمقراطي، ويفقد الرهان الانتخابي هدفه الرئيسي في التداول و التناوب على ممارسة السلطة. وهذا ما سيجعل المغرب مراوحا لمكانه. ونفس الأمر ينطبق على السلطة التشريعية في الدستور الجديد ، فرغم التنصيص على المعارضة فيه(الفصل 60) ، فانه يعطي الملك الحق في حل مجلسي البرلمان، وفي الوقت الذي تحتكر فيها الحكومة المبادرة التشريعية بشكل كبير(من الفصل 78 إلى الفصل 82)، تم تجريد المؤسسة التشريعية من الأدوات الرقابية المهمة ، من خلال الرفع من العدد المطلوب من النواب لتشكيل لجن تقصي الحقائق(ثلث الأعضاء) ونفس الأمر بالنسبة لتقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة (الفصلين 105 و106) ، فباستثناء الأسئلة الشفوية والكتابية التي لا تأثير لها على العمل الحكومي. أما ، ما أتى به الدستور الجديد من منع للترحال السياسي للبرلمانين، وإلزامهم بالحضور في أشغال اللجن(الفصلين 61 و 69) فهي مسألة أخلاقية وتربوية أكثر مما هي سياسية وقانونية، السلطة القضائية بدورها لم تخرج عن الهيمنة الملكية المطلقة ، بداية بضمان استقلال القضاء (الفصل 107) ، مرورا بتعيين القضاة، وصولا إلى رئاسة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية(الفصل115). وهذا ما ينطبق على المحكمة الدستورية التي يعين الملك نصف أعضاءها الاثنى عشر (الفصل 130). و على مجال اللامركزية ، يمكن الإقرار أن التنصيص على انتخاب المجالس الجماعية الجهوية والإقليمية والمحلية بالاقتراع العام المباشر، تحميل رؤساء مجالس الجهات و رؤساء مجالس الجماعات الترابية تنفيذ القرارات التي تتخذها تلك المجالس (الفصلين 135و 138)، يعتبر خطوة كبيرة في التأسيس لديمقراطية محلية حقيقية. -2- المستوى الحقوقي و الاجتماعي: في هذا المستوى، يمكن القول أن هذا المشروع قد سجل تقدما كبيرا في التنصيص على العديد من الحريات السياسية والحقوق الاجتماعية و لمختلف الفئات الاجتماعية من نساء وشباب و أطفال و شباب و ذوي الاحتياجات الخاصة ( الفصول 31و 32 و 33 و 34 ) ، حيث نص على السعي إلى تحقيق المناصفة الرجال و النساء، ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة(الفصل19)، كما تم تجريم الاعتقال التعسفي والسري والاختفاء القسري و التعذيب بمختلف أشكاله (الفصل23)، كما تم التنصيص على الحق في الولوج إلى المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة( الفصل27) ، إلى جانب إقرار العديد من الحريات المدنية(الفصول24 و25 و 35) و الحريات السياسية(الفصول7 و8 و9 و10 و 28 و29 و30). و يمكن القول أن ما تمت دسترته تم التنصيص عليه من حقوق اقتصادية واجتماعية في المشروع لم يكن مرفوقا أو مسنودا ، بما يلزمه من دعائم الديمقراطية السياسية في مجال تدبير الشأن العام. وتبقى المجالس ذات الطبيعة الاستشارية في مختلف المجالات، التي تمت دسترتها ، والمنصوص عليها في المادة 179، عبارة عن هيئات وظيفتها استقطاب النخب السياسية، وخاصة العناصر المزعجة منها لترويضها، و تكلف الدولة مصاريف مادية أكبر بكثير من نتائجها و فائدتها في ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والنزاهة. خلاصة الحديث، هي أن أقصى ما يمكن أن يقال في الوثيقة الدستورية الجديدة هو أنها قد تستطيع أن تساهم في توفير أحد الشروط الأساسية نحو الانتقال إلى الديمقراطية ، إلى جانب ضرورة التوفر على إرادة سياسية حقيقية في التغيير والإصلاح لدى المؤسسة الملكية والنخب الدائرة في فلكها، ثم القيام بإصلاحات سياسية حقيقية( إطلاق سراح المعتقلين السياسيين+ محاسبة مختلسي المال العام + إصلاح الترسانة القانونية الانتخابية، .) و إصلاح الإعلام العمومي و تأهيل الإدارة الترابية، و أخير تنظيم انتخابات عامة نزيهة تعبر فعلا عن إرادة الشعب المغربي، والتي تمكن من اختار ممثليه لإدارة شؤونه.