حكاية شعبية تروي قصة قرد تمرد على صاحبه لأنه لم يكن يعطيه ما يكفي من الأكل: كان يزوده بخمس بلوطات في الغذاء وأربعة في العشاء. بعد إضراب طويل استجاب صاحب القرد لمطالب قرده: أصبح يعطيه أربع بلوطات في الغذاء وخمسة في العشاء. لست أدري لماذا تذكرت هذه الحكاية وأنا أقرأ نص الدستور الجديد. فإذا استثنينا بعض الفصول والمقاطع الزاخرة بالنيات الحسنة حول حرية التعبير وحقوق الإنسان، والتي يمكن تصنيفها في الزمن الحالي وبالعقليات الموجودة في خانة الخيال العلمي، فإن الأمور الجوهرية لم تتغير بتاتا. نفس التكتيكات إياها والتي لها هدف واحد ووحيد: تكريس السلطات المطلقة في نفس اليد. "الأيادي المغربية" التي نسجت هذا النص لم تختلف في مقاربتها عمن سبقها في أن تضع نصب أعينها إرضاء صاحب الفضل عليها. وهنا يجب الاعتراف بأن لجنة صياغة الدستور كانت في مستوى الثقة التي منحت لها. هناك فصول يمكن إدراجها في باب: "إذا ما كفاكومش الفيل نزيدكم الفيلة". المهم أن النص قرر أن يكون في صف الشرعية النابعة من "الحق الإلهي" على حساب تلك التي تفرزها صناديق الإقتراع. معادلة الشعب الرعية القاصر لازالت تستحوذ على روح هذا النص. هاجس وضع الفرامل في وجه الحرية يغلب على أي تفكير إيجابي لتركها تسير في طريقها طليقة تتلمسه حتى عبر الأخطاء. هوس الوصاية على هذا الشعب أهم بكثير من العمل على السير نحو ديمقراطية فعلية والتي تشكل الوسيلة الوحيدة للسير نحو المستقبل. إنها خيارات أصحاب الشأن وعليهم أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم. المهم ألا يحاولوا إقناعنا بأن ما شرعوه هو ديمقراطية. قد يكون خطوة إلى الأمام، قد يكون "العمش وليس العمية"، قد يكون ما تريدون ولكن بالله عليكم لاتسموه ديمقراطية. بالطبع هناك أتباع أينشتاين وهم كثر في بلادنا هذه الأيام: "كل شيء نسبي. نحن لسنا في مستوى الديمقراطيات العريقة ولكننا أفضل من كل الدول العربية". جيد. إذا أردنا أن نستعمل هذا المقياس فأنا متفق تماما بل أعترف أن نظامنا أفضل من ذلك الذي رأسه فرانكو أو موسوليني أو بينوشي... ولكن بين أن نردد هذا الكلام وأن نتحدث عن الديمقراطية هناك مسافة شاسعة. هذا حتى إذا نظرنا إلى الجوانب الإيجابية في الدستور وهي موجودة ولا أحد ينكرها. إن هذا النص فيه ما يكفي من الفصول التي تجسد خوفا من الديمقراطية بشكل مرضي بل فيها ما يبدو استفزازا حقيقيا للأعصاب واستخفافا بالعقول. ضحك على الذقون بكل ما لهذه العبارة من معنى. اقرأوا المادة التي تخص "رئيس الحكومة" مثلا. واضعو نص الدستور ذكرونا للمرة الألف بوجوب احترام شخص الملك. الملك، سادتي، "فوق عينا وراسنا" ولكن قد يكون من المجدي أيضا، إذا كنا نريد بناء مغرب مختلف عن ذلك الذي نعرفه، أن يبدأ أصحاب الشأن في احترام المواطنين ودرجة ذكائهم. أستاذ بجامعة روما 3 وصحفي بهيئة التلفزيون الإيطالي --