الأخبار مثل جبال الجليد، لا يظهر إلا جزء صغير منها، فيما ثلاثة أرباعها تكون تحت الماء. عادة ما يبحث الناس عما وراء الأخبار، عن سياقها وأسباب نزولها وتوقيتها، وما تضمر لا ما تظهر.. ما تخفي لا ما تعلن... يقول الخبر: «لم أقف على أي مكان يمكن اعتباره معتقلا سريا في إدارة DST في تمارة»، الكلام للوكيل العام للملك بالرباط، حسن الداكي، القادم حديثا من طنجة التي مكث فيها طويلا قبل أن ينتقل إلى حي الرباط خلفا لمعمر آخر تقاعد مؤخرا اسمه حسن العوفي... الكلام نفسه قاله اليازمي والصبار، نجما المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإن كنت أتمنى أن يبقى المجلس بعيدا عن هذا الموضوع صونا لمصداقية هو في بداية مشوارها الطويل... طبعا السيد الداكي، كما السيدان اليازمي والصبار، قالوا إنهم لم يقفوا على أي زنازين ولا سلاسل ولا أماكن احتجاز أثناء زيارتهم. طبعا لن تجدوا شيئا من هذا أثناء زيارتكم التي أعلن عنها وزير الاتصال قبل موعدها بثلاثة أيام، حتى إن افترضنا -والشك من الفطنة- أن هذه الإدارة كانت تخرج عن اختصاصاتها، وكانت تعتقل المشتبه فيهم لديها، فإنها ستمحو آثار ما لا يدخل في اختصاصها، ليس هذا هو المهم. الآن الذي فهمته شخصيا من عملية «تبييض» صورة جهاز DST أن الدولة تريد أن تقدم هدية لهذا الجهاز على عمله الجبار أثناء التحقيق السريع والنظيف في تفجيرات أركانة، وأن زيارة الوكيل العام للملك وممثلي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والبرلمانيين هدفها -الزيارة- هو تحسين صورة جهاز المخابرات التي تضررت كثيرا في ملف الإرهاب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن طي صفحات الممارسات غير القانونية في عمل الجهاز، ومحاولة تكسير صورة معتقل سري موجود في غابة تمارة، هو الهدف الأول، أما تصريحات الوكيل العام والصبار والبرلمانيين فإنها «خضرة فوق الطعام». لا بأس، لقد طوى المغرب صفحات أكثر سوادا من هذه، وإن كانت قنافذ الخروقات ليس فيها قنفذ أملس... الآن يجب على الحموشي ورجاله ونسائه أن يضعوا دليلا جديدا للعمل وإطارا قانونيا للبحث والتحري، وأن يأخذوا نموذجا لذلك ما صنعوه في تحريات الأركانة، حيث ظهر عادل العثماني، أثناء إعادة تمثيل جريمته أمام عدسات الكاميرات، وكأنه «براد بيت» في كامل صحته أناقته مزهوا بما فعل، وهو يحمل قيثارة «ياماها» للتمويه، حتى إن زميلا صحافيا علق على صور عادل بالقول: «ألم يجدوا إرهابيا يعيد تمثيل الجريمة إلا هذا البوغوس». الآن عند وزارة العدل مشروع قانون جنائي جديد. أدخلوا DST تحت معطف الشرطة القضائية التي تعمل تحت وصاية وتوجيه وكيل الملك، ووفروا لهم ما يكفي من الموارد المالية والبشرية، وأبعدوا الجهاز عن أي نوع من التسييس، وحاسبوا أعضاءه إذا أخطؤوا، والخطأ من صفات البشر، وأجبروا إدارة هذا الجهاز على المثول أمام البرلمان، وعلى تعيين ناطق رسمي باسمها... هذا كل ما في الأمر. إذا فعلتم ذلك فلن يفكر أحد في الحديث كل يوم عن DST ويلوك اسمها، ولن يفكر شباب 20 فبراير في تناول ساندويتشاتهم أمام مقرها...