29 ماي, 2016 - 07:43:00 ربما خان التعبير وطريقة الارتجال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة في المغرب، وهو يستعمل أكثر من 50 مرة عبارات تحيل على مرجعية حزبه الدينية في خطاب استهله بالقول بأنه حزبه فصل بين العملين الديني والسياسي منذ سنوات. حصل ذلك في آخر خطاب مطول لعبد الإله بنكيران ألقاه يوم السبت في الرباط أمام المؤتمر الاستثنائي لحزبه الذي عقد من أجل تمديد ولايته على رأس الأمانة العامة للحزب حتى تجري الانتخابات المقبلة. حزب "مدني سياسي" بنكيران بدأ حديثة بالقول بأن حزبه كان سباقا في الفصل بين المجالين الدعوي والسياسي منذ عدة سنوات، مشيرا إلى أنه أصبح نموذجا يحتدى به في هذا المجال، على حد قوله، وذلك في إحالة غير مباشرة على حركة "النهضة" التونسية التي قررت مؤخرا الفصل بين نشاطها الدعوي والسياسي. وفي خطابه الذي استغرق ساعة وإثنى عشر دقيقة، وصف بنكيران حزبه بأنه حزب "مدني سياسي"، لكنه في نفس الخطاب أحال أكثر من خمسين مرة على تعابير وكلمات ذات حمولة وإحالات دينية تنهل من نفس المرجعية الإسلامية التي تقول أدبيات الحزب بأنه مازال متمسك بها. وفي أكثر من مرة كرر بنكيران على أسماع مؤتمري حزبه قوله بأن ما وصل إليه الحزب وما حققه إنما يعود الفضل فيه أولا إلى "الله" الذي أعطى للحزب أكبر عدد من الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة التي شهدها المغرب، وحقق للحزب "الرفعة" التي أصبح يتبوؤها اليوم، وجعله "محط أنظار العالم".. ولشكر القدرة الإلهية كرر بنكيران في خطابه أكثر من خمس مرات عبارة "الحمد لله". طريق الجنة ورغم أن بنكيران لم يقم، في خطابه، بالإحالة مباشرة على مرجعية حزبه الدينية، إلا أنه استعمل كلمة "مرجعية" أكثر من ثمان مرات، وفي مناسبة واحدة على الأقل قال بأن هذه المرجعية هي "الإسلام"، ومرة أخرى أحال عليها بالقول "شدوا (تمسكوا) في الله"، ومرة أخرى وصف مرجعية حزبه بأنها "أحسن مرجعية"، وأصحابه هم "انعكاس" لهذه المرجعية، لذلك فالناس في كل مكان "يدعون لكم". وطيلة خطابه، ستخونه فلتات لسانه عندما يحدد لحزبه مهمة "الدفاع عن الأمة" و"الدفاع عن الإسلام"، و"الحرص على المرجعية الإسلامية"، والقيام بواجبه "أمام الله". وفي مناسبتين نسي بنكيران قوله بأن حزبه قد فصل فعلا بين الدين والسياسية، عندما سأل أصحابه قائلا: "هل تريدون الجنة أم الحكومة" فرد عليه صوت من الحاضرين قائلا: "نريد الجنة"، وهو الخيار الذي نصح بنكيران أعضاء حزبه التمسك به مرددا كلمة "الجنة" أكثر من ثلاث مرات، ودعوتهم إلى عدم اتباع أهوائهم وإنما إتباع "الشرع"، دون أن يفصح عما يقصده بهذه الكلمة الحمالة لكل التفسيرات والتأويلات. قضاء وقدر وبالنسبة لبنكيران، فكل شئ إنما هو قضاء وقدر من الله، فالعمل في السياسة يجب أن يكون "لوجه الله"، و"ما شاء الله قدره"، و"إذا أراد الله لكم شيئا سيصيبكم"، والله هو الذي "أصلح" لحزبه مدينة مراكش حتى أصبح حزبه يتبوأ عموديتها، كما أن الحزب الذي قال زعيمه بأن كل المؤشرات تدل على أنه هو من سيفوز في الانتخابات المقبلة "إذا أراد الله" و"شاءت قدرة الله"، يمكن أن يخسرها أيضا "إذا قدر الله غير ذلك.."، لأن "المستقبل يعلمه الله" و"المستقبل في يد الله" هكذا يتحدث بنكيران. "البريكولاج الإسلامي" هذه الوصفة التي جاء بها خطاب بنكيران أطلق عليها هو نفسه وصف "السر العجيب"، ومرة أخرى خانه لسانه عندما تحدث عما وصفه ب "البريكولاج الإسلامي"، وهو يدعو أصحابه إلى عدم الاهتمام باللحي والحجاب كمظاهر وإنما الاهتمام بما هو مرجعي، أي بمرجعية حزبه الإسلامية، رغم أنه قال بأنه كان سباقا إلى الفصل بين العملين الدعوي والسياسي، لكنه في خطابه هذا كان أقرب إلى الداعية منه إلى السياسي في أكثر من مناسبة وهو يحمد الله، ويقسم بالله، ويدعو الله، ويبسمل، ويستشهد مرة بالقرآن ومرة بالحديث النبوي.