ليس من عادتي الرد عن كل ما يكتب عن شخصي المتواضع، خاصة إذا تعلق الأمر بالنقد. فمن يمارس هذه المهنة يجب أن يكون صدره رحبا لكل نقد وانتقاد. وقد آليت على نفسي أن لا أرد بالضبط على ما يصدر عن بعض الزملاء في حقي، لأن أخلاق المهنة وأدبياتها تفترض أن يسود نوع من الاحترام المتبادل بين الزملاء الذي يرك مساحة واسعة للاختلاف في الرأي والتحليل والتنوع في مصادر الأخبار وطريقة معالجتها والتعامل معها. لذلك سأستسمح القراء اليوم، للرد على ما جاء قبل يومين في زاوية لعبد الله البقالي، مدير نشر ورئيس تحرير جريدة "العلم"، وتوضيح ما جاء فيها في افتراءات ضدي، وذلك في سياق تعليقه على خبر نشره موقع "لكم" الذي أتشرف بالإشراف على نسخته العربية. ويتعلق الأمر بالزيارة الأخيرة لمبعوث الديكتاتور الليبي إلى المغرب، عندما طلب من سفارة بلاده ترتيب لقاءات له مع سياسيين وإعلاميين لتوضيح وجهة نظر النظام الليبي فيما يجري في ليبيا. وجاء في الخبر أن من بين الإعلاميين اللذين تم الاتصال بهم عبد الله البقالي الذي رفض الدعوة. إلى هنا انتهى الخبر. لكن البقالي في رده لم يقتصر فقط على نفيه لصحة هذا الخبر، وإنما استغل الفرصة للنهش في سمعتي وكرامتي. وبالمناسبة فليست هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها على مثل هذا الفعل الذي يتناقض مع أخلاقيات المهنة التي يدافع عنها داخل نقابته. فقد سبق له عام 2000 أن كرر نفس الكلام الذي كتبه عني، عندما انتقدت جريدة "الشرق الأوسط" في تغطيتها لأحد برامج "في الواجهة" الذي كانت تبثه "القناة الثانية"، وكان ضيف تلك الحلقة هو وزير الداخلية السابق أحمد الميداوي، وكان من بين ضيوف الحلقة عبد الله البقالي، تصرف البقالي في آخر لحظة من البرنامج المباشر، عندما رفع رزمة من الملفات الخاصة وقدمها للوزير طالبا منه البث فيها، مستغلا بذلك سلطته كصحفي وظروف البث المباشر. وهو أمر يتناقض مع كل أدبيات الحوار والنقاش في الشأن العام وفي تلفزة عمومية موجهة إلى شرائح واسعة من الرأي العام. وقد اتصلت حينها برئيسه الأستاذ عبد الجبار السحيمي، (شافاه الله) لأستنكر ما كتبه البقالي، فأبدى تضامنه معي وطلب مني أن لا أرد على ما كتب على اعتبار أن الأمر مجرد ردة فعل غاضبة. ونسيت الأمر إلى أن كتبت في "الجريدة الأولى" أن تعيين عباس الفاسي على رأس الوزارة الأولى ما هو سوى "عقاب ملكي جماعي" للمغاربة اللذين قاطعوا انتخابات 2007. فرد البقالي بنفس العبارات الدنيئة للنهش من كرامتي ومصداقيتي. ومرة أخرى التزمت الصمت على اعتبار أن الرجل لم يكن يفعل سوى تبرير راتبه الشهري، واستمر نقدي للوزير الأول وحكومته وما زال إلى الآن. وعندما سقط النظام التونسي كتب موقع "لكم" تقريرا يتحدث عن أيتام بنعلي في المغرب، وكان من بين الأسماء التي وردت في التقرير، اسم عبد الله البقالي، الذي كان من بين المراقبين اللذين حظروا آخر انتخابات رآسية شهدتها تونس لتزكية التمديد لبنعلي، فغضب الرجل مرة أخرى، وأخرج نفس العبارات الدنيئة وبنفس الأسلوب الركيك الذي ظل يكتب به. ومرة أخرى اخترت الصمت وهذه المرة إشفاقا على الرجل الذي لم يجد ما يدافع به عن نفسه سوى السب والقذف. وعندما علمت بالصدفة عن طريق أحد الزملاء أن البقالي وقع نسخة جديدة من سلسلة "مقالاته" عن شخصي المتواضع، اخترت أن أرد عليه لأول مرة وهذه هي بداية ردي، ومتى عاد سأعود. يبدأ البقالي "مقاله" بالقول بأنه التقى بي بأحد مقاهي الرباط رفقة إلياس العماري، وكأن في الجلوس مع العماري شبهة، بينما صداقتي به تعود إلى بداية التسعينات عندما كان العماري يعيش مخفيا كمناضل يساري سري محكوم بالسجن الغيابي، يتنقل بين مسكنه بدوار "رجافالله" ومقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بحي المحيط، ويهرب ليلا وتحت جنح الظلام الطعام والشراب لأول فوج من أفواج الدكاترة المعطلين المعتصمين داخل مقر الإتحاد المغربي للشغل، ويتسلل خلسة إلى فندق الجزائر بالمدينة القديمة في الرباط، للجلوس مع المناضلين الصحراويين الخارجين لتوهم من غياهب سجون الحسن الثاني. وعندما أصبح العماري مالئ الدنيا وشاغل الناس، فارقت بيننا المواقف والأفكار والأيام... وأتحدى البقالي كما يدعى هو وصاحب الجريدة الصفراء التي سرب لها هذه "النميمة" "الخطيرة"، أن يجدوا في كل ماكتبت منذ "الجريدة الأخرى" حتى "الجريدة الأولى"، مقالا واحدا موقعا باسمي أو بدون توقيع فيه دفاع أو تلميع أو مجرد إيحاء للوقوف إلى جانب اختيارات العماري السياسية التي أختلف معه في تقييمها للأشياء، ولم اتفق معه في الكثير المواقف التي اتخذها، لكني ما زلت ألتقي معه في الوفاء للصداقة. ثانيا، يقول البقالي، بأن الشعب المغرب يأمل في أن اخبره عن مصادر تمويلي، والجيوب التي مولت "الجريدة الأولى"، وتلك التي تمول موقع "لكم". ولم أكن أعرف فعلا أن البقالي جس نبض ثلاثين مليون مغربي، وعرف أن أملهم الوحيد هو معرفة مصادر تمويلي ! وحتى يطمئن البقالي، وصاحب إحدى الجرائد الصفراء الذي ما فتئ يثير هذا الموضوع وكأن به شبهة كبيرة أحاول أن أخفيها عن الناس، (وستأتي المناسبة للرد على صاحب هذه الجريدة)، أقول له بأن مصادر تمويلي واضحة ومبينة في الحسابات العامة السنوية التي كانت تقدمها الشركتين اللتين أسستهما سابقا لإصدار "الجريدة الأخرى" و"الجريدة الأولى"، لإدارة الضرائب. وفي حالة الشركة الأولى كان عدد المساهمين فيها 5 أفراد ولم يتجاوز رأسمال الشركة 80 مليون سنتيم، وعندما اضطررنا تحت ضغط الحاجة إلى السيولة من أجل استمرار التجربة التي عاشت سنتين بدون إعلانات، وبتطوع مني ومن الزميل توفيق بوعشرين، إلى فتح رأسمال الشركة لأحمد بنشمسي، ابتلع الشركة ورأسمالها وأعلن إفلاسها قبل ذهابه إلى أمريكا. أما الشركة المصدرة ل"الجريدة الأولى" فكان عدد المساهمين فيها 20 شخصا، اقتسموا رأسمالها البالغ 200 مليون سنتيم بالتساوي، أي بمعدل 10 ملايين سنتيم للشخص. وخلال سنتين من الصدور وبسبب الاختناق الذي عاشته الجريدة في موارد الإشهار، خاصة بعد المحاكمة المتعلقة بالخبر حول صحة الملك، أجبرت الجريدة على التوقف عن الصدور، مع أن مبيعاتها كانت أكثر مما تبيعه جريدة مثل "العلم" اليوم، والتي يدرك البقالي أن استمرار صدورها مرتبط بموارد أخرى غير موارد مبيعاتها التي في أغلبها عبارة عن اشتراكات حزبية تنتهي منسية في دكاكين الحزب التي لا تنشط إلى في مواسم الانتخابات. أما عندما يرد البقالي بأن المقال الذي نشر في جريدة "العلم"، التي يديرها ويرأس تحريرها، وكان كله دفاع وتملق للديكتاتور الليبي، وذلك في عز محاكمة ثلاث صحف مغربية من قبل هذا الدكتاتور، فإن رده مردود عليه، لأنه من الجبن أن يتنكر رئيس تحرير ومسؤول النشر عما ينشر في جريدته، ويقول لنا بأنه "لاعلاقة له به نهائيا" ! فهل هذه هي "المسؤولية" التي كان البقالي يدافع عنها عندما طلب منه التهجم على الصحافة المستقلة، فكان يقول بأن "الحرية يجب أن تكون مرادفة للمسؤولية"؟ ! لتبرير وصاية السلطة على هامش الحرية باسم "المسؤولية" ! وعلى أي فهذا النقاش، بعد سقوط الأصنام في تونس ومصر والبقية آتية لا ريب فها، أصبح متجاوزا وعفا عنه الزمن. لكن بالمناسبة أريد فقط أن أسأل البقالي إذا لم يكن موافقا على نشر ذلك المقال الذي يمتدح مجنون ليبيا في صدر الصفحة الأولى لجريدته، فلماذا قبل بنشر إعلان في نصف صفحة كاملة ولعدة أيام للقنصلية الليبية في الدارالبيضاء، ومباشرة بعد نشر مقال المديح في الصفحة الأول؟ وهو بالمناسبة إعلان عن بحث القنصلية لمقر جديد لمكاتبها، وقد اتضح الآن أن ذلك الإعلان كان كاذبا لتبرير الدفع للجريدة التي وقفت إلى جانب العقيد الليبي ضد الصحف المغربية، والدليل أن مكاتب قنصلية ليبيا بالدارالبيضاء لم تغير مقراتها القديمة حتى يومنا هذا ! وككل مرة تعود البقالي أن يعيرني بأني اشتغلت مراسلا ثم مديرا لجريدة "الشرق الأوسط"، ولإذاعة "سوا"، وأتحداه أن يجد في كل ما كتبته في "الشرق الأوسط" وفي كل ما أذعته على أمواج "سوا"، دعاية للنظام السعودي أو دفاعا عن الإدارة الأمريكية، فالأخبار التي كنت أنقلها في الوسيلتين معا أخبار مغربية محضة، بما فيها أخبار حزب البقالي، الذي لم يتساءل يوما لماذا كان زعماء حزبه في عهد محمد بوستة ومحمد الدويري، وحتى عباس الفاسي وامحمد الخليفة ومحمد المساري... يخصون هذه "الجريدة البترودولارية" بحوارات مطولة وحصرية، قبل جريدة "العلم" التي كانت تعيد نشرها ممهورة بشعار جريدة تنتمي إلى صحافة البترودولار؟ ! دون أن أنسى أن البقالي نفسه ظلا مراسلا لجريدة رسمية هي جريدة "الأهرام" المصرية، في عهد مديرها إبراهيم نافع الذي حولها إلى بوق للدعاية لنظام حسني مبارك إلى أن أطيح به مؤخرا ! أما قول البقالي بأنه يتحداني بأن أكتب "حرفا واحدا عن حزب "البام" وشخصيات "البام" النافذة"، فما كتب في "الجريدة الأخرى" عن فؤاد عالي الهمة عندما كان شخصية نافذة في وزارة الداخلية، وما كتب في "الجريدة الأولى"، عن حزبه من نقد وانتقاد فيه الكثير من الرد على ترهات البقالي. فقبل أن يرضع البقالي لبن السباع ويتخصص في سب وقذف عبد الحكيم بنشماس، كان عليه أن يتساءل مرة أخرى مع نفسه لماذا صوت أعضاء من حزبه الذي من المفترض أنه يقود أغلبية الحكومة لصالح رئيس حزب "البام" على رآسة مجلس المستشارين؟ ولماذا سكت زعيمه عباس الفاسي على وجود وزير داخل حكومته، من هذا الحزب ومن بين شخصياته النافذة، هو أحمد اخشيشن، الذي يعارض حكومته صباح مساء؟ لكن البقالي الذي جاء إلى الصحافة من السفارة، عندما كان طالبا في قسم الصحافة في تونس التي لا توجد فيها أصلا صحافة، في فترة وجود عباس الفاسي على رأس السفارة المغربية بتونس، لا يمكنه إلا أن يكون وفيا لولي نعمته، حتى ولو كان هذا الولي صاحب أكبر فضيحة في تاريخ المغرب المعاصر، ألا وهي فضيحة "النجاة" التي شردت 30 ألف أسرة مغربية وانتحر 6 من ضحاياها، ما زال دمهم معلقا في رقبة عباس الفاسي المنفلت من كل حساب كمادح نعمه المدفوعة من المال العام...