* 11 أبريل, 2016 - 08:36:00 تمنح تسريبات وثائق بنما لأول مرة فهما واضحا لكيفية انخراط النخب العالمية في آليات مالية مشبوهة وذلك لتجنب دفع الضرائب، وبالتالي المساهمة في تمويل نظام الرعاية الاجتماعية الوطنية وجهود التنمية. والأهم من ذلك، أن المبالغ الطائلة المذكورة تُلقي بالشك على الطريقة التي تمت بها مراكمة تلك الأموال في المقام الأول، وكذلك على مدى استقامة 140 من كبار المسؤولين -وكثيرون منهم رؤساء دول- ينتمون الى 50 بلد. إن ما يكمن اعتباره "أكبر تسريب في تاريخ الصحافة" على حد تعبير إدوارد سنودن، يؤكد نفاق العديد من الحكام الذين فتحوا بلا خجل كيانات عابرة للحدود لحماية أرصدتهم الشخصية في حين تفرض أعباء ضريبية على شعوبهم. ابتداء من ديفيد كامرون – الذي تمكن أبوه خلال 30 عاما من إدارة شركة ضخمة بينما كان يقود المعركة ضد خطة الانقاد اليونانية في بروكسل إلى أفراد أسر لسبعة رؤساء دول إفريقية. ومن موريسيو ماكري – الذي انتخب رئيسا للأرجنتين قبل ثلاثة أشهر على منصة سياسية لمكافحة الفساد إلى حكام بعض أشد الأنظمة استبدادا في الشرق الأوسط وآسيا. كل هؤلاء أثبتوا نفس السخرية الصارخة حين يعفون أنفسهم من الأحكام الضريبية التي يفرضونها على رعاياهم أو ناخبيهم. دعاية غير عادلة؟ معظم هؤلاء سينكرون أي تورط ويدعون بدلا من ذلك أنهم ضحايا لحملة ظالمة من قوى أجنبية تريد زعزعة استقرار بلدانهم. ومع ذلك، فإنه سيكون من الصعب على فلاديمير بوتن أن يشرح كيف تربع أقرب أصدقائه، وهو موسيقي، وسط مشروع عابر للحدود يقدر بالملايير من الدولارات. وعلى نحو مماثل، سيكون من الصعب على السلطات الصينية أن توضح سبب ظهور أسماء لأفراد أسر ثمانية أعضاء على الأقل حالين كانوا أم سابقين في اللجنة الدائمة بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي بما في ذلك دونغ جيا Deng Jiagui، صهر الرئيس شي جين بينغ في تسريبات بنما. وحتى لو سعت أجهزة الدولة مباشرة إلي احتواء انتشار المعلومات في كلا البلدين فإن ضخامة الفضيحة ستجبرهم في نهاية المطاف على تقديم تفسيرات بخصوص هذا الشأن. إن حجة المؤامرة الخارجية من الصعب الدفاع عنها. أولا لأن قضية وثائق بنما ورطت وفضحت خصوما سياسيين. فإذا قُدم فلاديمير بوتن على أنه تستر عن ثروته، فكذلك هو الحال بالنسبة للرئيس الأكراني بيترو بوروتينكو أحد معارضي بوتن الأكثر صخبا. التسريب أيضا كشف تورط بشار الأسد عبر ابن عمه رامي مخلوف وفي نفس الوقت تورط حكام العديد من الدول التى تعهدت بإطاحته من منصبه. الأهم من هذا، أن تحليل البيانات قد تم إجرائه في وقت واحد من طرف 108 وكالات أنباء من 76 بلدا، ومن طرف جميع أعضاء الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين الذي كان، بالأساس، معروفا لحد الآن بعمله المناهض والنابذ لمجموعات الضغط الأمريكية. النتيجة الأساسية لتسريبات وثائق بنما هي التأكيد على أنه بغض النظر عن المصالح الجيوسياسية، والهوية أو الانتماء السياسي ، فإن عالمنا مجتاح بفساد نخبنا السياسية والاقتصادية الذين يطالبون بانتظام شعوبهم بشد أحزمتهم في حين أنهم يستغلون شركاتهم الخارجية لتكريس نمط عيش مترف. وسط هذا السيناريو، يبقي كاشفوا الفساد والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين القوة المناوئة الوحيدة والبارزة في تسليط الضوء على عبث الفاعلين المتحكمين داخل المجتمع. في مجتمع عالمي لا يزال تحت سيطرة نظام الدولة القومية الفاسد حيث يتمكن الحكام من إدامة مشروعية المخططات المالية الخارجية، وإن كانت أخلاقيا مثيرة للجدل، لا يمكن للمقاومة إلا أن تكون حركة شعبية تتخطى الحدود الوطنية ومكونة من مواطنين متمكنين. سلوك فاسد المستقبل السياسي لكبار المسؤولين ورؤساء الدول ممن كشفت وثائق بنما عن سلوكهم الفاسد سيختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر. فمن المحتمل، إذن، أن يستخدم بوتن هذه الإدانات لمصلحته في طريقه إلى الانتخابات السياسية القادمة نهاية هذا العام. وتحكمه أيضا في وسائل الإعلام المحلية كبير لدرجة أنه سيصور نفسه ككبش فداء متمرد وبذلك فإن إعادة انتخابه لا تزال مرجحة رغم الركود الاقتصادي المتزايد. من ناحية أخري، فإن ردود الفعل في الديمقراطيات الأكثر ليبرالية قد تُعرض المستقبل السياسي لكبار المسؤولين المتورطين في التهرب الضريبي في بنما للخطر. مئات من المتظاهرين في أيسلندا احتشدوا بالعاصمة ريكيافيك Reykjavik مطالبين باستقالة رئيس الوزراء سيغموندور دافيد غونلاوغسون Sigmundur David Gunnlaugsson . ولحد الان رفض ديفيد كامرون التعليق على تورط والده في هذه المخططات العابرة للحدود، لكنه سيضطر إلى مواجهة وابل من الانتقادات داخل البرلمان ومن وسائل الإعلام مع تأثير مؤكد على نهاية فترة ولايته. خلال الأسابيع القليلة القادمة، ستمنحنا وثائق بنما دراسة استقصائية بخصوص مدى سلامة المؤسسات المحلية في بلدان النخب التي تم فضحها، انطلاقا من الأنظمة الاستبدادية حيث سيكون من الصعب مناقشة هكذا أخبار، إلى الديمقراطيات المتذبذبة حيث ستتم مسائلة رؤساء الدول الذين من المحتمل أن يتنحوا في نهاية المطاف. * ترجمة: سهيل علواش * المصدر: موقع الجزيرة انترناشيونال * ريمي بيت أستاذ مساعد في السياسة العامة والدبلوماسية والاقتصاد السياسي الدولي في جامعة قطر.