08 أبريل, 2016 - 07:06:00 لقد كان الأسبوع تاريخيا بالنسبة لعالم الصحافة. إن نشر وثائق بنما هذا الأسبوع قد أثبت ليس فقط قيمة التحقيقات المسؤولة في محاسبة الأغنياء وذوا النفوذ بل أيضا أن الصحافة الملتزمة تبقى دائما حجر الزاوية للديمقراطية في الداخل والخارج على حد سواء. في كشف غير مسبوق من وسائل الإعلام، وحّدت العديد من وكالات الأنباء العالمية الرائدة صفوفها لكشف قضية تفضح سرية ونفاق شخصيات عامة عبر جميع أنحاء العالم. لقد أُجبر كل من رئيس وزراء أيسلندا ورئيس فرع التشيلي لمنظمة الشفافية الدولية Transparency International على الاستقالة. وتم تسليط الأضواء على العديد من رجال السياسية الذين سعوا إلى إخفاء ثرواتهم وعلى العديد من الأساليب التي تم بها إبطال العقوبات بخصوص سوريا وغيرها من البلدان. أيضا وفي نفس الملف شخصيات عامة من عالم الرياضة والفن ومختلف أطياف الحياة العامة، جميعهم مُجبرون على الإجابة عن أسئلة الصحفيين المشروعة حول الطرق التى تم بها تهريب ثرواتهم سرا إلى الخارج بعيدا عن متناول السلطات الضريبية وخفية من أنظار الرأي العام. ويبدو أن وسائل الإعلام وكاشفي الفساد قد استفادوا من تجربة ويكيليكس والتسريبات الضخمة السابقة للمعلومات وأقروا بأن مجرد إطلاق هذه الوثائق دون تحرير دقيق مسبق واستقصائي للمعلومات الواردة لن يقدم الكثير للمصلحة العامة. هذا الكم الضخم من البيانات على شبكة الإنترنت لا يفيد كثيرا الجمهور بشكل عام ما لم يتم تحليلها وعرضها بشكل مجزأ وفي سياق يمكن للناس فهمه. وكان على الصحفيين أيضا أن يفكروا بشكل أخلاقي ومهني حول نشر بعض المعلومات، حيت أن وسائل الإعلام تريثت لضمان عدم تعريض خصوصيات الأشخاص الذين ليسوا في الحياة العامة للخطر. إن نشر المعلومات دون النظر إلى تأثيرها على المتضررين منها يحتمل أن يكون تهورا. لهذا السبب شرع الصحفيون والمحررون داخل الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في عملية إعداد تقارير دقيقة وحساسة ومضنية. لقد قاموا بإنتاج صحافة تساعد الناس على فهم الكم الهائل من التفاصيل التي وردت في هذه الوثائق؛ في تباين تمام لقرارها في 2014 بجعل قاعدة بيانات كاملة متاحة على الإنترنت لمعلومات مسربة عن التهرب الضريبي. قبل عامين قام الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين بجعل تلك القاعدة من البيانات للمعلومات المسربة حول التهرب الضريبي متاحة للبحث على الإنترنت سميت ب "أوف شور ليكس Offshore leaks[1] " . في قاعدة البيانات هذه أوضح الاتحاد أنه لم يضف أية معلومات أو افتراضات حول الأفراد والشركات المدرجة وأنه حجب "قدرا كبيرا من المعلومات الشخصية كعنوان البريد الالكتروني وأرقام الهاتف والحسابات المصرفية." قبل الوصول إلى قاعدة البيانات، القراء مطالبون بالإقرار بعدم مسؤولية الموقع قبل تصفحه. "هناك استخدامات مشروعة للتجمعات المالية الكبيرة ([2] Trusts) وللشراكات العابرة للحدود. نحن لا ننوى أن نوعز أو نشير إلى أن الأشخاص أو الشركات أو الكيانات الأخرى المدرجة في قاعدة البيانات للتسريبات الخاصة بالشركات العابرة للحدود بالاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين قد خرقوا القانون أو تصرفوا بشكل غير صحيح." وأوضح الإتحاد كيف قام الصحفيون بجمع قاعدة البيانات والخيارات التي اعتمدوها حول ما يُشمل وما يُنقح في هذا الفيديو:
بعض النشطاء مثل كريستن هرافنسون Kristinn Hrafnsson في موقع ويكيليكس يطالبون الآن بنشر كل وثائق بنما المسربة. لكن الإتحاد الدولي للصحفيين الإستقصائيين قال بأن الطريقة المسؤولة لنشر المعلومات هو بجعل البيانات متوفرة بالتدريج، بدلا من جعلها متاحة بأكملها على شبكة الإنترنت. وأوضح مدير الاتحاد جيرارد رايل Gerard Ryle لموقع وايرد Wired أن مؤسسات وسائل الإعلام المشاركين في التحقيق ليس بنيتهم إطلاق المجموعة الكاملة للبيانات لأنها لن تكشف فقط عن معلومات بخصوص الشخصيات العامة ولكن أيضا ستكشف معلومات حساسة عن أفراد بعينهم. في تصريحه لموقع وايرد قال مدير الإتحاد "نحن لسنا ويكيليكس. نحن نحاول أن نبين أن مهنة الصحافة يمكن أن تتم بطريقة مسؤولة." إن الإتحاد، يقول رايل، ينصح جميع المشاركين في تحقيق وتحليل البيانات بأن "افزعوا، ولكن قولوا لنا ما يصب في المصلحة العاملة لبلدكم". لومند Le Monde، واحدة من مؤسسات وسائل الإعلام المشاركة في التحقيق، تقول بأن مجموعة فرعية واحدة من البيانات التي تحتوي على قائمة من الشركات العابرة للحدود سيتم نشرها هذا الصيف. في هذه المادة ذهبت لوموند إلى إعطاء أربعة أسباب لماذا لن يتم وضع البيانات في متناول الجمهور: - كثير من أصحاب الشركات المدرجة أسمائهم في التسريبات هو مواطنون من بنما حصلوا على مبالغ مالية ضئيلة مقابل دورهم في شركات عابرة للحدود وليسوا هم المستفيدون الحقيقيون من النظام المالي. - المجموعة الكاملة للبيانات تضم الكثير من البيانات الشخصية، وأحيانا تكشف عن قضايا صحية مثل السرطان. - الصحفيون الذين يقودون التحقيق يحتاجون وقتا للتأكد من الإيجابيات الكاذبة المحتملة potential false positives وتحديد الاشتراكات اللفظية. - نظرا إلى أن الشركات العابرة للحدود ليست غير شرعية في حد ذاتها، أرادت مؤسسات وسائل الإعلام أن تعطي الفرصة للشخصيات الواردة للرد على الاتهامات الموجهة لهم. وفي الوقت ذاته، فان الصحافة تتحدى عددا من الناس الأكثر نفوذا في العالم. ففي بريطانيا، رئيس الوزراء دافيد كامرون الذي قاد جهودا سياسية للحد من تأثير الملاذات الضريبية قد أُحرِج بالكشف عن دور أبيه الأخير في استخدام ترتيبات خارج البلد لإدارة ثروة أسرته. التسريبات أيضا اختبرت قوى الرقابة للحزب الشيوعي الصيني الذي اهتز بمعلومات وثائق بنما حيث أوردت أن ثمانية من أفراد النخبة السياسية في بكين لديها أفراد من الأسرة استخدموا شركات عابرة للحدود. ومن بين الشخصيات البارزة المستفيدة من ترتيبات خارج البلد نجد صهر الرئيس شي جين بينغ Xi Jinping وصهر تشانغ غولي Zhang Gaoli أحد أعضاء الهيئة السياسية العليا في الصين، البوليتبيرو[3] The Politburo. وردا على هذه التقارير، كان رد الرقابة الصينية عنيفا وذلك بمنع الوصول إلى المعلومات التي تتكشف عن قادتها السياسيين وعائلاتهم. أعطيت الأوامر لمجموعات الأنباء الصينية لتطهير كل ذكر لوثائق بنما من مواقعها وحذرت من عقوبات قاسية إذا نشرت أي مادة "مهاجمة للصين". كانت الرقابة أيضا تقوم بحذف المنشورات من وسائل التواصل الاجتماعية مثل سينا ويبو Sina Weibo و وي تشات Wechat. خلال الأيام والأسابيع القادمة سيكشف المزيد ليس فقط عن الشخصيات العامة في الصين بل مئات من الناس الأغنياء وذوا النفوذ عبر العالم، كثير منهم شخصيات عامة تمكنت من الإفلات من رقابة الرأي العام المشروعة لشؤونهم الشخصية والمؤسساتية والمالية، سوف تتم محاسبتهم. وسيحدث هذا ليس فقط بفضل أعمال كاشفي الفساد الشجعان، الذين قدموا للجمهور إمكانية الوصول إلى وثائق تفضح السرية والفساد المالي المحتمل، بل أيضا بفصل التقارير الأخلاقية والدقيقة المضنية التي تستخرج الحقائق المفيدة وذات الصلة للإخبار عن قضايا مقنعة وذات مصداقية. المصدر: إتيك جونليزم نيتورك ترجمة: سهيل علواش 1- بمعنى تسريبات تخص شركات ومصارف عابرة للحدود وتكون غالبا في بلدان غير بلد المُودع حيث الضرائب منخفضة أو مؤسسات مالية لا تخضع للرقابة الدولية. 2- التروست : هو عبارة عن تكتل يجمع بين عدة مؤسسات، بحيث تفقد كل واحدة منها علي أثر ذلك إستقلاليتها المالية وشخصيتها القانونية، و قد ينشأ التروست نتيجة إندماج بين مؤسستين، أو شراء مؤسسة لأخري، وهو عبارة عن إتفاق قانوني تجمع فيه الأسهم. 3- الهيئة التنفيذية لمجموعة من الأحزاب السياسية (غالبا شيوعية)