أثمر التعاون بين المغرب والصندوق الفرنسي للبيئة العالمية عن تمويل ثلاثة مشاريع بيئية كبرى خلال الفترة بين عامي 2004 و2022، بمساهمة مالية مباشرة من الصندوق قدرها 5.58 ملايين أورو، أي ما يعادل حوالي 61.38 مليون درهم مغربي، ضمن ميزانية إجمالية لهذه المشاريع بلغت حوالي 184.17 مليون أورو، أي ما يفوق 2.02 مليار درهم. وتمحورت هذه المشاريع حول قضايا استراتيجية تتعلق بالتحول الطاقي في البنيات التقليدية، والحفاظ على التنوع البيولوجي في الأطلس المتوسط، ومعالجة التدهور البيئي في إحدى أهم البحيرات المتوسطية بالمغرب. وفق ما ورد في وثيقة رسمية صادرة عن الوكالة الفرنسية للتنمية تحت عنوان "مشاريع بارزة في المغرب"، فإن مشروع "الحمامات المستدامة" من بين أبرز المبادرات التي عكست قدرة الصندوق الفرنسي على دمج الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية. فقد تم، بدعم مالي بلغ مليون أورو من الصندوق الفرنسي، ضمن تمويل إجمالي قدره 2.67 مليون أورو، تنفيذ برنامج إعادة تأهيل وتحسين الأداء الطاقي لما يقرب من خمسين حماما تقليديا موزعة على مختلف مناطق المملكة. وقد أدى هذا البرنامج إلى تقليص كبير في استهلاك الخشب والماء، وهما موردان حيويان يواجهان ضغطا متزايدا نتيجة التغيرات المناخية والنمو الحضري، كما أسهم في الحد من الانبعاثات السامة والغازات المسببة للاحتباس الحراري. ووفقا للوثيقة، فقد تم تجديد عشرة حمامات بالكامل، مما ساعد على ضمان استمرارية هذه المؤسسات ذات الطابع التراثي والاجتماعي، عبر تقديم خدمات مستدامة للسكان، خاصة في الأحياء الشعبية التي يعتمد فيها السكان على الحمامات التقليدية بشكل يومي.
أما في منطقة إفران، التي تمثل أحد الأقاليم البيئية المتميزة بالمملكة، فقد ساهم الصندوق الفرنسي للبيئة العالمية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للمياه والغابات، في إحداث المنتزه الوطني لإفران وتطوير آليات حمايته وإدارته. وبلغت مساهمة الصندوق 4.08 ملايين أورو ضمن برنامجين بلغت تكلفتهما الإجمالية 123 مليون أورو. ويضم هذا المنتزه حوالي 22 بالمائة من النباتات المغربية، مما يجعله من أغنى المناطق من حيث التنوع النباتي. وقد مكنت تدخلات الصندوق الفرنسي من إنشاء مناطق عازلة لحماية الغطاء الغابوي من التوسع العمراني والرعي الجائر، كما شجعت على تدبير تشاركي ومستدام للموارد الطبيعية. وساهم المشروع أيضا في تعزيز السياحة البيئية عبر تثمين مواقع طبيعية فريدة، مثل غابات الأرز وأماكن تواجد قرد الماغو النادر، ما وفر فرص دخل جديدة للسكان المحليين الذين تعتمد سبل عيشهم على الثروات الغابوية. وبحسب الوثيقة، فإن هذا المشروع، الذي انطلق منذ مطلع الألفية، ساعد على تصنيف منطقة إفران كمنتزه وطني منذ سنة 2004. وفي السياق ذاته، استهدف مشروع ثالث حماية بحيرة مارتشيكا الواقعة على الواجهة المتوسطية لمدينة الناظور، والتي تُعد إحدى أهم البحيرات من حيث المساحة والتنوع البيولوجي في المنطقة. وخصّص الصندوق مبلغ نصف مليون أورو ضمن برنامج بيئي شامل بكلفة إجمالية بلغت 58.5 مليون أورو، نُفذ بشراكة مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة. وقد مكنت هذه المبادرة من إنشاء مرصد بيئي خاص ببحيرة مارتشيكا، يضطلع بمهام مراقبة ومتابعة مؤشرات التنوع البيولوجي وجودة المياه ومستوى التلوث، إلى جانب تحليل الأثر الاقتصادي-الاجتماعي للأنشطة البحرية والبرية في المنطقة. ووفقأوروا للوثيقة ذاتها، ساعد هذا المشروع على تنفيذ خطة متكاملة لتطهير البحيرة من الملوثات وتحسين معالجة المياه العادمة والنفايات الصلبة، مما مهد الطريق أمام تحسين ظروف عيش السكان وتعزيز جاذبية المنطقة للسياحة البيئية. ويُذكر أن الصندوق الفرنسي للبيئة العالمية، الذي أُنشئ سنة 1994، بدأ أنشطته في المغرب منذ عام 1997، ومنذ ذلك الحين ساهم في تمويل أكثر من 25 مشروعأوروا في مختلف جهات المملكة، تشمل مجالات تغيّر المناخ، وحماية التنوع البيولوجي، ومكافحة تدهور الأراضي، والحفاظ على المياه الدولية. ويتميز هذا الصندوق بنهجه التشاركي، حيث يعمل بشراكة مع هيئات الدولة، والمؤسسات العمومية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، ما يجعل تدخله ذا طابع شمولي ومندمج.