مع الاحتفال باليوم العالمي للتنوع البيولوجي، الذي يتزامن مع 22 ماي من كل سنة، يدق خبراء في البيئة والتنوع البيولوجي بالمغرب ناقوس الخطر، بشأن التدهور البيولوجي، ويدعون العاملين والمتدخلين في هذا المجال لإنقاذ التنوع من الأخطار، وذلك لأهميته في دعم الأمن الغذائي والصحي وحماية النظم الأيكولوجية. ورغم أن المغرب صادق ووقع على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحماية الموارد الطبيعية، إلا أنه يتعرض لتدهور مقلق جدا بسبب الأنشطة البشرية المتمثلة في الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية والرعي الجائر، والتوسع العمراني العشوائي، والتلوث الصناعي، وتغير نمط الإنتاج والاستهلاك والتمدن، إلى جانب تحديات التغير المناخي. توسطت كوثر بلحسن، في علم البيئة والمياه العذبة، المجرى المائي رأس الماء بالمنتزه الوطني بمدينة إفران (الأطلس المتوسط)، بعد أن لبست حذاء بلاستيكيا ووضعت قفازين وحملت إناء بلاستيكيا وعددا من الآليات التي تساعد في عملية التنقيب عن الأحياء في المياه العذبة. أرادت تشخيص الأحياء المائية في المياه العذبة في المجال الحيوي الأرزية بالمنتزهات الوطنية. كان الجو صحوا ومشمسا، حين قرر عدد من الأساتذة والطلبة الباحثين رفقة كوثر تنظيم زيارة إلى المجرى المائي رأس الماء بالمنتزه الوطني إفران، من أجل الوقوف عن قرب على عملية تشخيص وأخذ عينات من الأحياء المائية من هذا المجرى المائي. وتزعمت أنذاك أميمة حمي، الأستاذة الباحثة بالمعهد العلمي بجامعة محمد الخامس في الرباط، الفريق العلمي، ولم تتوان في شرح وتفسير كل شيء يهم مشروع التنوع البيولوجي في المياه العذبة. وقالت حمي ل "الصحراء المغربية"، إن الهدف من هذه الزيارة العلمية الميدانية هو معرفة كيف يمكن التعرف على التنوع البيولوجي في المياه العذبة، وأخذ عينات من أجل الاشتغال عليها. وأضافت حمي أن التنوع البيولوجي مهم في السلسلة الغذائية التي تتغذى منها الحيوانات والأنواع التي تعيش في المياه العذبة في منطقة الأطلس المتوسط بما فيها الأسماك والثدييات. وأوضحت الأستاذة الباحثة أن الهدف من هذه الزيارة، أيضا، هو الوقوف على ما أنجز طيلة ستة أشهر من إنجاز الدراسة العلمية، التي تأتي في إطار تقييم مشروع التنوع البيولوجي في المياه العذب، بالأطلس المتوسط. ويضاف إلى كل ذلك حسب قولها، إيجاد هذه الأنواع من الأحياء، وبهدف إقناع الجميع بضرورة الحفاظ على المناطق الرطبة والمياه العذبة في المناطق الجبلية. أما كوثر فاستطردت قائلة، "نحن نعمل من خلال هذا المشروع على تشخيص الثروة المائية في المياه العذبة في المجال الحيوي الأرزية في إطار برنامج الجمعية المغربية للسياحة البيئية وحماية الطبيعة". وأضافت الباحثة نفسها أنه بالنسبة للتشخيص الحيوي للمياه العذبة اشتغلنا من خلال 16 محطة في المنتزه الوطني إفران، و 17 محطة في المنتزه الوطني خنيفرة، وبالفعل من خلال هذا التشخيص حصلنا على نتائج ملموسة في أربعة أنواع جديدة بالنسبة للمغرب واثنين في الأحياء الجديدة بالأطلس المتوسط. وتابعت المتحدثة "نحن في طور تشخيص عينات موجودة في المنتزهات الوطنية وقريبا سنحصل على نتائج مبشرة، كما أتمنى من الجميع المحافظة على الثروة البيئية المكونة من الأحياء المائية المهمة، التي لا يجب الإفراط فيها". وبخصوص الحفاظ على التنوع البيولوجي، بما فيه الأحياء المائية بواد رأس الماء يوجد في محطة تربية أسماك السلمونيات وهي المحطة الوحيدة على الصعيد الإفريقي، باعتبارها تلعب دورا مهما على الأصعدة المذكورة. وتأتي هذه الزيارة على هامش الورشة العلمية المنظمة من طرف الجمعية المغربية للسياحة البيئية على مدى يومين، بحضور أساتذة وطلبة باحثين في مجال العلوم بصفة عامة والتنوع البيولوجي بصفة خاصة، وجمعويين ومهتمين بالشأن الإيكولوجي. يشار إلى أن المشروع العلمي حول التنوع البيولوجي في المياه العذبة هو بدعم من طرف عدد من الشركاء، في مقدمتهم المعهد العلمي بالرباط، وقطاع المياه والغابات، وجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، والصندوق العالمي لتدبير المنظومات الطبيعية الهشة. وحسب هؤلاء الأساتذة، فإن هناك تصورات جديدة للسياحة البيئية في قرى السياحة البيئية في المنتزهات المذكورة، ووضع برنامج سوسيو-اقتصادي يخدم المجتمعات من ناحية الاستخدام المستدام للأنواع والاستفادة من التنوع البيولوجي في المياه العذبة وتنزيل برامج تواصلية وتحسيسية للمواكبة لفائدة طلبة المؤسسات التعليمية مع التركيز على المقارنة بين مؤسسات توجد في مناطق مازالت تحتفظ على التنوع البيولوجي وأخرى انقرضت بها عدد من أنواع الأحياء. ومن أهم النقاط التي يتضمنها مشروع التوعية والتربية البيئية والتواصل من أجل التحسيس بأهمية الحفاظ على المؤهلات الطبيعية وتوجيه سلوكيات الأفراد لتوعيتهم بالأضرار المحتملة على المحيط البيئي. وضع مقلق يتميز المغرب بموقع جغرافي متميز وتنوع مناخي وتوفره على حوالي 40 نظاما بيئيا، من غابات وسهول وجبال وصحاري وشواطئ ووديان وبحيرات وغيرها، كما يستوطنه أكثر من 550 صنفا من الحيوانات الفقرية وآلاف من الأصناف اللافقارية، (أكثر من 334 صنفا من الطيور وحوالي 100 صنف من الثدييات و98 صنفا من الزواحف). وفي هذا الصدد، تقول أميمة خليل الفن، باحثة في مجال البيئة والتنمية المستدامة ل "الصحراء المغربية"، إن المغرب حقق تطورا مهما في حماية التنوع البيولوجي الوطني، الذي يتوفر في أكثر من 24000 نوع حيواني و7000 نوع نباتي بمعدل عالمي متميز للأنواع المستوطنة على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط. وتشير الفن إلى أنه رغم المجهودات المبذولة من مختلف الفاعلين والمهتمين بمجال التنوع البيولوجي، إلا أنه يتعرض لتدهور مقلق جدا بسبب الأنشطة البشرية المتمثلة في الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية والرعي الجائر، والبناء غير القانوني، والتلوث الصناعي، وتغير نمط الإنتاج والاستهلاك والتمدن، إلى جانب تحديات التغير المناخي. وتكشف الباحثة في البيئة أن أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض في شمال إفريقيا، تقدر حسب إحصائيات علمية بأزيد من العشرة، ويوجد في المغرب الأقصى ما لا يقل عن حوالي 100 نوع من الثدييات 8 منها متوطنة و13 منها مهددة بالانقراض. وتؤكد الإحصائيات أن من بين 480 نوعا من الطيور، هناك 47 نوعا مهددا بالانقراض، ومن بين هذه الطيور "نعام شمال إفريقيا". من جهته، يؤكد محمد بنعبو، خبير في مجال التنمية المستدامة والمناخ ل "الصحراء المغربية" أن التنوع البيولوجي يظل ضروريا لإنتاج الغذاء، وإنتاج الأدوية، والصناعة، والبحث العلمي والسياحة. ويعتبر بنعبو أن التنوع البيولوجي يمثل موردا طبيعيا ضروريا لمستقبل جنسنا البشري. وكشف الخبير البيئي أن ثلاثة أرباع البيئة الأرضية وحوالي 66 في المائة من البيئة البحرية، جرى تغييرها بشكل كبير بفعل تدخل الإنسان، ومليون نوع من النباتات والحيوانات مهددة بالانقراض. ولفت المتحدث إلى أن اختلال توازن التنوع البيولوجي والنظم البيئية من شأنه تقويض عملية تحقيق 80 في المائة من أهداف التنمية المستدامة، ويؤكد أن الحاجة باتت ملحة اليوم للتحرك والعناية بالطبيعة من أجل حماية حياتنا وحياة الأجيال االمقبلة. يقول إبراهيم الشعبي، رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان وأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، قال ل "الصحراء المغربية"، إن التنوع البيولوجي، لم يعد ترفا بل بات ضرورة حتمية، وغيابه أو تراجعه بات أيضا يهدد الاستمرار الطبيعي للحياة. يدخل في الجيل الخامس لحقوق الإنسان. اختلال التوازن ويضيف الشعبي رغم أن المغرب يتوفر على منظومة بيئية محترمة جدا ما يجعله يصنف في مراتب متقدمة جدا على مستوى البحر الأبيض المتوسط أو المستوى القاري والدولي، لكن اختلال التوازن من شأنه أن يتسبب في كوارث طبيعية تؤثر على الإنسان والطبيعة والحياة. وزاد الأستاذ قوله إن الكثير من الأبحاث العلمية، أظهرت أن تدهور التنوع البيولوجي، يساهم في نقل الأمراض و الأوبئة والفيروسات، خاصة من الحيوان إلى الإنسان، مستدلا بفيروس كورونا المستجد. ولفت الشعبي إلى أن فيروس كورونا أوضح بجلاء أن العديد من الأنظمة الإيكولوجية تحتاج إلى تطوير وتقوية لما من شأنه أن يفسد الحياة سواء فوق الأرض أو تحت البحر. ويرى المتحدث أن هناك تراجعا مقلقا للتنوع البيولوجي على الصعيد العالمي، وأن هذا التراجع بات يهدد المنظومة البيئية بكاملها، والمملكة المغربية رغم ذلك تطور العديد من النظم البيئية والإيكولوجية التي شهدتها منذ سنوات طوال سواء على المستوى القانوني أو المؤسساتي، بالإضافة إلى المبادرات والاجتهادات، هي مطالبة أيضا بتطوير نظمها الإيكولوجية. للإشارة، فإن المغرب اعتمد، أخيرا، الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل الوطنية للتنوع البيولوجي بهدف تلبية الاحتياجات الوطنية في مجال المحافظة والاستخدام المعقلن والمستدام للتنوع البيولوجي. كما أحدث المغرب بواسطة مرسوم اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي، وهي تعتبر هيئة للتشاور والتنسيق من أجل تنفيذ السياسة الوطنية في مجال مكافحة التغيرات المناخية والمحافظة على التنوع البيولوجي. يذكر أن المغرب صادق ووقع على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحماية الموارد الطبيعية، منها الاتفاقية الدولية حول التنوع البيولوجي، عام 2012، حيث تمت المصادقة على هذه الاتفاقية ونشرها بالجريدة الرسمية سنة 2013.
المنتزه الوطني لإفران ... ملاذ لأنواع الطيور النادرة المنتزه الوطني لإفران هو منتزه وطني مغربي على مساحة 500 كلم²، ويتميز المنتزه بمناطق رطبة وبحيرات متنوعة تعتبر ملاذا لأنواع من الطيور النادرة. يتميز بغطاء نباتي متنوع ومن أشجاره: البلوط الأخضر والعرعار الجبلي (توالت) والصنوبر البحري(تايدا) وشجر الزان (تاشت) وأهمها أرز الأطلس ويشكل بالمنتزه 1/3 أرز المغرب و 1/4 نوعه في العالم. وضعت إدارة المنتزه مشروعا للتربية البيئية لتحسيس سكانه وزواره بأهمية المساهمة في الحفاظ على التنوع الأحيائي باستعراض أنواع من الوحيش، الذي انقرض مثل أسد الأطلس والقضاعة والنمر وأخرى مهددة بالانقراض كقردة المكاك البربري إن لم تتضافر الجهود لإنقاذها وهذا ما يسعى إليه مركز فضاء الأرزية. ويهدف المنتزه الذي يشكل وجهة للسياحة البيئية وهواة الطبيعة إلى حماية التنوع الطبيعي والمساهمة في الاقتصاد المحلي، كما يعد فضاء من أجل تعزيز المؤهلات الطبيعية والبشرية وإبرازها.. وتمتد أراضي المنتزه إلى الجزء الغربي من جبال الأطلس الوسطى وتحديدا ضمن المناطق التي تقع في مقاطعتي إفران وبولمان، كما تم تأسيسه سنة 2004 ويغطي مساحة 125 ألف هكتار تتألف أغلبها من أشجار الأرز. هذا الروبورتاج بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام ضمن مشروع ميديا لاب.