استلهم مصطفى أو مصيطفة،هكذا ناداه دائما أصدقاؤه بتصغير اسمه،ليس احتقارا، بل على العكس تدليلا نظرا لخِفَّة دمه وبهجة حضوره،نفس الإطار المرجعي الذي شكَّل هاجس أفراد جيله والحلم المتسيِّد على مخيلة أذهانهم :الهجرة صوب أوروبا،كيفما تأتَّت الوسيلة،بالرِّهان حسب أغلب التقديرات على بوابات نوافذ غير واردة عمليا أو لا شرعية، مادامت شرعية السعي،تقتضي وضعية اجتماعية ومادية من ثمَّة إدارية،غير متاحة بالسهولة المفترضة. أضحت الفكرة تشغله بجدِّية،ويلزمه المبتغى تحقيق الخطوة الأساسية المتمثِّلة في ضرورة نجاحه بأيِّ وسيلة قصد إسقاط أوروبية ضمن حبائل التعلُّق به،كي تشكِّل مطيَّته نحو الانتقال إلى الضفَّة الأوروبية. لقد استطاع العديد من زملائه،تحقيق المهمة بنجاح،والرحيل فعلا عن البلاد بعد اصطيادهم أوروبِّيات قدمن إلى مراكش،فتمكَّن بعضهم حقيقة من جني ثمار رهانهم الجزافي،بعد تواتر أخبار جيدة حول هجرتهم،وصارت سِيَرهم مضرب أمثال لدى أصدقائهم. شرع مصيطفة،يستقصي من أهل الخبرة والحنكة،السبل الممكنة قصد النفاذ إلى ممكنات الظفر بغنيمة من غنائم الشمال؛مثلما فعل المغامرون السابقون. أجمعت الأجوبة،بعد اتفاق مجملها حول مدى ليونة حظِّه وحذق تفاعله،على ضرورة انتمائه بداية إلى نادي رياضي لكمال الأجسام،وتعلُّم السباحة،كي يشرع بعدها كخطوة ثانية في ارتياد مسابح المدينة التي توفِّر بؤرة سانحة لاصطياد الأوروبيات،مثلما فعل أغلب السابقين في المضمار،بل منهم من استطاع برأسماليْ الجسد والسِّباحة الولوج بسرعة إلى الاشتغال ولو مؤقَّتا داخل الفنادق؛أساسا إبَّان فصل الصيف،كمراقب مُياوِم تحت يافطة معلِّم سباحة رهن إشارة مطالب الزبناء الوافدين على المسبح.فرصة ذهبية،ستتيح له إمكانية اصطياد أجنبية والذهاب بعد ذلك إلى أوروبا أو أمريكا. حقيقة،يحتاج هذا المبتغى إلى مجهود كبير،سواء على مستوى بناء عضلات جسمه النَّحيل،حتى يغدو كتلة مثيرة للانتباه.ثم،إتقان السباحة،بالمغامرة أكثر نحو الأحواض العميقة،بحيث تعود معرفته بالطفو فوق الماء إلى سنوات الطفولة،حينما كان يذهب صحبة جماعة من أولاد الحيِّ إلى المسبح البلدي،كي يدمنوا أقصى مستويات الشغب طيلة اليوم وسط بِركة مائية لايتجاوز غورها مترا،بينما تقتضي الآن هذه المهمَّة المصيرية العودة ثانية إلى النجاح في اختبار قدراته على السباحة قياسا لدَرَكٍ محترم وبحركات مضبوطة،مادامت خطة الاستراتجية ربما قد تضطره إلى رحلة مغايرة نحو بعض شواطئ المدن الساحلية مثل الصويرة أو أكادير،مثلما أخبرته أيضا إرشادات العارفين،الاكتفاء بمسابح مراكش وحدها قد لاتحقِّق المطلوب.عموما،يحتاج مصيطفة إلى"گاورية Gawria"،بهدف تدليل عقبات مغادرته الوطن ويلزمه تحقيق الحلم. انضم إلى نادي الحيِّ ثم شرع يتمرَّن،و مايستتبع ذلك من ضرورة القطع مع العادات الفوضوية على مستوى الأكل غير الصحيِّ ولزوم التحاقه بفراش النوم باكرا،وهذا ما أكَّده له المدرب منذ اليوم الأول،إن ابتغى الحصول على المطلوب خلال أسرع وقت ممكن. بعد فترة،بدأ جسده يكشف عن تضاريس بارزة،وأحسَّ فعلا بالاختلاف وحتمية انتقاله حاليا بالموازاة إلى الخطوة الثانية المتعلقة بالتمكُّن من بعض أوليات السباحة،لاسيما وأنَّ الجسد بات مؤهَّلا قصد الانكشاف أمام الملأ بكل تباهٍ واستثمار نتائج ذلك بكيفية مغايرة.أيضا،لاحظ أصدقاؤه التغيُّر الفيزيقي فبلغت مسامعه أصداء الثناء من هنا وهناك،مما زاده تصميما على إكمال منتهى عزيمته. الوقت المناسب خلال حرارة الصيف،مقارنة مع باقي الأزمنة،بغية الاكتفاء بملابس صيفية تفشي بجلاء تكتُّل عضلاته وتناسق جغرافيتها،بالتالي إمكانية ارتياده المسابح،وإن تعثر القصد يلزمه الانتقال إلى الشواطئ وكذا التسكُّع أكثر ضمن فضاءات المدينة العتيقة؛لاسيما ساحة جامع الفنا مساء،ربما ابتسم الحظُّ فالتقطت الصنَّارة إحدى نساء قوم عيسى،جراء مفعول تبادل نظرات،ابتسامات،احتكاك جسماني غير مقصود،استفسار عن عنوان وجهة ما؟ثم ابتسامة،فأخذ وردّ،فلقاء صبيحة اليوم التالي،مع نظرات حالمة،إيمائية،موجَّهة قصدا حسب سياق الحديث. يذكر مصيطفة باستمرار،واقعة صديقه ابن الجيران العجلاتي الملقَّب ب"بيليه"؛ لأنَّه نسخة كاملة من لاعب البرازيل،الذي قَرَّر ذات صباح التوقف نهائيا عن مهنة إصلاح الدراجات وسط حيِّه الشعبي البسيط،والاشتغال في جامع الفنا معاونا لأحد باعة عصير البرتقال.بعد يومين من حرفته الجديدة،استطاع نسج علاقة عابرة وبالصدفة مع ألمانية شقراء في عقدها الرابع،سرعان ما اصطحبها إلى برلين.نقلة فانتاستيكية،ضخَّت طموحات مفرطة وعِبَرٍ،تحتذى لدى مصيطفة وكذا المهتمِّين بقصص من هذا القبيل. حظي مصيطفة بوصايا معضِّدَة،قد تمكِّنه استراتجيتها من تحقيق نفس منجز بيليه، مثل التركيز على الهدف والتفكير في مداخله والإحاطة بفنون الإثارة والإغواء،مع ضرورة فهم طبيعة السياقات،من ثمَّة تغيير الخطط حسب المعطيات المطروحة وظروف المواقف. لذلك،وجب تغيير الخطط،والرهان بالدرجة الأولى على نسوة تجاوزن نسبيا طور الشباب، وجمالهن في حدود التواضع،وربما أخفقت حياتهن الزوجية في بلدانهن،ويأتين إلى الجنوب بحثا عن متع لحظية رفقة شباب متعطِّشٍ لكل شيء. بدأ مصيطفة يدرك ويستوعب أدبيات الحقل،محاولا في الوقت ذاته تطوير آليات الاستقطاب،وكلما فعل إلا وانتابه شعور كونه أضحى،بكيفية أو أخرى؛مقارنة مع أيام خلت، موضوع نظرات خاطفة لكنها دالَّة.أحيانا يقلص المسافة ويقترب،أحيانا أخرى يتردَّد، وأحيانا ثالثة يعضُّ أصابعه ندما لأنَّه لم يلتقط جيدا إشارات سوى بعد فوات الأوان. المسبح مرتع خصب.سائحات من مختلف الجنسيات،متمدِّدات يعرضن أجسادهن الطازجة،على إيقاع خيوط أشعة الشمس اللذيذة.يلزم،مصيطفة بداية الجلوس عند زاوية، يمسح بنظراته عموم المكان حتى يحيط بتفاصيله،كي يرسم بعد ذلك الخطط اللاَّزمة،ثم يتدبَّر طبيعة المواقف التي ينبغي له افتعالها قصد إثارة انتباه إحداهنَّ.ارتدى سروال سباحة غاية الركبتين،فضفاض نسبيا حتى يخفي نحافة الفخذين ويبرز في المقابل جمالية انتفاخ الصدر وكذا صمت البطن،شكل يوحي حسب الاعتقاد السائد بارتفاع منسوب الهرمون الذكوري،كناية عن الفحولة،بالتالي إمكانية تحقيقه قانون الاستمالة والجذب الجنسي من الوهلة الأولى. يقلِّب عينيه على امتداد أبعاد المكان،بزغت فجأة عند بوابة المسبح،سائحة وحيدة دون صاحب أو صاحبة.التقت نظراتهما للحظة،حدس بسرعة خبايا ابتسامتها الخفيفة، انتابته حرارة غير عادية،جعلته محلِّقا صوب أفق الأعالي البعيدة.