إعداد: يوسف بصور (ت: وراق) قطعت مسافة 17 كيلومترا الفاصلة بين مضيق جبل طارق وطنجة في 4 ساعات و 18 دقيقة. السباحة المغربية نادية بن بهتان كشفت الكثير عن أسرار هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر عند حلولها يوم الجمعة الماضي (22 ماي)، ضيفة على برنامج «بروح رياضية» على إذاعة «ميد راديو». نادية، البالغة من العمر 36 سنة والأم لطفلتين، لم يسبق لها الانتساب إلى أي ناد للسباحة، ومع ذلك فقد نجحت في تحقيق مع اعتبره الكثيرون مستحيلا بالنسبة لها. فكيف تحقق هذا الأمر؟ من هي نادية بن بهتان؟ نادية امرأة مغربية تبلغ من العمر 36 سنة. أم لطفلتين وأشتغل في مجال التسويق والإعلام وأهوى السباحة. كيف قمت بتحدي عبور مضيق جبال طارق، الذي يصعب على الكثير من السباحين الرجال القيام به؟ هناك العديد من السباحين والسباحات، الذين سبق لهم القيام بهذه المغامرة، لكنهم جميعا لم يكونوا من القارة السمراء أو الوطن العربي. بالنسبة إلي، السباحة كانت هوايتي منذ الصغر. هناك أشخاص متخصصون في السباحة الحرة شجعوني على أن أقطع مضيق جبل طارق سباحة. الأمر في البداية كان على سبيل المزاح في جلسة مع الأصدقاء. كنت أتكلم معهم وتحدثنا عن الأمر وقلت في البداية إن هذا الأمر من قبيل الخيال ولا يمكن أن يحصل. في سنة 2010 خضت سباقا للماراطون، وأعجبني السباق وتحدي الوصول إلى الهدف. أعجبت بالجو السائد في سباقات من هذا النوع وقلت في نفسي لم لا أفعل الشيء نفسه في السباحة التي هي هوايتي المفضلة. قمت ببحث في شبكة الأنترنيت ووصلت إلى أحد المنتديات الخاصة بالسباحين الممارسين للسباحة الحرة وتواصلت معهم. عندمات أخبرتهم بأنني أم لطفلتين ولا أتدرب مع أي ناد وأتدرب فقط في المسبح وأرغب في قطع مضيق جبل طارق سباحة أجابوني بأنه يتعين علي الذهاب للقيام بشيء آخر لأن ما أرغب فيه مستحيل. مع ذلك قلت لم لا أجرب وقمت في سنة 2013 بتسجيل اسمي ضمن المشاركين في مسابقة للسباحة الحرة بإسبانيا على طول مسافة 6 كيلومترات، حيث وجدت نفسي في مواجهة سباحين من دول أوروبية عديدة، ومع ذلك نجحت في إكمال السباق. عند وصولي إلى خط النهاية بدا لي أنه يمكنني عبور المضيق إذا واصلت التداريب بإصرار. في سنة 2014 خضت سباقا آخر لمسافة 14 كيلومترا وفي سنة 2015 شاركت في مسابقة أخرى للسباحة الحرة في إيطاليا، وبعد ذلك راسلت المنظمين لمسابقة عبور مضيق جبل طارق، حيث عرضوا علي القيام بالأمر فيسنة 2014 لكن تعذر علي ذلك وتم تسجيلي لخوض المغامرة في سنة 2015. لقد طلبوا مني اختيار الأسبوع الذي أرغب في خوض المغامرة خلاله، واخترت شهر أبريل، وبالضبط الأسبوع الذي يصادف العطلة المدرسية لأنني كنت أرغب في اصطحاب طفلتي معي. ما الكلمة التي ترغبين في توجيهها إلى المغاربة الذين تفاعلوا بشكل كبير مع إنجازك؟ أشكر المغاربة قاطبة، وما أتمناه هو أن يقوم كل شخص لديه هواية ما أو رغبة في القيام بأمر ما ببذل كل ما في وسعه من أجل تحقيق هدفه رغم كلام الآخرين، الذي قد يكون محبطا في العديد من الأحيان.. شحال من مرة سمعت كلام بحال عندك الدراري باراكا عليك من السباحة.. دّيها فخدمتك وباراكا عليك من هاذ الشي. من هي الجهة التي أشرفت على قيامك بمغامرة السباحة من إسبانيا إلى المغرب؟ الجمعية الإسبانية لعبور مضيق جبل طارق سباحة هي الجهة المنظمة لهذه المسابقة. هذه الجمعية رأت أن هناك العديد من الهواة المغرمين بالسباحة الحرة وبمثل هذه التحديات لذلك تكفلت بالإشراف على هذا النوع من الرحلات من ناحيتي التنظيم والأمن، سيما أن منطقة العبور تتمير بتيارات بحرية قوية ووجود أسماك خطيرة ناهيك عن عبور عدد كبير من البواخر العملاقة. الجمعية المنظمة رافقتني خلال هذا التحدي، فهي التي تكفلت بالحصول على التراخيص اللازمة من السلطات الإدارية الإسبانية والمغربية، كما قدمت لي جميع الضمانات وسهرت على ضمان سلامتي. خلال الرحلة كان هناك قارب أمامي يفسح الطريق، وكان هناك قارب آخر بجانبي للتدخل في حال أصبت بالعياء أو الإغماء، ومنه أيضا كنت أحصل على مياه الشرب كل 30 دقيقة، كما أن القاربين المرافقين لي كانا ينبهان البواخر العابرة للمضيق بأن هناك شخصا ما يسبح في المياه لتفادي تعرضي لأي اصطدام. عندما رزقت بإحدى ابنتيك ازداد وزنك بشكل كبير فكيف نجحت في استرجاع لياقتك البدنية؟ عندما تتوقف عن التدرب ويزداد وزنك تصاب بالصدمة. بعد فترة الارتخاء وازدياد الوزن يكون من الصعب استرجاع الشكل والمستوى نفسهما لكن المهم في هذه الفترة هو الإصرار لتجاوز هذه الفترة الصعبة، ويجب أيضا إدراك أن الجسم له ذاكرته ويستطيع العودة إلى شكله المثالي شريطة توفر العزيمة والإصرار. الحلم تحقق في نهاية المطاف. فهل قمت بما قمت به لتحقيق حلم والدك؟ لقد مارست السباحة لأن والدي شجعني على الأمر وكانت هذه هوايتي المفضلة منذ الطفولة، علما أنه في إحدى الفترات كنت أمارس الكاراطي وكانت لدي إكراهات تتمثل في متابعتي لدراستي واضطراري لخوض التداريب في المساء قبل العودة إلى المنزل في وقت متأخر، وحتى لا أضطر للتوقف قام والدي بالتسجيل في النادي نفسه الذي أتدرب به، وكان يتدرب معنا وأمي كانت بدورها تحضر بين الفينة والأخرى لتشجيعي. والأمرنفسه تكرر في السباحة، وهو ما ساعدني على القيام بما قمت به. كيف استعديت لهذا التحدي علما أنك تشتغلين ولديك مسؤولية تربية الأبناء؟ أنا مغرمة بالسباحة لكن قطع مسافة أكثر من 14 كيلومترا في عرض البحر يتطلب الكثير من التداريب والاستعدادات ووضع برنامج محكم يراعي المسؤوليات المهنية والعائلية، حيث كنت أتدرب ما بين 4 و5 مرات في الأسبوع. لقد سبحت مرتين في البحر في إسبانيا وقبل خوض المسابقة سبحت لحوالي 50 دقيقة في مدينة المحمدية، علما أن من يخوضون مثل هذه المغامرة يجب أن يقطعوا حوالي 10 كيلومترات في البحر، ويتدربوا لعدد كبير من الحصص بالمسبح. لقد بحثت عن مدرب متخصص في السباحة، حيث ساعدني كثيرا وهيأ لي برنامجا محكما لمدة ستة أشهر قضيت 4 منها بالمغرب. قطعت 17 كيلومترا في 4 ساعات و18 دقيقة فهل تناولت شيئا خلال هذه الرحلة إضافة إلى شرب المياه؟ لم آكل شيئا خلال السباق لكنني قمت قبل خوض المغامرة بتناول وجبة إفطار عبارة عن كيك خاص بالرياضيين يمنح الجسم الطاقة اللازمة ويهضم بسرعة كبيرة، وكل نصف ساعة كانوا يناولونني قارورة مياه لأشرب حيث كنت أتوقف لبضع ثوان قبل إكمال السباق. ألم تشعري بالخوف من احتمال التعرض لهجوم مفاجئ من أسماك القرش مثلا؟ منطقة المضيق لم يسبق أن شهدت أي هجوم لأسماك القرش وهذا الأمر أراحني نوعا ما، علما أنني أكنت أتخيل فقط تحقيق هدفي ومرنت عقلي على كل ما هو إيجابي ولم أفكر مطلقا في السلبيات والصعوبات التي يمكن أن تعترضني مثل العياء أو برودة المياه أو التعرض لهجوم القرش، حيث أقنعت نفسي بأنني إن نزلت إلى مياه البحر فسأحقق هدفي بكل تأكيد. هل قمت بدراسة جغرافية لمسار الرحلة؟ الجمعية المنظمة أمدتني بخرائط مفصلة ووضحت لي مواقع التيارات البحرية القوية، والتي يتطلب تجاوزها السباحة على الأقل بسرعة 3 كيلومترات في الساعة، إضافة إلى السباحة في اتجاه الجنوب لكي تقوم التيارات بتعديل المسار قليلا نحو المغرب. في اليوم الذي وصلت فيه إلى طريفة كان الجو ماطرا والرياح قوية، وانتظرت اليوم المناسب للقيام بالتحدي وواجهت بعض الصعوبات في البداية بفعل التيارات البحرية وتراجعت بعد ذلك حدة التيارات في وسط الرحلة، قبل أن تعود بقوة أكبر على بعد 3 كيلومترات من المغرب، حيث انطلقت تيارات أقوى. لقد كنت أرى الساحل بعيني، وكلما سبحت يخيل لي أنني مازلت واقفة في مكاني، واقتنعت فعلا بأن البحر أقوى من أي سباح. عندما اقتربت أكثر من ميناء طنجة المتوسط، ورأيت الساحل المغربي بدا لي الحلم أكثر قربا وهذا منحني دفعة معنوية قوية رغم العياء، وما كان مميزا أكثر في هذا التحدي هو أن الوصول كان إلى المياه المغربية وليس العكس، وقد كانت سعادتي كبيرة بعدما لمست صخور الشاطئ. لقد كانت فرحة لا توصف. من وثق في أنك تستطيعين تحقيق الهدف من لم يثق في قدراتك؟ البعض قال لا «باراكا عليك من الحماق».. لكن من حسن حظي أنني تشاورت في الأمر مع والدي، اللذين ورغم المخاوف التي انتابتهما، شأنهما في ذلك شأن زوجي، فقد ساندوني. عائلتي دعمتني ووقفت بجانبي بشكل جيد وكان هناك أيضا دعم ممارسي السباحة الحرة في دول أخرى من أوروبا وأمريكا وهذا التضامن منحني دفعة معنوية كبيرة. الجامعة الدولية لسباقات السباحة في المياه المفتوحة وضعت اسمك ضمن أفضل 50 سباحة في المياه المفتوحة. كيف تلقيت هذا الأمر؟ أسعدني هذا كثيرا، خصوصا بعدما علمت أن المغرب تقدم في هذه القائمة على العديد من الدول الأوروبية، علما أن هذا التصنيف يعتمد على مجمل إنجازات السباح خلال مساره الرياضي. ما الخلاصة التي خرجت بها من تحدي عبور المضيق؟ الخلاصة هي أن المرأة المغربية لديها قدرات كبيرة وما يلزم فقط هو الثقة في النفس والإصرار على تحقيق الهدف.