ما الفرق بين الحالة السورية وغيرها؟ في الجوهر..لا شيء. وفي الشكل..المجال مفتوح لعشاق التحليلات والتنظيرات السياسية كل يدلي بدلوه رغم أنها وفي غالب الأحيان تخطئ الهدف أو الطريق أو هما معا..توقع ما سيقع لا يأتي دائما وفق التوقعات. الحكم السوري في جوهره وفي كلمة واحدة..الإستبداد. أيحتاج هذا الأمر إلى إيضاح؟ عندما تصادر الحريات..عندما تنهب الثروات..عندما تختطف المخططات..عندما يتنفذ المرتزقة والمافيات..عندما يسود التافهون والتافهات..عندما يتصدر المشهد التحوت والحثالات..عندما تسفك الدماء وتنتهك الأعراض..عندما تدنس المقدسات..وتقدس المدنسات… فعلى الدنيا وعلى الدولة السلام! ودعك من الشعارات الزائفة! هل الوضع السوري فريد في العالم العربي الإسلامي؟ في عصر الصمت والصامتين..في زمن ′′نهاية الشجاعة′′- عنوان كتاب للفيلسوفة الفرنسية سانتيا فلوري- يروج كهنة ′′النظام′′ لعكس كل ذلك..بل ويدعون بكل صلافة إلى التطبيع مع الفساد والإستبداد..والويل كل الويل للمعارضين أو المنتقدين..يقادون إلى أقبية السجون المظلمة إلى أن تنطفئ عقولهم وتخبو أفكارهم في متاهات النسيان..أو الهذيان. هل من استثناء حقيقي لهذه الحالة المأساوية في الوجود العربي الإسلامي؟ بودنا تصديق شيء من هذا القبيل. لكن..عندما تنطق الأغلبية الصامتة تنقلب الأمور رأسا على عقب. وبتعبير أدق تعود الأمور إلى نصابها..تلوذ بالصمت آنئذ الأقلية الناطقة من زبانية النظام..بل وتلوذ بالفرار لا تلوي على شيء. في الربيع العربي، صدحت حناجر الأغلبية الصامتة من أجل العدالة والحرية والكرامة. للأسف الشديد لا حياة لمن تنادي..لا آذان صاغية..تلاشت الصيحات في الهواء..بقيت ريما على عادتها القديمة..من قمع وتسلط ومصادرة للحريات وتكميم للأفواه وهتك للأعراض وسفك للدماء ونهب للأموال…واللائحة تطول..وتطول معها معاناة الشعوب العربية الإسلامية. وإذن فما الذي يميز الحالة السورية عن غيرها؟ بالتحديد، القهر المباشر بالحديد والنار! فيم غيرها لدى المستبدين الأذكياء..القهر غير المباشر.إنهم يستظلون بالقوانين الجائرة..والتشريعات المزاجية..والقرارات الزئبقية..والمواقف البهلوانية..والإجراءات الحلزونية..وكل ما لا يخطر على البال من القيود والأغلال القانونية لاستعباد الشعوب وإخضاعها بالقوة والترهيب. في سوريا بلغ الألم الجسدي ذروته في التعذيب والموت..وفي باقي الدول تحطم المعاناة النفسية الأرقام القياسية..جراء التشريعات الإستبدادية للحركات والسكنات..والهفوات والخطرات… في سوريا، وبعدما استنفذ الثوار كافة الوسائل السلمية، حملوا السلاح اضطرارا لحماية البقية الباقية من أرواحهم وعقولهم..وآدميتهم. وبعد سنوات قليلة من الحرب الدامية انتصروا وانتهت المسألة.. هرب رأس ′′النظام′′..كذا! عندما تنصب المشانق للأحرار، فلا بديل ′′عن الرجال والبنادق′′- رواية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني- في سبيل الحرية. كان الرئيس السوري غبيا حينما استهان بالثوار الأذكياء. نسي أن كل الطرق تؤدي إلى الحرية. وبما أنه أوصد كافة أبواب الطرق السلمية في وجوه الثوار، وقع ما وقع. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلوم الضحية ونبرئ الجلاد. وإلا فهو العبث بعينه. على عكسه تماما، كان حكام الدول العربية الأخرى أذكياء..تمترسوا خلف الترسانات القانونية الخرسانية..ليبيعوا الوهم والسراب لشعوبهم..في غفلة عن الأنظار رهنوا الحاضر بالمستقبل..قبلوا بالتغيير لكن في ظل الإستقرار..استقرار عروشهم وثرواتهم..حولوا معادلات التغيير إلى كسور لا متناهية يقسمونها ذات اليمين وذات الشمال على زائد ما لا نهاية تارة وعلى ناقص ما لا نهاية تارة أخرى..لتنتهي دالة الحرية إلى أصفار لا متناهية..في النهاية لا تغيير ولا هم يحزنون..كانوا يستحمرون شعوبهم..ويستغبون عقولهم. في سوريا كانت لغة الحديد والنار كافية لإقناع الثوار بلا جدوى ثورتهم السلمية. وبالمقابل كم من الوقت يلزم لتستفيق باقي الشعوب العربية الإسلامية من السطوة القانونية؟ بالتأكيد سيكون الجواب من مفاجآت الأحداث المقبلة. الأصل في القانون أن يوضع لحماية الضعفاء. أما أن يتحول إلى سوط في يد الأقوياء فهذا هو الإستبداد بعينه، وهذه هي الحقيقة التي يجب الإنتباه إليها. مرة أخرى، قهر الشعوب بالحديد والنار أم بالقانون وجهان لعملة واحدة..الإستبداد. في الحالة الأولى يتكشف الوجه المتوحش للتسلط أمام الجميع..وفي سجون سوريا عبرة لمن لا يريد أن يعتبر. في الحالة الثانية يتفكك المجتمع وينخر تدريجيا من الداخل إلى أن تقع الكارثة وتنهار الدولة ومؤسساتها..وقد تسقط سقوطا مدويا في أحضان قوى أجنبية..وفي غفلة من الجميع. وفي النهاية فالشعوب هي من تقرر ولا أحد بمقدوره التنبؤ بما ستختار..الثورة أم الإنتظار؟ ولكل من الخيارين ثمن باهض يزيد أو ينقص مع الزمن. كلمات أخيرة نهمسها في آذان الحاكمين والمحكومين على حد سواء. للحاكمين..تاريخ جديد يكتب في العالم العربي الإسلامي. فهل ستساهمون في كتابة صفحات جديدة أم ستعتقلون الأقلام كما هي عادتكم؟ الخيار لكم قبل أن يكون عليكم. للمحكومين..الحرية كل لا يتجزأ. لا تساوموا عليها ولا تفاوضوا على شروط العبودية..لقد ولى زمن الهرولة..فلا تكونوا من المهرولين..لا خيار لكم.