بعد أن فشلت حكومة سعد الدين العثماني السابقة في تمريره عام 2016، مازال مشروع القانون التنظيمي رقم 15.97 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب يعرف تعثرا واضحا وعدم التوافق بين النقابات وحكومة عزيز أخنوش التي أرادت تنزيله بصفة انفرادية، مما جعل الجبهة المغربية التي تضم تسع نقابات تتهيأ لتنظيم وقفات احتجاجية محلية ومركزية، للتعبير عن رفضها لهذا المشروع في صيغته الحالية، معتبرة أنه دون مستوى تطلعات الأجراء والعمال، وتؤكد حرصها الشديد على عدم السماح بتمريره مهما كلفها الأمر من تضحيات جسام، دفاعا عن حقوق الطبقة العاملة وصونا لكرامتها. إذ رغم إعلان لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في 23 أكتوبر 2024 عن تأجيل المناقشة التفصيلية للمشروع السالف الذكر إلى أجل غير مسمى، على إثر احتجاج عدد من النقابات الممثلة في البرلمان، التي ترى في إقدام الحكومة على هكذا خطوة أحادية "انحرافا" عن الاتفاق الذي تم بين رئيس الحكومة والمركزيات النقابية، القاضي بعدم مناقشة المشروع المثير للجدل إلا بعد التوافق حوله في جلسات الحوار الاجتماعي، فإن التكتل النقابي دعا إلى مسيرة احتجاجية مركزية ضد هذا المشروع ومشروع قانون إصلاح أنظمة التقاعد هو الآخر، وذلك يوم الأحد 15 دجنبر 2024 بالرباط على الساعة الحادية عشرة صباحا انطلاقا من ساحة باب الحد، لما يمكن أن يشكله من خطورة على إضراب الشغيلة مستقبلا، جراء ما يتضمنه من مثبطات وعراقيل، من شأنها الحيلولة دون ممارسة هذا الحق الدستوري في الدفاع عن مطالب الأجراء والمستخدمين وحماية مكتسباتهم الاجتماعية. فالجبهة المغربية (التكتل النقابي) أبت إلا أن تجدد رفضها القاطع لما أسمته "القانون التكبيلي" للإضراب ومعه الإصلاح المزعوم لأنظمة التقاعد، اللذين تسعى الحكومة جاهدة إلى تمريرهما في غفلة من الجميع، متهمة إياها بخرق التزاماتها وإصرارها على مناقشة وتمرير القوانين خارج مؤسسة الحوار الاجتماعي، ومحاولة الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات اجتماعية ناضل من أجل تحقيقها شرفاء الوطن من المناضلين الأحرار، وانتهاك الحقوق الأساسية للطبقة العاملة والمتقاعدين وذوي الحقوق وضمان العيش الكريم لهم. لذلك تدعو كافة مكوناتها وجميع الفاعلين النقابيين إلى الانخراط في مسلسل الاحتجاجات الذي تقرر تدشين أولى حلقاته بوقفة احتجاجية جهوية في فاتح دجنبر 2024. ترى ما هي دواعي رفض النقابات الجماعي مشروع القانون رقم 15.97، الذي يراد بمقتضاه تقنين ممارسة الإضراب وإيقاف العبث المتواصل، وما يترتب عنه من تعطيل عجلة الإنتاج وضياع مصالح البلاد والعباد، وتأتي في المقدمة مصلحة تلاميذ مؤسسات التعليم العمومي، الذين بفعل توالي الإضرابات تدنت مستوياتهم الدراسية خلال السنوات الأخيرة مقارنة مع تلاميذ التعليم الخصوصي؟ فالنقابات لا ترفض القانون التنظيمي للإضراب في حد ذاته كما يروج لذلك بعض المغرضين، وإنما ترفض المقاربة التي جاءت بها الحكومة دون إشراكها، وتشدد على أن تأجيل موعد المناقشة لا يغير شيئا من قناعتها وموقفها الثابت، كما أنها تستنكر تعامل الحكومة غير المسؤول، وهي تسمح لنفسها بإحالته على البرلمان دون التفاوض المسبق معها، مما جعلها تفقد ثقتها فيها لعدم التزامها بالاتفاق الاجتماعي الذي وقعته معها في أبريل 2022 على أساس عدم عرضه على أنظار البرلمان إلا بعد التوافق حول جميع مواده. وفي هذا السياق سارعت بعض المركزيات النقابية إلى مراسلة الفرق البرلمانية من أجل وضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية والسياسية، من خلال المطالبة بسحبه من البرلمان وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي قبل الشروع في مناقشته، منبهة إلى ما شابه من اختلالات وخرق لمبادئ منظمة العمل الدولية وتوصياتها وإعلاناتها المصادق عليها من طرف جميع الدول الأعضاء، وعدم احترامه لروح الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحرية النقابية، بالإضافة إلى انحيازه لصاحب العمل وحصر حق الإضراب في فئة الأجراء بالقطاعين العام والخاص، فيما يتم إقصاء فئات أخرى داخل المجتمع مثل المهنيين والطلبة والعمال المستقلين، مما يتعارض مع الفصل 29 من الدستور. والتأسيس أيضا لقاعدة جد معقدة لقرار الإعلان عن الإضراب وعملية التبليغ، مما يجعل ممارسة الإضراب أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا، ناهيكم عن التخويف والترهيب والتهديد بإجراءات تستهدف الأجراء بشكل مباشر ماديا، وقضائيا بأشد العقوبات الجنائية والتعويض عن الخسائر المادية، فأين نحن من شعار الدولة الاجتماعية وادعاء إعطاء الأهمية إلى الحوار الاجتماعي، إذا كانت الحكومة لا تحترم التزاماتها وتتجاهل آراء المجالس الوطنية والنقابات؟ إن ما يعاب على حكومة التحالف الثلاثي بقيادة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أنها طالما مارست التغول والضغط غير المبرر على المؤسسة التشريعية، واختارت المقاربة الانفرادية في أحايين عدة وتمرير عديد القضايا والمشاريع القانونية دون احترام التعددية وأبسط مبادئ الديمقراطية، وضرب عرض الحائط بمقتضيات الدستور ومؤسسة الحوار الاجتماعي. وعليه، فإن الحكومة مدعوة إلى التعجيل بإعادة مشروع القانون التنظيمي للإضراب إلى طاولة الحوار، قصد التوافق مع النقابات حول مضامينه بما يتناسب والمواثيق الدولية، تفاديا لكل ما من شأنه تهديد الأمن والاستقرار وحفاظا على السلم الاجتماعي ببلادنا.