"حاصرت" الحرب وأهوالها الصحفي المغربي عبد الرحيم التوراني في بيروت الجريحة، وهو الذي تعود التردد عليها والإقامة بين أهلها كلما زار أهله هناك، لكن الحرب التي باغتت اللبنانيين وحاصرت بلدهم من الجو والبر والبحر، فرضت عليه المكوث هناك في انتظار ساعة الفرج والنجاة. ومع مرور الوقت وجد التوراني نفسه في قلب تجربة صعبة، وهو الانسان المبدع والمبدئي الذي لم يٌخف هواه يوما لبيروتوللبنان بكل يقاعه ولأهله بمختلف أطيافهم، فخط َّ مجموعة الخواطر التي ننشرها هنا، وهي عبارة عن لحظات ولقطات مسروقة من وقت مستقطع ما بين غارة وأخرى، تحكي لنا عن اليومي والإنساني والوجداني والذاتي والموضوعي. *** *** **ّ لا شك أن الحرب تتسبب في مأساة عظيمة للشعب اللبناني، وفي معاناة قاسية لا يمكن تصورها، لكن الحيوانات بهذا البلد تأثرت هي أيضًا بهذه الحرب الدائرة اليوم… والحيوانات مثل البشر، تتعرض للغارات الجوية ولنيران الصواريخ والانفجارات والدمار.. الحيوانات أيضا تشعر بالخوف والصدمة والتشرد والإصابات الجسدية.. الحيوانات تُقتل وتموت تحت تساقط الأنقاض، أو تصاب وتترك، ويتم التخلي عنها بأعداد كبيرة… *** في البلدان الأوروبية وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تنتشر مراكز ومنظمات وهيئات وجمعيات عديدة كرست جهودها لحماية الحيوانات، خصوصا الأليفة منها.. منظمات تبذل جهودا قصوى لمنع إلحاق الأذى والمعاناة بتلك الحيوانات.. وفي حالات حدوث أذى أو قسوة على الحيوانات وضعت أرقام اتصال وعناوين إلكترونية يتم بواسطتها الإبلاغ الفوري عن الحالة المعينة للتدخل لإيقافها… يقولون إن الحيوانات الأليفة تعتمد علينا في الحصول على المأوى والغذاء والرعاية الطبية والعاطفة، وبالتالي فهي عرضة للإهمال والإساءة.. الخبراء في أوروبا وأمريكا يؤكدون على أن الحيوانات الأليفة تعود بفوائد نفسية عميقة على الأطفال والكبار على حد سواء.. غبر أن صورة قطة أو كلب ميت تحت الأنقاض والركام المحدث من غارة جوية.. تثير مشاعر الرحمة والتعاطف في نفوس الغربيين، أكثر مما تتثير صور الجثث البشرية بنفس مشهد الركام والأنقاض.. وبالأخص عندما يكون هذا الموت البشري قتلا في حرب، موتا يخص إنسانا عربيا من ضحايا الحرب الوحشية ضد فلسطينولبنان، أو إنسانا من افريقيا وباقي العالم خارج المدار الأروبي – الأمريكي. في ديباجة كل المنظمات الإنسانية نقرأ أنها منظمات تهتم بتقديم خدماتها "بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو التعبير الجنسي أو التوجه الجنسي أو العمر أو الأصل القومي أو اللغة أو الإعاقة"… وانطلاقا من هذا الاعتبارات التي تتطلب مزيدا من بذل الجهود وتغيير الإطار المرجعي الاجتماعي والثقافي، يطرح الغرب اليوم "قضية الحيوان" كموضوع أخلاقي ومعنوي.. نريد أن نصدق مثل هذا الكلام الجميل والمعقول، لولا أن الوقائع والأحداث المتسارعة تدعونا، بل تلح علينا إلحاحا، ألا نصدق كلمةأو حرفا من هذا الكذب البواح، الذي أضحى منهجا وأسلوب حياة لدى هؤلاء الرحماء على الحيوانات الأشداء على البشر.. *** نعرف أن الحيوانات في الغرب عموما لها مكانتها وتقديرها من الرعاية والعطف يفوق رعاية الإنسان.. فإن إسرائيل تنتقم من "الحيوانات" البشرية وتواجهها بأسلحة الإبادة الفتاكة.. *** خلال زيارته الحالية إلى المغرب، وصل الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الرباط برفقة وفد كبير ضم إلى جانب السياسيين، علماء ومثقفين وفنانين ورياضيين.. لم أتأكد إن كان ماكرون جلب معه إلى الرباط الكاتب الفرنسي من أصل مغربي الطاهر بنجلون، ولا أظن ماكرون سيسثني صاحب "ليلة القدر"… ليس لأن الطاهر بنجلون اسما لامعا في الأدب الفرنسي، ولكن لأن الطاهر بنجلون سيصفق أكثر من غيره على ما تجرأ الرئيس الفرنسي على التصريح به أمام أعضاء البرلمان المغربي بغرفتيه، عندما وصف المقاومة الفلسطينية ب"الهمج"، وبكى على الضحايا من إسرائيل، دون أدنى إشارة إلى الآلاف من الضحايا القتلى والجرحى والمشردين من الفلسطينيينواللبنانيين.. وكان الطاهر بنجلون من أوائل من هاجموا المقاومة الفلسطينية، مزايدا على وزير الدفاع الإسرائيلي الذي نزع عن الشعب الفلسطيني صفة البشر وقال عنهم إنهم "حيوانات على شكل بشر".. سارع الطاهر بنجلون إلى الكتابة على صفحات المجلة الباريسية "لوبوان" ليضع "النقطة" على الجرح، قائلا إن المقاومة أدنى درجة من الحيوانات.. وذرف الدمع الهتون على الضحايا الإسرائليين.. وكأني بالطاهر بنجلون هو من حرر خطاب ماكرون أمام برلمان المغرب، إذ لن يجد أفضل منه.. غير أن جائزة نوبل كانت من حظ امرأة من كوريا الجنوبية فضحت "الهشاشة البشرية" كما انفضحت هشاشة قلب ماكرون ومستعير مواطنته اللغوية الطاهر بنجلون.. *** لا تجلب الحروب للبشر معاناة لا توصف فحسب، بل إن عالم الحيوان أيضًا يشعر برعب النزاعات المسلحة بطريقة دراماتيكية.. ليست هناك أرقام محددة عن الحيوانات المتضررة من الحرب العدوان الإسرائيلي الحالي ضد لبنان.. لكني تعرفت مؤخرا على هيأة دولية تدعى ب "أعطني مخلباً"، وهي ملجأ للحيوانات في لبنان يرعى حالياً العديد من الكلاب والقطط، من خلال تقديم مساعدات طارئة. يغطي دعم هذا الصندوق الدولي تكاليف إنقاذ الحيوانات والرعاية البيطرية، بالإضافة إلى تكلفة المواد الغذائية والإمدادات لتوصيلها إلى ملاجئ الحيوانات الأخرى، ومساعدة الناس الذين يستمرون في رعاية الحيوانات المحتاجة في المناطق المتضررة. تتعاون "أعطني مخلباً" مع جمعيات محلية في لبنان تهتم بالعناية والرفق بالحيوان، تمكنت من تنفيذ عملية مشتركة لإنقاذ حيوانات محاصرة في مقهى بمنطقة بيروت، بينها قرود وكلاب وقطط وطيور وسلاحف وأرانب، أصبحت الآن تحت الرعاية الآمنة لتلك الهيئات. تقول متحدثة ألمانية باسم منظمة "أعطني مخلباً" أن منظمتهم على اتصال مع شركائها في لبنان، وأنها قدمت مساعدات طارئة للرعاية البيطرية للحيوانات المصابة، وإنقاذ الحيوانات البرية، وتوفير الإمدادات الحيوانية، مثل الغذاء والأدوية. وأن المنظمة تقدم أيضًا الإقامة الطارئة للحيوانات. وستتم أيضًا مساعدة العائلات على الإخلاء بأمان مع حيواناتهم المفضلة. كما أن الصندوق الدولي للزراعة الحيوانية على اتصال بالجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة، للمساعدة في عمليات إنقاذ الحيوانات وإعادتها إلى أماكن أخرى… *** وفتشت عن هيأة تحمل اسم "اعطني ملجأ" و"أعطني طعاما ودواءً" فلم أجد غير المخالب والأشواك والألغام والحفر والخناجر والسكاكين والخِدَع… *** بمنطقة عين المريسة في بيروت، على رصيف الكورنيش، شوهد رجل يفترش الأرض ويحيط به كلابا نثر أمامها فتات خبز لتأكله.. في تصريح مصور تحدث صاحب الكلاب فقال عن نفسه أنه من السوريين اللاجئين منذ أعوام في لبنان، وأن اجتياح جيش العدو للمنطقة الجنوبية التي كان يقيم بها، أرغمه على الانضمام إلى قوافل النازحين إلى بيروت.. وأضاف أنه فقد كل شيء، ولا يجد ما يطعم به نفسه وكلابه، وأنه ليست لديه الرغبة في التخلي عن كلابه، فعلاقته بهم أكثر مما يمكن أن نتصور.. يقول.. وأنه ينوي العبور معها إلى سوريا إذا توفرت له إمكانية العودة لبلاده. *** مراسلون أجانب عمدوا إلى التقاط عدد من الصور التي ظهر فيها أطفال يحملون بين أذرعهم وأياديهم قططاً، أو يجرون خلفهم كلابا.. كما انتشرت صور لأشخاص نازحين معهم أقفاص بها طيور وعصافير.. *** "أنا سعيد لأنني أستطيع أن أفعل شيئاً ما الآن"، تصريح لشاب ألماني من أصل لبناني في الثلاثينيات من عمره، تطوع ضمن منظمة إغاثة تقدم الطعام مجانًا للنازحين في بيروت. يقول هذا الشاب إن مبادرته الإنسانية هي أفضل له بكثير من الجلوس في المنزل ومشاهدة الأخبار. يتحدر الشاب من إحدى البلدات في جنوبلبنان التي اجتاحها جيش العدو الإسرائيلي.. أما وظيفته الرئيسية فهي طاهٍ في السفارة الألمانية في بيروت. اليوم يعمل محيو الجوهري (هذا اسمه) في مطعم Nation Station الذي يقدم وجبات ساخنة للنازحين، ويقع في محطة وقود قديمة. *** الجيش الإسرائيلي يواصل اليوم محاولات التوغل الى الخيام وسط تحليق للطيران الاستطلاعي. خريطة الإخلاء، كما ذكرت رويترز، تظهر أن المناطق التي يشملها أمر الإخلاء الإسرائيلي في بعلبك بها آثار رومانية. وأهالي بعلبك الآن ينزحون وزحمة سير خانقة في سوق بعلبك. *** في تصريح صحفي أشار رئيس نقابة مكاتب السفر والسياحة جان عبود، إلى أن "كل الناس تعلم أن شركات الطيران العالمية قد أوقفت سفر طائراتها إلى لبنان، ولا يوجد سوى شركة واحدة تعمل هي الشركة الوطنية MEA. لقد تراجعت حركة العرض بشكل كبير جدا بعدما كان يأتي إلى لبنان أكثر من 50 شركة طيران ولا يوجد اليوم الا شركة واحدة هي "شركة طيران الشرق الأوسط" (الميدل أيست).. هذا بالإضافة إلى الحالة المتأزمة والحرب النفسية التي تعيشها الناس. لقد عاشت شركة طيران الشرق الأوسط اكتظاظا كبيرا لأن الناس كانت تريد الخروج من لبنان بالاضافه إلى الجاليات الأجنبية التي كانت سفاراتها تدعوها للمغادرة فورا.. *** ما هذا الإذلال؟ … ما هذا الذل المهين؟ … ماذا تقدر الناس أن تفعل؟ … لوين .. لوين يا الله.. (إلى أين.. إلى أين يا ألله…) (من صرخات أهل بعلبك). *** لبنان يتهاوى أمام مرأى العالم.. وأمام مرأى "أشقائه" العرب.. وأصوات الحيوانات أجراس إنذار تنبه بوقوع الأسوء… وأسوء من هيك؟! ما فيش! (الأربعاء 30 أكتوبر 2024)