منذ أواسط القرن الماضي والقضية الفلسطينية تشكل مادة دسمة في السياسة الخارجية الأمريكية بل إن استراتيجياتها العسكرية أرست قواعد تدخلاتها على هذا المعطى وتعاقب الحال على ذلك، مع توالي الحزبين الجمهوري والديموقراطي على البيت الأبيض ، والكونغرس ، لذا نجد ملف الشرق الأوسط والذي أضيف اليه الملف الإيراني النووي يشكلان أهمية استراتيجية في السياسة الأمريكية خاصة لما تمثله إسرائيل في المنطقة كبوابة لكل تدخل سريع ولعب هذا الكيان دور الدركي العسكري والمخابراتي لمراقبة كل المنطقة لحماية مصالح الولاياتالمتحدة الاقتصادية والسياسية ورعاية الأنظمة العربية التي تعتمد كثيرا في أمنها واستقرارها على أمريكا . لذا سخرت الولاياتالمتحدةالأمريكية كل طاقاتها السياسية والديبلوماسية والعسكرية ، لتشكل محور كل التطورات والتغيرات في هذا الملف الذي طال أمده عبر كل التطورات السياسية والاقتصادية بالشرق الأوسط ، ولم تحرز الدبلوماسية الأمريكية أي تقدم في الصراع القائم وهذا ما وجب طرح السؤال الكبير لما وجب أن يكون الحل بين أيدي أمريكا ؟ والكل يعلم أن السياسة الخارجية وكل السياسة الأمريكية أسست قواعدها على مسألة الشرق الأوسط في تفاصيلها أي انها همها مركز بشكل أساسي في مراقبة دقيقة لما يجري في هذه المنطقة كما لو كان ترابها تجري كل أحداثه .لهذا ظلت القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في مختبر السياسة الخارجية والبيت الأبيض والكونغريس ووزارة الدفاع الأمريكية ، تطبخ كل وصفاتها ولكن دون حلول فعلية ومنصفة للطرفين ، بل إن هيمنة عقلية الكيل بعدة مكاييل على قضية احتلال أرض لها أصحابها ومازالوا منذ 1948يطالبون بكل الوسائل الحصول عليها لكن أمريكا لها مصالح كبرى لا تمر بالضرورة على حل هذه القضية ولا يكون بالضبط عبر قيام دولة فلسطينية بجانب الكيان الإسرائيلي بحدود سنة 1967يلي ، ولكن بالرغم من قرارات الأممالمتحدة بخصوص هذا الشأن لم تجد التطبيق ولا التنفيذ ، لن أمريكا لها مواقف متحيزة للكيان الصهيوني بشكل واضح وصريح خاصة في السنوات الأخيرة حيث لعبت دورا مهما في طرح اتفاقية أبراهام للالتفاف على المقترحات والقرارات التي اتفقت عليها وصادقت عليها الأممالمتحدة والتي تعترف بقيام دولة فلسطينية بحدود 1967 . وهكذا ظلت القضية الفلسطينية ، تتراوح مكانها بل وتعقدت بشكل أصبح الحل شبه مستحيل في ظل التطورات المتلاحقة والتي غيرت من ملامحها الأولى بحيث كانت ومازالت إسرائيل هي المسؤولة في نقض اتفاقيات أوسلو 1994 ولم تتوفق من بناء مستوطنات في الضفة الغربية وتشديد الحصار على غزة وكل الضفة الغبية ، ومحو معالم الأقصى ومنع المصلين المسلمين فيه ودفع بأفواج من المستوطنين المتطرفين بحماية من الجيش الإسرائيلي والقيام بأعمال الاعتداء على المقدسيين تحت انظار العالم الذي لا يتحرك كانه أصبح الصمم والعمى كلما تعلق الأمر بفلسطين وشعبها الذي صار مهددا بالإبادة الجماعية التي شرع في تطبيقها في غزة ولبنان . وللإشارة فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يكن وليد سابع أكتوبر كما تحاول ان تبرزه قصاصات الأنباء المتصهينة بل هو صراع من أجل تحرير الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل التي لم تكن موجودة أصلا ولا أثر لها لولا تكتل القوى الاستعمارية، والبريطاني على راسها من أجل مصالح اقتصادية وطاقية بالمنطقة خاصة عندما اكتشف البترول والحاجة الملحة لتحريك مصانع الغرب وتزويد جيوشها بالنفط والغاز. وطبعا احيط ذلك كله بمصالح أنظمة محلية تغلب عليها تكوينات قبلية وعائلية وتغيب عنها أساليب الحكم الديموقراطي مما أغرقها في أحضان الولاياتالمتحدة ومن بعد في أحضان الصهيونية التي تعمل على التوسع وإقامة إسرائيل الكبرى . وعليه ستظل قضية الشرق الأوسط وجوهرها، القضية الفلسطينية قائمة بدون حل منصف وعادل أي بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة وغير ناقصة. وستكون دائما موضوع الحملات الانتخابية الرئاسية للولايات المتحدةالأمريكية ولكلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي يتلاعبان بها ويتقاذفانها بينهما هذا يؤيد وذاك يعارض تارة وتارة أخرى هذا يعارض وذاك يؤيد، والزمن السياسي يطول وعذابات الشعب الفلسطيني تطول وتتعمق. كل ذلك من أجل إقامة توازنات لصراعات في الشرق الأوسط واوهام حلول دبلوماسية لا أساس لها واقعيا على الأرض. بل مجرد ربح للوقت والعمل على ربح الزمن السياسي والدبلوماسي ليتم قدف كرة القضية الفلسطينية من ولاية الجمهوريين الى ولاية الديموقراطيين ولا أحد يحسم في حل القضية وفي جوهرها الذي هو قصية تصفية استعمار بالدرجة الأولى وتقرير مصير شعب وبذلك تظل إسرائيل الحليف الاستراتيجي بل الأخ الذي لم تلده الأم الأمريكية ولا العم سام ، بل ولدته المصلحة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية والمخابراتية ولادة قيصرية لكائن سياسي لا أصل له ولا فصل بل عبارة عن كائن جمعت كل أطرافه من بقاع العالم تح يافطة دينية لا أساس لها من الصحة ، شعب الله المختار، واعدت له العدة ليكون القوة الرادعة لكل تغيير يمس المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ،ولكن ذلك التغيير لما كانت مصر جمال عبد الناصر وعراق صدام حسين وي حافظ الأسد وليبا معمر القذافي ، بالرغم من استفرادهم بالحكم فهم على الأقل تشبثوا بسيادة أوطانهم وهوياتهم العربية والقومية التي تآمرت عليهم الألة الجهنمية الصهيونية واسقطتهم لتقيم أنظمة تابعة وذيلية لا معالم لها ولا ملامح تستمدها من شعوبها المغلوبة على أمرها والمقموعة وفقا لأوامر أجنبية كل وفق نفوذه وتعلقه / وكان التغيير في منطقة الشرق الأوسط ممكن بوجود النظام العالمي الثنائي القطبية بوجود الاتحاد السوفياتي ، لكن بعد مرحلة غورباتشوف و تفكيك الاتحاد السوفياتي من قبل الغرب وامريكا ، أصبحت الساحة الدولية ملعبا تستفرد به الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية الغربية فارغة وتمكنت الولاياتالمتحدةالأمريكية من إحكام الاستفراد بالصراع في الشرق الأوسط باعتبارها الوحيدة التي تملك مفاتيح الحل لكل الملفات العالقة بهذه المنطقة بما فيها ملف ايران النووي وحل القضية الفلسطينية وتقزين النفوذ الإيراني في الخليج .. وصار في ظل هذا الوضع حل المشاكل في المنطقة من المستحيلات، خاصة لما نجد أن التغيير السياسي في البلاد العربية بالرغم من كل المحاولات لم تجد طريقها للنجاح . فكل المحاولات التي بم العويل عليها كما هو الحال عند اندلاع الثروات العربية والتي اطلق عليها الربيع العربي إلا انها سرعان ما تحولت الى خريف عربي وعادت الأنظمة العربية أكثر قمعية مما كانت عليه وذلك بدعم من الدول الغربية وامريكا التي تعمل ليل نهار لتظل تلك الأنظمة على حالها تمسك بيد من حديد على زمام الحكم دون ترك مساحة ولا مكان للحرية ، ويعود الفشل السريع الذي تلى تلك الثورات لعدة أسباب منها غياب القيادات المنظمة والمثقفة وعدم التحاق التنظيمات الحزبية والنقابية بتلك الثورات بل هناك من قابلها بالرفض والمعاداة والتشكيك فيها ، وان القمع والتحايل السياسي كانا اقوى من مؤطري الثورة لتلافي ذلك الفشل الذريع ، ولقد كانت تونس هي الأمل الوحيد المتبقي لقيام تلك الثورة من بين كل الدول العربية وشمال افريقيا ولكن لما جاء قيس سعيك خابت كل الآمال . وفي ظل هذا الإطار العام للوطن العربي المتسم بانعدام الحريات وهيمنة الحكم الفردي وتمسك العسكر بالة الحكم سواء كانت ذات طبيعة نظام ملكي او أميري أو جمهوري فان الأوضاع متشابهة تماما. ومن هنا نفهم لماذا ظلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها دون حل عادل منذ1948.لأن أمريكا شكلت منذ ذلك الزمن في ذهنية النخب السياسية العربية أنها تمك مفاتيح حل هذه القضية ، لأنها بالنسبة للأنظمة العربية هي صديق استراتيجي على نفس المسافة التي هي عليه مع الكيان الصهيوني ، والواقع هو غير ذلك تماما ، بل إن ما يجمع الأنظمة العربية وحكامها هي المصالح غير المتكافئة بالطبع ، لأن العلاقة ليست بالأساس علاقة رابح – رابح على كل المدد القريبة والبعيدة . وبالتالي ستظل القضية الفلسطينية بدون حل عادل لأمد طويل، ولن تتغير الساحة السياسية بالشرق الأوسط إلا بحدوث تغيرات جذرية في العقلية العامة لشعوب المنطقة وتعي أن وجودها كهوية وقوميات وإثنيات مهددة في صميم وجودها بوجود كيان لن تقوم له قائمة إلا بطمس هويات ووجود الشعوب المحيطة له بل وإبادتها كما يفعل اليوم. والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ليس لها أفق بعيد بدعمه للكيان الصهيوني المادي والعسكري والسياسي عوض أن تحاول دفعه لنهج سياسة مرنة وتحد من طغيانها الذي يضاعف الكراهية والرفض المطلق لشعوب المنطقة كلها لهذا الكيان على المدى البعيد وهذا ما يضع إسرائيل في خانة الرفض الدائم عبر كل الأجيال القادمة ، والقوة لست حكرا على أحدا لأن العالم يتطور كل يوم ، وما العبرة من استمرار صمود المقاومة التي لم تكن بالأمس القريب لا تملك بندقية أصبحت لها صواريخ ومن صنع محلي ،وها هي المقاومة صامدة رغم المشاركة الفعلية لأمريكا والدول الأوروبية لهذا الكيان في حرب إبادة تعيد للأدهان الهمجية بل ,اكثر مما عرفها التاريخ المظلم للإنسانية ،وفتح خزائن الدول الغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية ، ترساناتها الحربية بدون قيد أو شرط للمولود المدلل والذي سوف يجر العالم لحرب عالمية ثالثة هذه المرة ستتكون حربا نووية بامتياز إن شاركت فيها روسيا وكوريا الشمالية وايران. هل للولايات المتحدة أن تفطم إسرائيل وتقف موقفا محايدا ؟لا لأن أمريكا في الحقيقة تعتبر إسرائيل مجرد قنطرة لتمر لمصالحها في الشرق الأوسط ، ومن يعتقد من حكام العرب أن أمريكا صديقة للعرب فهو واهم. .