يرى كاتب مصري أن فرنسا تمثل نموذجا لما يطلق عليه "التمثيل الجنسي للاستعمار" منذ نشط مفكروها وفنانوها التشكيليون في التركيز على ما يلوح في الخيال الأوروبي عن الشرق في القرن التاسع عشر. يقول ممدوح الشيخ في كتابه (الاستشراق الجنسي) إن بعض المفكرين والرحالة في كتاباتهم عن الشرق الذي كان مجهولا لشعوبهم آنذاك صوروا المرأة الشرقية كائنا "يقدم المتعة" وإن الغرب كان يحتاج إلى هذا التكريس لتبرير احتلاله للشرق الذي تم تصويره على أنه "المؤنت الأبدي" والأدنى تحضرا. ويضيف أن الشرق كان مصدر تجديد لبعض التشكيليين ومنهم الرسام الفرنسي يوجين ديلاكروا (1798-1863) الذي أبرز في بعض لوحاته "العلاقة المتواطئة للفن بالأيديولوجيا الاستعمارية" منذ رحلته الأولى إلى المغرب عام 1832 برفقة الكونت شارل دي مورناري المبعوث الرسمي لملك فرنسا لويس فيليب إلى سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن. ويرى أن رحلة ديلاكروا لم تكن سياحية أو فنية منزهة عن الأغراض السياسية ولكنها تمت "تحت غطاء المؤسسة الاستعمارية التي ينتمي إليها الفنان... جسد في لوحاته الاستشراقية الموضوعات التي كانت تشغل المخيلة الأوروبية ذات الطابع الغرائبي" مثل قصور الأمراء وأجنحة الحريم. ونشطت دراسات الاستشراق منذ نهاية السبعينيات بعد صدور كتاب (الاستشراق.. المعرفة. السلطة. الإنشاء) للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935-2003) الذي ذهب فيه إلى أن الاستشراق ليس مجرد خيال أوروبي متوهم عن الشرق ولكنه "كيان له وجوده النظري والعملي وقد أنشأه من أنشأه واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة. وفي كتابه الذي صار مرجعا ذكر سعيد أسماء نجوم في الفكر والأدب "كانت لهم آراؤهم المحددة بشأن الامتياز العنصري والإمبريالية ومن اليسير إدراك تأثيرهم في كتاباتهم" ومنهم المؤرخ توماس كارلايل (1795-1881) والفيلسوف جون ستيورات مل (1806-1873) والشاعر ماثيو آرنولد (1822-1888) والروائيون جوستاف فلوبير (1821-1880) وتشارلز ديكنز (1812-1870) وجورج إليوت (1819-1880). وكتاب (الاستشراق الجنسي) يقع في 112 صفحة متوسطة القطع وأصدرته (دار ابن رشد) في القاهرة. ويقول المؤلف إن الجسد الأنثوي كان الأكثر حضورا ودلالة في لوحات المستشرقين وخصوصا من الذين شكلت لهم (ألف ليلة وليلة) مرجعية وجدانية ألهبت خيالهم عن الشرق ونسائه حيث استمرأوا "التلاعب بصورة الحياة الشرقية" على نحو يتسم بكثير من المبالغة. ويضيف أن مشاعر الأوروبيين إزاء المرأة الشرقية كانت متذبذبة بين الشفقة والرغبة فهي مضطهدة ومقهورة أو متهتكة تستلقي عارية في تراخ وكسل. وفي رأيه أن المجتمعات تعرف من خلال الأزياء التي يرتديها مواطنوها وأن الحجاب "تحول إلى معركة ضخمة عبأت قوى الاحتلال (الفرنسي في الجزائر) من أجلها أغزر الموارد وأكثرها تنوعا وأظهر فيها المستعمر قوة مذهلة." ويضيف أن الفرنسيين "عملوا على بذل أقصى مجهوداتهم ضد ارتداء الحجاب بوصفه رمزا لتمثال المرأة الجزائرية" طوال احتلالهم للجزائر الذي بدأ عام 1830. ويرى أنه بعد تهاوي عروش الملكيات بأوروبا حدث "تطرف أشد عنفا" فازدهرت الأعمال الفنية التي عنيت بالجسد. ويقول إنه مع بزوغ عصر التنوير في أوروبا "جاء العري كاسحا... أصبح هناك غابة من الأجساد العارية المرسومة أو المحفورة... أصبح الجسد -ذو الشكل المتعارف عليه بأنه النموذج الكامل- الرمز الأعلى للإيمان الأوروبي."