تعيش العديد من الأقاليم على الصعيد الوطني على وقع انقطاعات متكررة في الماء الصالح للشرب، وهو ما يخرج المتضررين في احتجاجات تطالب بإيجاد الحلول وحمايتهم من العطش، مع تعالي الأصوات المطالبة بالعمل على ترشيد استغلال هذه المادة الحيوية. وتشهد العديد من المدن مثل تيفلت وخريبكة وسطات ومير اللفت وعدة جماعات بتاونات وأحياء بمراكش وآسفي وجرسيف وغيرها، انقطاعات متكررة، وهو ما يثير سخط الساكنة، خاصة وأن هذه الانقطاعات تتزامن مع موجة الحر التي تزيد من الطلب على الماء.
وتتفاقم المعاناة مع الماء في العالم القروي، حيث تضطر الأسر في الكثير من الجماعات إلى الانتقال مسافات طوال من أجل الحصول على ما لا يكاد يسد الحاجة من الماء، وحتى صنابير السقايات التي تم تزويد بعض الدواوير بها، لا تذر ولا قطرة ماء لعدة أيام في الأسبوع، وهو ما يزيد من احتماليات الهجرة القروية، كما تنبه إلى ذلك عدة تقارير، بما فيها تقارير أممية. وتستيقظ ساكنة عدة مدن على انقطاعات مفاجئة في الماء، في حين تلجأ بعض وكالات توزيع الماء إلى إصدار إعلانات حول موعد الانقطاع، كما هو الشأن بمدينة سطات حيث أعلنت الوكالة المستقلة للتوزيع الماء والكهرباء أن التزويد بالماء الصالح للشرب سيتوقف ابتداء من الساعة العاشرة ليلاً إلى حدود الساعة السادسة صباحا من كل يوم، وذلك نتيجة ندرة المياه التي يشهدها الإقليم، داعية إلى ضرورة الحفاظ على هذه المادة الحيوية وترشيد استعمالها في كافة النشاطات اليومية. هذه الانقطاعات المتكررة اضطرت المواطنين ببعض القرى والمدن للخروج والاحتجاج، كما هو الشأن في مدينت تيفلت، حيث احتج بعض المتضررين على الانقطاعات المتكررة في الماء، بالتزامن مع تنظيم مهرجان تيفلتبالمدينة، وهو نفس الحال بعدة مناطق أخرى، حيث تستنكر الساكنة المتضررة صرف الميزانيات في المهرجانات، وترك الناس عرضة للعطش. ولا يتوقف الأمر على الانقطاع، بل يصل إلى حد الاشتكاء من التزويد بماء غير صالح للشرب، كما هو الحال بمدينة مراكش، حيث أصدر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بلاغا يطالب فيه بحق ساكنة تامنصورت وجماعة حربيل بالماء الصالح للشرب وفق معايير الصحية المنصوص عليها في المواثيق الدولية. ونبهت الجمعية إلى أن ساكنة هذه المناطق تعاني لأكثر من سنتين من تغيير لون الماء ورائحته وطعمه وارتفاع نسبة ملوحته، وتعبر عن تخوفها من إمكانية عدم احترام المعايير الصحية للماء، وما لذلك من تداعيات صحية، وخصوصا مع ارتفاع حالات الأمراض الباطنية والتوجسات المرافقة لغياب التوضيح الكافي من طرف المسؤولين عن القطاع. وتوقفت الجمعية على كون جماعة حربيل الملاصقة لمراكش تعاني من نذرة المياه الصالحة للشرب، ولازالت تعتمد على أسلوب الصهاريج لإيصال الماء لبعض الدواوير. وتزامنا مع أزمة العطش، سجل ذات المصدر سوء تسيير وتدبير ندرة المياه، من خلال استمرار حفر الآبار بطرق عشوائية في عدة مناطق مما يتسبب في استنزاف الفرشات المائية، واستمرار سقي ملاعب الكولف المنتشرة بالمدينة والتي يصل عددها إلى حوالي 21 ملعبا أغلبها ملاعب ب 17 حفرة وضمنها واحد ب 22 حفرة، علما أن هذه الملاعب تستهلك كميات كبيرة من المياه، كما يستمر تشييد مسابح ضخمة في ضواحي المدينة تستعمل لما يسمى المنتجعات السياحية، وغيرها من اساليب الاستغلال المفرط للمياه الصالحة للشرب، مقابل نقص صبيب المياه. وإلى جانب الجمعية الحقوقية تتعالى الأصوات من عدة جهات تطالب بترشيد استغلال الماء، وهو ما وصل إلى حد المساءلة المتكررة للحكومة بالبرلمان، وقد وجهت فاطمة التامني النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار سؤالا كتابيا قبل أيام لوزيري الداخلية والماء تنبه فيه إلى التدبير البشع للماء في ظل الأزمة والندرة. وتوقف السؤال على أن المغرب يعيش على وقع نقص حاد في الماء، بسبب توالي سنوات الجفاف، لكن أيضا بسبب استنزاف الفرشة المائية لسقي الزراعات الموجهة للتصدير، والمشاريع الترفيهية، في وقت يعاني المواطنون من العطش. وفي الوقت الذي لم تفلح فيه الدوريات الحكومية في ترشيد استهلاك الماء، تتوالى المطالب لوضع حد لسوء التدبير، والتعامل بعقلانية وعلمية مع ندرة المياه والحفاظ على الفرشة المائية واستعمالها في حالة الضرورة لمواجهة موجات العطش وقلة الماء الصالح للشرب، ووقف كل استهلاك عشوائي أو غير مجدي للماء، وكل استعمال يضر بالمصلحة العامة للمواطنين، على اعتبار أن الماء ثروة وطنية عمومية ولا يجوز إقصاء أي كان من حق الاستفادة منها، كما أنها غير قابلة للاحتكار والاستحواذ والتفرد في استغلالها.