من جنة خضراء إلى صحراء جرداء، هكذا يمكننا وصف واحة إفران الأطلس الصغير، التابعة لإقليم كلميم، التي تحولت من موقع إيكولوجي مهم بجهة واد نون إلى أرض قاحلة تبكي نصيبها من عيونها المائية الغنية التي كانت إلى الأمس القريب تروي به عطشها وتكتسب به طلعتها البهية. كابوس العطش لم يُصب أشجار ومجاري واحة إفران فقط؛ بل تجاوزه أيضا إلى الساكنة المحلية التي عانت طيلة السنوات القليلة الماضية، وخصوصا خلال فترة الصيف، من نذرة المياه الصالحة للشرب في الوقت الذي كانت تتميز فيه هذه الجماعة بفرشة مائية غنية توازيها أنشطة فلاحية مكثفة يعتمد عليها السكان المحليون في كسب معشيهم اليومي. الجفاف، الذي أضحى يهدد كل شيء حي بإفران الأطلس الصغير، لم يأت من فراغ؛ بل هو تحصيل حاصل لأسباب عديدة، من بينها عشر سنوات من الاستنزاف المستمر للفرشة المائية من طرف منجم "وانسيمي" المتخصص في استخراج النحاس، والذي عمد القائمون على تسييره إلى تغيير مجرى المياه المستخرجة وتعريضها للضياع عوض ترشيدها نحو الاستغلال الفلاحي والاستهلاك اليومي. 10 سنوات من الاستنزاف وفي تعليق له حول هذا الموضوع، قال الفاعل الجمعوي رشيد منفرد إن منجم "وانسيمي" تسبب، منذ إعادة تشغيله سنة 2010، في استنزاف كبير للفرشة المائية في مختلف دواوير جماعة إفران، حيث يعد السبب المباشر في هبوط منسوب المياه وجفاف العيون والآبار الكائنة بالمنطقة، إذ أصبح استخراج الماء يستلزم حفر أزيد من 130 مترا، من أجل استغلالها في الشرب فقط دون غيرها من الأنشطة الفلاحية التي لا تكفي لها بالمرة. ويضيف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه يتم تضييع كميات مهمة من الماء المستخرجة من المنجم على الرغم من مراسلة الفعاليات المحلية لإدارة هذا الأخير قصد تصريف المياه نحو واد إفران من أجل إعادة إغناء العيون الباطنية؛ لكن جميع الطلبات لم تجد طريقها نحو التفاعل الإيجابي. مطالب جمعوية الموضوع نفسه دفع شبكة جمعيات إفران الكبرى إلى رفع مطالب عديدة إلى إدارة "وانسيمي"؛ على رأسها إنجاز دراسة مستقلة للتأثيرات البيئية للمنجم على الفرشة المائية وباقي المكونات الإيكولوجية بالمحيط المنجمي، إضافة إلى وقف كل الأنشطة التي سبق أن أثبتت دراسات سابقة تأثيرها السلبي بأي شكل من الأشكال. وطالبت الشبكة ذاتها، في الوثيقة التي توصلت بها هسبريس، بضرورة العمل على إيصال المياه المستخرجة من المنجم إلى وادي إفران مع إلزامية التحيين الدوري لدراسة إمكانية استغلالها للفلاحة والشرب، إلى جانب تزويد الساكنة المتضررة من العطش بالماء الشروب، خصوصا القاطنة بدواوير تاركا إدران والحوست والطالب سعيد. كما تضمنت لائحة المطالب المستعجلة الموجهة من الهيئات الجمعوية إلى مسؤولي المنجم مباشرة إصلاح العيون بربوع واحة إفران وتقوية شبكة السواقي الخاصة بها بكل من مناطق إكر مقورن وتمنيط وأجواض وإفري وأمدا ليخرت ثم الحريم وأغبالو، فضلا عن حفر آبار السقي وتجهيزها بأنظمة الطاقة الشمسية. الملف يصل البرلمان بدورها، توجهت عائشة لبلق، النائبة البرلمانية عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، بسؤال إلى كتابي إلى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة بخصوص الأضرار الناجمة عن الأشغال بمنجم "وانسيمي" على الفرشة المائية التي سجلت تراجعا تجلى بشكل واضح في تقلص وندرة المياه في الآبار المحلية سواء الفلاحية أو المستعملة لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب. وأشارت لبلق، في معرض سؤالها، إلى ازدياد حدة المشكل في فصل الصيف بسبب ارتفاع الحرارة وحاجة الساكنة إلى هذه المادة الحيوية في الاستهلاك البشري والفلاحي والزراعي، معتبرة أن الإشكال في نظر سكان المنطقة يعود من جهة إلى الهدر الكبير للمياه الباطنية المستخرجة جراء الأشغال الأولية بالمنجم وإلقائها في الطبيعة دون دراسة ودون جدوى، وأيضا جراء آثار عمليات الأشغال الداخلية التي يتم إنجازها بالمنجم من جهة أخرى؛ مما يؤدي إلى التأثير على الفرشة المائية التي ينزل مستواها في عمق الأرض. وأمام الوضع الذي خلف استياء متناميا في صفوف السكان، شددت النائبة البرلمانية على ضرورة إنجاز دراسة حول الموضوع، واتخاذ تدابير لتفادي إهدار الثروة المائية، وحماية الساكنة من العطش والنشاط الفلاحي المحلي من الإفلاس. كما تساءلت عائشة لبلق عن التدابير والإجراءات التي تنوي الوزارة الوصية على قطاع الطاقة والمعادن اتخاذها من أجل حماية سكان المناطق المحاذية لمنجم "وانسيمي" من الأضرار التي تتسبب فيها الأشغال الجارية به على الفرشة المائية بمحيطه المجالي. رئيس الجماعة ينفي وقصد نيل رأي الجهات المسؤولة، اتصلت هسبريس بالمحفوظ حجي، رئيس جماعة إفران الأطلس الصغير، الذي نفى في تصريح للجريدة معاناة الساكنة مع العطش، مشيرا إلى أن جميع الدواوير تتوفر على صبيب كاف من الماء الصالح للشرب، باستثناء دوار إد علي الحاج الذي كان يعاني من شح المياه قبل تدارك الموقف عبر حفر بئر خاصة به مؤخرا. وفي الوقت أقر فيه رئيس المجلس بوجود تأثير طفيف للجفاف على المجال الزراعي بالمنطقة، أكد أن منجم "وانسيمي" ليس السبب الأول والأخير للاستنزاف الذي عرفته الفرشة المائية؛ بل هو نتاج لعوامل عديدة، على رأسها انعدام التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة وغيرها من المسببات التي تسري على جماعات مجاورة عديدة. أما بخصوص الجواب عن سؤال المياه التي تعرف طريقها نحو الضياع بعد استخراجها من منجم "وانسيمي"، فقد أوضح المحفوظ حجي أن الجماعة راسلت الإدارة المعنية من أجل إخضاع عينات المياه المستخرجة للخبرة والمعالجة قبل توجيهها نحو إغناء العيون الباطنية. واعتبر رئيس جماعة إفران، في ختام تصريحه لهسبريس، أن التضخيم الذي يعرفه هذا الملف من بعض الجهات له خلفيات سياسية محضة، تزامنا مع الاستحقاقات الانتخابية الجماعية لسنة 2021.