دلاح زاكورة.. علامة تجارية، وإن كانت غير مسجلة في السجلات التجارية، فأنها حققت لنفسها شهرة وطنية. فجودة هذه الفاكهة وحلاوتها ليست محل نقاش، والطلب عليها كبير، والتجار يصيحيون في الأسواق بأن دلاح زاكورة لا يحتاج إلى "طبع ". من أي يأتي إذن؟ وكل تكلف هذه الفاكهة هذا الإقليم الصحراوي من مياه؟ وما علاقة تنامي ضيعات البطيخ بأزمة الماء التي اجتاحت المنطقة؟ هذا هو موضوع هذا التحقيق: إن أول الصعوبات التي صادفناها أثناء إنجاز هذا العمل كون إقليم زاكورة ينتمي إداريا إلى جهة سوس ماسة درعة. لكنه من " الناحية المائية " ينتمي إلى جهتين مختلفتين. فالحصول على معلومات رسمية تتعلق بالآبار و والأثقاب والفرشات والتوزيع المائي وغير ذلك، يتطلب تنقلا كثيرا بين زاكورة، أكادير و الراشيدية. ذلك أن الإقليم يشمل حوضا درعة و المعِيدر المائيَّين. حوض درعة تابع لوكالة يوجد مقرها بأكادير ويشمل جزءًا من زاكورة المركز وأكذز والفايجة و شريط وادي درعة عموما. وحوض المعيدر يشمل جزءًا من زاكورة والنقوب وتازارين وتاغبالت ، وهذا الحوض تابع لوكالة يوجد مقرها بالراشيدية. ثاني الصعوبات وأَطْرفها يتعلق بالفلاحين الذين يبخلون بالمعلومات التي تتعلق بإنتاجهم، أرباحهم، ومجمل نشاطهم. فتراهم يُبالغون في نفخ فواتير التكاليف والصوائر خوفا على أرزاقهم من عَينِ الحُسّادِ، وكذلك لإلتباس العلاقة التاريخية التي تربطهم بالمخزن. فأغلبية الفلاحين ينظرون إلى كل من يحمل أوراقا ويقصد ضيعاتهم مهما عبّر عن "سِلمية أهدافه " بأنه مجرد جَابي ضرائب متنكر في جُبّة باحثٍ أو مُحقّق. ولا نلومهم في ذلك فقد عاش أغلبهم زمنا يستطيع فيها مجرد موظف بسيط في جماعة قروية مهما صغُر شأنه أن يبتزّهم ويأخذ "حقّه " و"حق" رؤسائه من المكوس والضرائب دون أن يصل ذلك إلى خزينة الدولة. لذلك فكل من يقصد ضيعاتهم ويطرح عليهم بعض الأسئلة مهما حاول التنكر فنظرتهم تجاهه لا تخرج عن هذه الصفة مهما كانت غايته نبيلة وقصده شريف. تعددت الروايات والأزمة واحدة.. هناك رواية مُتداولة بهالة كبيرة ترَوّج بين السكان في المقاهي والأسواق والمجالس، مفادها أن زراعة الدلاح المنتشرة مؤخرا بإقليم زاكورة هي التي استنزفت الفرشة المائية الباطنية، وتسببت في كل هذا العطش الذي جعل حياة سكان الدواوير خارج مجرى درعة في جحيم. فهُم الذين يعانون يوميا مع ندرة الماء الصالح للشرب يرون في هذه الزراعة المستحدثة وبالاً عليهم وعلى نخيلهم وبهائمهم العجاف. الجمعيات المهتمة بالشأن المحلي والبيئي بالإقليم تدق نواقيس الخطر وتحذر من مخاطر هذه الزراعة وتبذيرها للمياه وبأنها آخر زراعة يجب أن يفكر فيها الفلاحون في هذه المنطقة الصحراوية. وفي الجهة الأخرى من الموضوع يرى المستثمرون في هذا القطاع والفلاحون من أرباب الضيعات أن نشاطهم مشروع وتضمنه المواثيق، وأن الجفاف مرده قلة التساقطات، وبأن كل هذه الأصوات التي تعالت مؤخرا ليست سوى أدوات بين يدي لوبيات فلاحية أخرى خاصة من مناطق سبّاقة إلى زراعة الدلاح في تادلة وسوس وشيشاوة بهدف إستغلال ورقة الماء لمنعهم من مزاولة نشاطهم الفلاحي، خاصة وأن دلّاح زاكورة صنع له مكانا في السوق الوطني، ويتم تصديره نحو أسواق خارجية، وأضحى منافسا قويا لرواد هذه الفاكهة الصيفية في ربوع المغرب. من هنا جاء هذا التحقيق، لا ليؤكد هذه الرواية أو ينفي تلك. ولا يكون أداة بطش بيد هذا " اللوبي " أو ذاك.. لكن لينتصر للحقيقة، على الأقل حقيقة العطش التي يعيشها سكان دواوير عديدة استنزفت مياههم الباطنية ومياه أبنائهم وأحفادهم بينما أباطرة الدلّاح يُصدّرون المياه في جُلَل خضراء مخططة بالسواد يصل وزنها أحيانا 25 كيلوغرام .. نزول حاد لمستوى المياه سنة 1978، كان التنقيب على الماء بمنطقة الفايجة آخر ما يشغل بال الفلاحين. الأمر لا يكلف سوى حفر 8 أمتار على أكثر تقدير. حينئد كان عدد الآبار بكل تلك المنطقة كلها 34 بئرا فقط. المزروعات في أغلبها معيشية، قمح، ذرة وشعير وبعض الأشجار المثمرة...وكان البطيخ الأحمر Citrullus Lanatus وغيره من الفواكه التي تنتمي لعائلة Curcurbitaceae يزرع ، لكن ليس بغرض تسويقي. فقط لإشباع الحاجة اليومية من هذه الفاكهة الصيفية التي تحتوي على 92% من وزنها من الماء. تم الإستثمار في زراعة الدلاح بهدف تجاري بمنطقة الفايجة أول مرة سنة 2003. المحصول كان جيدا والمردودية كانت مبهرة، مما شجع فلاحين آخرين على خوض غمار تجربة زراعية تذر الملايين دون أن يأبهوا لذلك. تضاعفت المساحة المخصصة للدلاح لتلتهم مساحات شاسعة وليصل ثمن العقار في فيافٍ لم تكن سوى مرتعا للذئاب إلى أرقام فلكية. إلتهم الدلاح جل مساحة الفايجة، ونزح المستثمرون من سوس ومن أماكن أخرى وظهرت الصراعات على أراضي الجموع. وكعدوى انتقلت هذه الزراعة المغرية إلى مناطق أخرى من الإقليم كأنكَام، بويزكارن، ميرد، بني خليل، فم العشار، أوجيال ، أفرا، تانومريت، تيوريرين، زاوية الفضل، النقوب، تازارين... لاقت هذه الزراعة تشيجع المصالح الفلاحية سيّما مع تخصيص دعم للفلاحين لتجهيز بقعهم الفلاحية يتمثل في تعويض مادي 100% لتكاليف التجهيز للمساحات الأقل من 5 هكتارات. و 80% للمساحات الأكثر من 5 هكتار. سنة 2006 هبط مستوى المياه الجوفية بمنطقة الفايجة من 8 أمتار إلى 24 مترا؛ ليصل في 2013 إلى 43 مترا. وبلغ عدد الآبار أزيد من 1130 بئرا. قد يبدو تأثير النشاط الفلاحي المتزايد على شريط وادي درعة جليّا، لكن التأثير أكثر حدة في مناطق خارج الواحة كتازارين وتاغبالت والنقوب. مما يؤكد فرضية تجدد فرشة محيط وادي درعة مقارنة بالفرشة المائية خارج مدار الوادي التي تأثرت بشكل مهول. يؤكد بعض الفلاحين بمنطقة تانومريت ( 30 كيلومتر عن مركز تازارين) يؤكدون أن مستوى المياه في أعماق الآبار انخفض ب 40 مترا مباشرة بعد تنامي النشاط الفلاحي لفاكهة البطيخ الأحمر بأوجكال التي تبعد عن تانومريت ب 10 كيلومترات عن تانومريت، بل إن 5 آبار من أصل 47 بئرا قد جفت بنفس البلدة. نفس الشيء بأمراد جماعة أيت بوداود حيث هبط مستوى المياه الجوفية ب 48 مترا. جفاف أزيد من 540 بئرا بكل من عبدي، أم الرمان، تامساهلت، تيوريرين، ملال، أيت مسعود، النقوب... جفاف عين تقات ن بني علي بين تاكنيت وفزواطة في 2013 لأول مرة في التاريخ. جفاف ساقية كجور، وساقية تاڭرسيفت .. هل يكون الدلاح سبب كل هذا أم أن هذه الفاكهة التي تنعش المستهلكين في حر الصيف بريئة من كل هذه التهم؟ كيلوغرام من الدلّاح يستهلك 95 لتر من الماء لا يخجل أبدا مسئولو الفلاحة الذين طرقنا أبواب مكتبهم في التصريح بملء الفم : ليس لدينا معلومات عن هذا الجانب! ليس لدينا أرقام مضبوطة! لا علم لنا بهذا الأمر! أحيانا يقول أحدهم مراوغا " بأن دراسة في هذا الموضوع الآن طور الإنجاز ". ولم يكن أمامنا سوى مُلازمة الفلاحين على قلة من فتح ضيعته في وجهنا لحساب الكمية التي يستهلكها زراعة هكتار واحد من هذه الفاكهة، منذ سقي الأرض قبل زرع البذور إلى عملية الجني. وخَلُصْنَا إلى أن هكتارا واحدا يستهلك 6000 متر مكعب من الماء باستعمال تقنية الري بالتنقيط وتتضاعف الكمية عندما يتعلق الأمر بالسقي بالغمر. وهذا يعني أن كيلوغراما واحدا من البطيخ الأحمر يحتاج ما مُعدّله 95 لترا من الماء، ويحتاج أكثر من ذلك في مناطق أخرى حسب نوعية التربة. أي أن دلاحة واحدة تستهلك من طن إلى طنين من الماء حسب وزنها الذي وصل في ضيعات أوجكال (جماعة تازارين) إلى 30 كيلوغرام في بعض البطيخات. الدلاح أقل استهلاكا للماء ولكن! يدافع موظفو المصالح الفلاحية بزاكورة عن زراعة الدلاح، ويصرون على أنها أقل استهلاكا للماء، شأنهم في ذلك شأن الفلاحين وأرباب الضيعات المستثمرون في هذا المجال. وهذا أمر صحيح. فرغم كل هذه الضجة المُثارة فإن الدلاح أقل استهلاكا للماء عكس مزروعات أخرى في المنطقة كالفصة مثلا التي تستهلك 20ألف متر مكعب للهكتار الواحد أي أربعة أضعاف ما يستهلكه هكتار واحد من الدلاح. وإذا قلنا بأن كيلوغرام واحد من الدلاح يستهلك 95 لترا من الماء فإن كيلوغراما من الحناء يستهلك 455 لترا من الماء! وكيلوغرام واحد من القمح يكلف 195 لتر من الماء كي ينضج. ثم إن هذه الزراعات الأخرى تُسقى طوال السنة بينما الدلاح لا يدوم سقيه سوى أربعة أشهر فقط. فالقمح والفصة والحناء والنخيل كلها مزروعات تستهلك أكثر مما يستهلكه البطيخ الأحمر إذا نظرنا من هذا المنظور المتعلق ب عدد اللترات لكل كيلوغرام واحد. كل هذا صحيح ، لكن مشكلة زراعة البطيخ الأحمر هي الشساعة. فضيعات البطيخ الأحمر تقترب من إلتهام 2000 هكتار من المساحة الفلاحية فيها 1300 هكتار نواحي زاكورة وحدها في السنة الماضية. ما يعني أن زراعة الدلاح تكلف هذه المنطقة ما يقارب 12 مليون متر مكعب سنويا. وهذه الكمية تمثل خُمس الموارد المائية السطحية لدرعى الوسطى. حسب المعلومات الواردة في المخطط المديري للتهيئة المندمجة للموارد المائية لحوض درعة، من خلال دراسة منجزة على الفترة بين 79 و2003. مدينة عَطشى تصدّر نحو الخارج فاكهة 92% وزنها من الماء قَد لا يثيرك منظر البائعين المتجولين في زاكورة، فهذه الفئة من التجار توجد في كل مدينة ومدشر. لكن حتما سيثيرك منظر بائعي الماء المتجولون، وهم يطوفون الأحياء لبيع الماء الذي جلبوه من آبار دواوير مجاورة لإرواء حاجة السكان التي ترى بأن ماء الصنابير لا يصلح سوى للغسيل. بسبب تغير طُعمه، ولإنقطاعه اليومي لقرابة 10 ساعات في اليوم. سيارات مكشوفة (پيكوبات) محملة ببراميل من مختلف الأحجام لبيع هذه المادة لساكنة زاكورة . مشكل العطش لا يوجد في مركز زاكورة وحده، بل في ضواحيها، خاصة في واحة تازارين حيث الفرشة المائية لا تتجدّد، وإنما يعتمد السكان على المياه الجوفية: ونذكر هنا على سبيل النمذجة معظم الدواوير التي تنتمي لجماعة تاغبالت: دوار أيت حدّو، ألمو، ايت يزو ، أيت مناد، تقشّا، أيت عيسى وبراهيم، تلاكلو، ايت اسفول وتغوليدت .ولا يقتصر الأمر على جماعة تغبالت، بل يشمل العطش دواوير تنتمي إلى جماعة تازارين كتيماريغين، املال، أم الرمان، تامساهلت.. جماعة اكتاوة بها دواوير لا تتزود من الماء سوى مرة في الشهر. على مرمى حجر من كل هذه الدواوير المذكورة التي تئن تحت وطأة العطش، توجد ضيعات فلاحية للبطيخ الأحمر، ضيعات تم استحداثها في الغالب منذ سنتين أو ثلاث، وتستفيد من كامل التسهيلات التي تخولها السلطات المحلية والمصالح الفلاحية، بعض هذه الضيعات هي في الأصل لمنتخبين محليين كما هو الشأن بالنسبة لأوجيال والفايجة. مجهزة بالكهرباء وبآبار في أعماق تصل أحيانا 300 متر، وتتجاوز ذلك في أماكن أخرى. الدواوير تعاني شح المياه الصالحة للشرب. وبعضها بحكم الحفريات العميقة لم يجد السكان من بديل عن استعمال ماء أجاجية تبلغ نسبة الملوحة بين 4 و 10 غرام في اللتر بسبب تماس المياه مع الطبقات الجبسية. وقد تفاقمت أزمة هذه الدواوير عندما عمد ملاكو هذه الضيعات إلى حفر ثقوب عميقة، مما أدى إلى نزول مستوى المياه وجفاف الآبار التي يجلب منها السكان مياههم الصالحة للشرب، علما أن آبار الدواوير في أغلبها لا تتجاوز 40 و50 مترا. تعقّب الماء من طرف المواطنين ومضاعفة الثقوب والحفريات للتزود بالماء الصالح للشرب جعل العديد من الدواوير تصل إلى مياه ذات لون وطعم غريب. أحيانا يكون مالحا وترتفع حموضته بشكل لا يطاق. وقد سجلت جمعية صحية أن دواراً قرب تازارين يعاني 98% من سكانه الذين استفادوا من فحص مجاني من ارتفاع ضغط بسبب ملوحة الماء. التنقيب عن الماء : خروقات وتجاوزات بالجملة في التاسع والعشرين من أكتوبر تم عقد لقاء بعمالة زاكورة لتناول موضوع حفر ثقوب دون رخصة وتذكير المتدخلين بالعقوبات الزجرية لكل من خالف القوانين. وإن تم رفض 85 طلبا بحر ثقوب جديدة بمنطقة الفايجة، ورفض 21 طلب من أصل 60 طلب بمنطقة تازارين فإن عملية حفر ثقوب ما تزال تعرف خروقات واسعة. فالحفر يتم ليلا وتتغاضى عنه السلطات كما صرّح بذلك مواطنون كثر ومن بينهم الجمعوي أحمد السعدي الذي إلتقته هسبريس بتنومريت حيث صرّح بقوله" أولا هناك من يقوم بحفر الآبار بدون ترخيص، ثانيا أن هذا الترخيص إن وجد يستعمل دون وجه حق لحفر عدة آبار ، ثم حفر آبار في إحداثيات غير تلك المحددة في الترخيص، لأن وكالة الحوض المائي لا تتحرى الدقة في وضع الإحداثيات، وغياب مراقبة لعملية الحفر من طرف السلطات المحلية. وعدم احترام العمق المحدد في الرخص، كما يتم منح رخصة حفر ثقوب عميقة لغير ذوي الحقوق. " وقد تزامنت زيارتنا لتنومريت (نفود جماعة أيت ولال) أثناء إنجازنا لهذا التحقيق يوم 27 نونبر 2013 مع إحتجاج مجموعة من ممثلي جمعيات لدوار تنومريت و تملالت وممثلي الجماعة السلالية على ما يسمونه " قيام شخص من غير ذوي الحقوق بحفر ثقب في أرض تابعة لجماعتهم السلالية ليلا، مُدعيا شراءه لهذه القطعة الأرضية ". وقد رفع المحتجون شكاية إلى كل من السلطة المحلية بالنقوب، ورئيس دائرة أكذز وعامل الإقليم و مدير وكالة الحوض المائي كير زيز غريس بالراشيدية، مطالبين فيها المسؤولين بوضع حد لمثل هذه الممارسات، والتدخل لتصحيح الوضع ومحاسبة المتورطين في خرق القوانين المنظمة لحفر الثقوب و منح شواهد الإستغلال. وقد نقلنا هذه الحادثة التي تتكرر كثيرا إلى السيد عبد الرحمان محبوب مدير وكالة الحوض المائي كير زيز غريس بالراشيدية، وسألناه عن الإجراءَات المتخدة في مثل هذه الحالات فذكّرنا بالمادة 104 من قانون 10.95 المتعلق بالماء التي تنص على " أن معاينة المخالفات لمقتضيات قانون الماء ونصوصه التطبيقية تُعهد علاوة على ضباط الشرطة القضائية إلى الأعوان المعينين لهذا الغرض من طرف الإدارة ووكالة الحوض المائي والمكلفين " . السيد محبوب أوضح أن سلطات زاكورة وتازارين من يجب عليها أن يضع حدا لمثل هذه السلوكات المنافية للقانون ما دامت الوكالة لا تملك سيارة ولا إمكانيات مادية تتيح لها مراقبة ناجعة لكافة الأراضي، علما أن نفوذ وكالة الحوض المائي كير زيز غريس يشمل تقريبا 58000 كيلومتر مربع. الأراضي السلالية: تُبَاعُ وتُشْتَرَى في زاكورة! زراعة الدلاّح أسالت لُعاب المستثمرين داخل زاكورة وخارجها، والوعاء العقاري المستصلح لا يستحمل تزايد الطلب على الضيعات، ولا حلّ أمام الفلاحين سوى استصلاح ضيعات جديدة في الأراضي السلالية. تُعرَّف الأراضي السلالية بأنها تلك الأراضي التي تعود ملكيتها للجماعات السلالية أو القبائل أو الفخدات أو دواويير تتمتع بالشخصية المعنوية ويقدر عددها بالمغرب ب 4563جماعة سلالية. وتقدر مساحتها الإجمالية بالمغرب ب 15 مليون هكتار. ومن المبادئ الأساسية التي تحكم النظام العقاري لهذه الأراضي عدم قابليتها للتفويت، خاصة ما جاء في الفصل 4 من الظهير الشريف المؤرخ في 26 رجب 1337 الموافق 27 أبريل 1919 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات الأصلية وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها حسب ما وقع تعديله و تتميمه. إلا أن الفصل 11 جاء باستثناء، يتيح التفويت للدولة و للجماعات المحلية و للمؤسسات العمومية أو الجماعات السلالية بهدف إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة. أراضي الجموع: طبول حروب بَيْقبلية تُقْرعُ.. فأين السلطات؟ إذا كانت مصالح الوصاية قد عملت على سن مسطرة واضحة ومضبوطة فيما يخص عملية التفويت، واعتبرت أي تفويت خارج الإطار المذكور أعلاه غير قانوني فإن الواقع في زاكورة لا يحترم هذا الظهير، وبيع الأراضي السلالية جارٍ على قدم وساق منذ ظهور زراعة البطيخ الأحمر، ففي منطقة أوجيال ( نفوذ قيادة تازارين) تم تفويت أراضي سلالية لغير ذوي الحقوق تحت غطاء تفويت شهادة الإنتفاع، كما تم تفويت 30 هكتار لأحد السوريين بمنطقة دوكو (نفوذ قيادة النقوب) .كما أن معظم الأراضي التي يتم استغلالها لزراعة الدلاح في منطقة الفايجة تحت غطاء الكراء هي أراضي سلالية جرى تفويت جزء منها بطرق ملتوية. حيث تفيد مصادرنا أن هذا الملف اغتنى منه مسؤولون محليون سابقون بتازارين والنقوب وزاكورة وانتقلوا إلى أماكن أخرى عن طريق التأشير على عقود البيع و شواهد الكراء والإنتفاع من مساحات هي في الأصل أراض سلالية مقابل مبالغ مالية كبيرة.. ذلك أن التأشير على عقد " البيع" هذا يتم من طرف 5 أشخاص هم على التوالي : نائب الأراضي، المقدم، الشيخ، موظف بالجماعة القروية، ثم قائد المنطقة. لقد جعلت زراعة البطيخ الأحمر مشكل الأراضي السلالية يطفو على سطح الشأن المحلي بزاكورة، حيث يمكن إعتباره قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة. فغياب أي تدبير قانوني جدي وصارم للموضوع ومحاسبة المتورطين جعل بعض الأشخاص يراكمون الثروات من هذا الملف. ومن المؤكد أن هذا الملف سيخلق مواجهات دامية بين القبائل المختلفة، وبين أفراد نفس القبائل بسبب التوزيع غير القانوني لهذه الأراضي لزراعة البطيخ: ففي بمنطقة أَحْدْجمي على بعد 7 كيلومتر من إِمِي نْ واسيف، يتم توزيع أراضي الجموع دون إعمال المسطرة المنصوص عليها في " دليل نواب الأراضي " الذي أصدرته وزارة الداخلية في 2008. دون جرد لذوي الحقوق، فقط من يحتج يتم إسكاته بقطعة أرضية يحدد معالمها وإحداثياتها أشخاص مجهولي الصفة، دون إحترام لما جاء في المساطر القانونية المنظمة لهذا الشأن. في صمت مفضوح للسلطات الوصِية التي كان يجب عليها أن تتدخل لحماية ذوي الحقوق من النساء والأرامل والرجال، وتجنبا لكل احتقان اجتماعي مستقبلي. وفي أيت خلفون ( نفوذ جماعة أفرا) عجّلت الرغبة في زراعة الدلاح بتقسيم ما تبقى من الأراضي السلالية، إلا أن التوزيع شمل البيض دون السود، مما جعل الفئة الأخيرة تحتج بعمالة زاكورة مطالبة بحقها في توزيع هذه الأراضي. وقد تكرر الأمر كثيرا في بؤر كثيرة ومن الوارد جدا أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه إذا لم تتدخل الوزارة الوصية لإعمال القانون ومحاسبة المتورطين. أصدقاء البيئة : نحن ضد المافيات الفلاحية إلى جانب تنسيقية المجتمع المدني بتازارين التي تضم جمعيات عديدة، هناك جمعيات بزاكورة المركز، ما فتئت تصدر بيانات تحاول أن تسلط الضوء على زراعة الدلاح وأزمة الماء بالمنطقة. ومنها جمعية أصدقاء البيئة والتي يقول رئيسها جمال أقشباب في تصريحات للجريدة "بأن زاكورة عرفت قبل سنتين تسيبا في حفر الأثقاب، ولم تكن تخضع لمراقبة أي وكالة من الوكالات المائية، إلى أن وصل عدد الآبار إلى 7000 بئر في مجموع ثراب زاكورة " . وبخصوص الإتهامات الموجهة لهذه الجمعيات بكونها ليست سوى " بيادق يحركها لوبي فلاحي لمنع الفلاحين المحليين من الإستثمار في زراعة البطيخ " يقول السيد أقشباب: " نحن ضد المافيات الفلاحية القادمة من سوس ومن مناطق أخرى بهدف استنزاف الفرشة المائية الباطنية بالمنطقة، ولست أبدا ضد الفلاحين الصغار المحليين، لأنهم لا يستفيدون شيئا. بالعكس الفلاحون الكبار القادمون من مناطق أخرى والذين فُوتت لهم أراض شاسعة وإن كانت أراضي سلالية هم من يستفيد أكثر ولا يتبقى للفلاحين الصغار غير الفتات". فالمنطقة يوضح رئيس جمعية هذه الجمعية معروفة بقلة التساقطات وبضعف المخزون المائي والدلاح أَزّمَ الوضع أكثر، فلأول مرة ينقطع الماء الصالح للشرب في زاكورة خلال فصل الخريف والشتاء." إلتقينا السيد المناصفي في زاكورة، أول من أدخل زراعة البطيخ الأحمر إلى المنطقة، وأول من استتثمر في زراعة هذه الفاكهة بهدف تسويقي منذ سنة 2003 بمنطقة الفايجة، ورد على إدعاءَات الجمعيات البيئية التي تعارض هذه الزراعة الحديثة بقوله " أغلب هؤلاء يتحدثون من فراغ، ولا علم لهم باستهلاك الماء، وليس لديهم أي إحصائيات وكلامهم غير مبني على أي دراسة، وأنا أتحداهم إن كان هناك من قدم تكوينا أو يوما تحسيسيا للفلاحين. المناصفي الحاصل على إجازة في البيولوجيا والمستثمر في المجال الفلاحي أكد للجريدة " بأن التمر يستهلك 1126 لتر من الماء لإنتاج كيلوغرام واحد، والدلاح بريء من كل هذه التهم، هناك نقص تساقطات، هناك ضغط على الفرشة المائية، أما المزروعات الأخرى فهي أكثر إستهلاكا للماء من الدلاح". من أجل إستفادة تازارين الكبرى من مياه وادي درعة الثقوب في حدود 80 متر بمنطقة الفايجة، لكن الفُرشة المائية الباطنية في منطقة الفايجة بحسب مختصين غير مرتبطة بالتساقطات التي تعرفها المنطقة وإنما تتغذى من تساقطات وثلوج منطقة تاليوين ووديانها. عكس الفرشات المائية بمنطقة تازارين التي استنزفت بالرغم من غياب أي مصدر للتجديد وتغديتها، فقد وصل الفلاحون أعماق 310 متر في مجموعة من المناطق، حتى وهم يحصلون على تراخيص بألا تتجاوز الثقوب 120 مترا يظهر تأثير الجفاف واستنزاف الفرشات المائية الباطنية في المناطق التي توجد خارج واحدة زاكورة، وتبتعد عن مجرى وادي درعة ذلك أن هذا الوادي يغدّي الفرشاة المائية الباطنية. وحات النخيل تحتضر بسبب نزول مستويات المياه إلى أعماق لم تعد جذور النخلة تصلها وانعدام التساقطات، والجمتع المدني يدق ناقوس الخطر لإيجاد حل لتازارين الكبرى وتجديد الدعوة إلى جر جزء من مياه وادي درعة نحو منطقة تازارين لإنقاذ الواحة من الموت المنتظر. واد تزارين بمنطقة "إمي نسيت أو رافد من روافد واد تزارين مثل (بويكلزن) في اتجاه جبل (أغرد ن زاور) مع مد المناطق المجاورة بسواقي للاستفادة كذلك من مياه السد، وهذا السد سيتمكن من حجز كمية كبيرة من مياه الفيضانات التي تعرفها المنطقة في بعض الأحيان مثل سنة 2009و2010، والاستفادة منها في تغذية الفرشة الباطنية وبالتالي تنميته كماً ونوعاً مما يوفر لاستمرارية للمشاريع التنموية المختلفة بالمنطقة (زراعة الحناء، البطيخ الأحمر، النخيل...)، كذلك تنشيط السياحة الواحية. كل ذلك يساهم بشكل كبير في استقرار سكان واحة تزارين الكبرى في قراهم وعدم الرحيل عنها"بحسب رأي الناشط رضوان حدويدن. أما المامون حساين فيرى أن الحل في "التعديل الوراثي للنخيل مثلا قصد أن يتلاءم مع المناخ الجاف للمنطقة، التشجيع على توظيف التقنيات الحديثة(الكوتاكوت) وذلك بمساهمة الدولة كما في باقي مناطق المغرب، بناء قناة باطنية من واد درعة أو زيز تصب في حالة الفيضان في واد تزارين، اعادة النظر في طرق استغلال الفرشات المائية (نموذج شركة استخراج المعادن بمنطقة مجران مثلا)." أما الباحث أحمد صدقي، فيرى أن حل الجاف الذي تعاني منه المنطقة يتجلى في " إحداث سدود بالمنطقة وسيمثل ذلك القاعدة الأساسية للتدبير المائي بالمنطقة ، ويمكن من حماية الساكنة والأراضي الزراعية والمنشآت الهيدروفلاحية والسياحية من الفيضانات، سقي مساحات السقي الصغير والمتوسط وتنمية وتطوير النشاط الفلاحي وتوسيع الأراضي الزراعية. دعم القطاع السياحي بخلق عروض سياحية جديدة مرتبطة بالسد وبحيرته. توفير مياه الشرب لمناطق الخصاص المائي خصوصا في جنوبالإقليم. تطعيم الفرشة المائية الباطنية. الإنعاش الإقتصادي العام للمنطقة . ثم إحداث قنوات الجر وهي قنوات ستمكن من نقل مياه الشرب من مناطق الأطلس الكبير خصوصا من السد المرتقب في اتجاه جنوبالإقليم وخصوصا حوض المعيدر ومناطق أخرى بالإقليم الموسومة بإشكالات الخصاص في مياه الشرب. وتعتبر هذه الدعامة بمثابة الحل الحقيقي والجدري لإشكالات الخصاص في مياه الشرب، وستمكن من تحقيق هدفين أساسين: درء الأشغال الترقيعية المكلفة جدا والغير مفيدة التي تتم سنويا على شكل تنقيبات جديدة وحفر الآبار وتعميقها. فكما سبق ذكره وبالنظر إلى الرأي العلمي والتقني فتلك الأشغال تعتبر عديمة الجدوى ومبددة للموارد المائية. إرساء شبكة ذات بعد استراتيجي لتزويد المناطق المعنية بالماء الشروب بشكل مضمون وتابت. ثم مشاريع مشابهة وهذا النوع من الإجراءات قد أعطى أكله بشكل يشهد عليه الجميع في كثير من مناطق المغرب التي تعرضت لإشكالات مماثلة في إطار مشاريع من ابرزها: مشروع تزويد وجدة بالماء الشروب، مشروع تزويد الناظور بالماء الشروب، مشروع تزويد طنجة وتطوان انطلاقا من القصر الكبير، مشروع تزويد سيدي افني ومناطق أيت باعمران بالماء الشروب المشاريع الجديدة في إطار التصور أو الإنشاء مثل مشروع تزويد مناطق بن كرير ومراكش بالماء الشروب انطلاقا من سطات. وفي تعليقه على ما يمكن تسميته اللاعدالة المجالية في توزيع السدود بالمغرب وتركزها في مناطق دون أخرى، ومطالبة السكان في زاكورة وتازارين بإنشاء سدود تلية لإنقاذ المنطقة يقول السيد محمد فسكاوي مدير وكالة الحوض المائي لسوس ماسة درعة أن اللاعدالة مصدرها السماء، فحتى لو تم إنشاء سدود بماذا ستملأ، فالتساقطات في زاكورة لا تتعدى 60 ملمتر في السنة، ومعدل التبخر 3000 ملمتر في السنة. وعن تزويد تازارين بمياه وادي درعة يقول السيد مدير الوكالة المائية، بأنه حتى وإن كانت تازارين لا تنتمي لنفوذ حوض درعة فإن مخططا متوسط المدى سيشمل تازارين في الأفق بغاية تزويدها بالماء الصالح للشرب القادم من سد يبنى أعلى أكذز. أما السيد عبد الرحمان محبوب مدير وكالة حوض كير زيز غريس فقد علقّ عن مطلب تزويد تازارين بساقية من مياه وادي درعة بأن ذلك يحتاج قرارا سياسيا، لأن كل حوض تابع لوكالة، وبخصوص تزويد مجموع دواوير تازارين بالماء الصالح للشرب خاصة مع ارتفاع ملوحة الماء وتغير لونه وعدم صحيته يقول السيد مدير وكالة كير زيز غريس بأن مخططا في الأفق سيشمل تزويد تازارين بالماء الشروب القادم من سد سيبنى في تامتتّوشت قرب تنغير. وعن مطالب إنشاء السدود بالمنطقة يقر السيد محبوب بأن دراسة تم إنجازها شملت المنطقة والجميع في انتظار نتائجها وأن سدودا ستبنى في حدود الإمكانيات المتوفرة والأولويات المسطّرة.. فهل ضاعت تازارين وزاكورة بين مخططات وكالة أكادير ووكالة الراشيدية؟ أم أن السماء وحدها تستطيع أن تنقد النخيل المحتضر والسكان الذين يهاجرورن الواحد تلو الآخر؟ لفاكهة الدلاح أثر إيجابي على اقتصاد الإقليم، نظرا لما يمنحه من هامش كبير للربح للفلاح وللوسطاء وتجار الجملة والتقسيط وأصحاب وسائل النقل والعمال المياومين وغيرهم، فهو يوفر فرص شغل موسيمية بأجر محترم، خاصة في فترات الجني وفترات الغرس والمتابعة، ويخلق رواجا كبيرا لعدد لا يستهان به من العائلات. فالمستثمر/الفلاح يربح ما بين 6 و 10 ملايين للهكتار الواحد، و تجار الجملة يحصلون على ما بين 3 و 4 ملايين سنتيم كربح صافي عن كل هكتار، ولا مجال لمقارنته بأي زراعة محلية أخرى. وسواء انتشر الدلاح في المنطقة أو انتشرت أي زراعة أخرى، فإن الموارد المائية للمنطقة لا تستحمل ارتفاع استهلاك الماء فلاحيا، وأن التفكير لا يجب أن ينصب حول تغيير الزراعات وإيجاد بدائل زراعية فقط، وإنما إيجاد حلول آنية لإرواء عطش القرى المنكوبة، والتفكير بشكل جدي على المدى المتوسط لبناء سدود لتخرين الماء، وبحيرات وسدود تلية بناء حواجز للإستفادة من مياه الفيض وتعبئة الفرشات المائية. المائية المنهوكة وتغيير السلوكات الفلاحية وطرق السقي التقليدية. تغيير السلوكات والانماط الزراعية السائدة في المنطقة وجعلها اكثر ملاءمة لظروف الخصاص المائي،سواء من حيث المزروعات المتداولة او من حيث تقنيات الري التي يجب ان تصبح عصرية وتمكن من الاقتصاد في استعمال المياه وإجراء دراسات لمعرفة الإمكانية المائية بالمنطقة. وهنا نشير ايضا الى ضرورة تغيير اشكال وطرق الارشاد الفلاحي حتى يصبح له تاثير حقيقي على الفلاح المحلي وإعادة تكوين المسؤولين الفلاحيين بالمنطقة ليسايروا المنتوجات الحديثة والدخيلة.