سجل مرصد العمل الحكومي غياب أي تصور واضح للحكومة لمواجهة الريع والفساد، كأحد أهم المشاكل التي تتهدد المسار السياسي والتنموي للمغرب، وانعكاساتهما السلبية على الأداء الاقتصادي والمؤسساتي الوطني، مع فشلها في تدبير عدة ملفات. وأبرز المرصد في تقرير له حول "حصيلة الحكومة خلال نصف ولايتها" سلبية الامتناع الحكومي عن التدخل للحد من الانعكاسات الاقتصادية القوية لارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين، عن طريق تخفيف الضغط الضريبي الذي يناهز 40 في المئة من سعر البيع، او عن طريق فرض ضريبة على شركات المحروقات، مع غياب الإرادة الفعلية لديها لمواجهة مختلف اشكال المضاربة والاحتكار التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الغذائية، مما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين. وتوقف التقرير على سلبية التعاطي الحكومي مع تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، فيما يتعلق بضمان استدامته المالية، وعدم قدرتها على تنزيل إصلاحات شاملة مرافقة لهذا البرنامج تضمن انخراط كافة المغاربة، والارتباك المسجل فيما يتعلق بتدبير البرامج الجديدة للتشغيل وعدم وضوح نتائجها وانعكاساتها على وضعية التشغيل، حيث وصلت نسبة البطالة ل 13 في المئة سنة 2023، وخاصة برنامج فرصة الذي رافقته مجموعة من الاحتجاجات القوية من طرف المستفيدين وغياب أي معطى ملموس حول نتائجه. ونبه ذات المصدر إلى التملص الحكومي غير المبرر من تنفيذ التزاماتها المتضمنة في الحوار الاجتماعي وخاصة تلك المتعلقة بالزيادة العامة للأجور وتخفيف العبء الضريبي على أجور العاملين والموظفين، ما بات يهدد السلم الاجتماعي ويدفع الى تنامي الحركات الاحتجاجية، خاصة في ظل التعامل الانتقائي للحكومة مع القطاعات الحكومية فيما يتعلق بتنفيذ هذه الالتزامات. وأكد سلبية التدبير الحكومي للاحتجاجات العمالية، وخاصة إضرابات قطاع التعليم، الذي ابانت خلالها الحكومة عن افتقارها للبعد السياسي واعتمادها على مقاربة تكنوقراطية محضة، إضافة إلى فشلها في البدء في تنفيذ الإصلاحات الكبرى المتوافق عليها في اتفاق 30 ابريل 2022 وخاصة تلك المتعلق بملف التقاعد وقانون الاضراب وقانون النقابات وإصلاح مدونة التشغيل. وإلى جانب ذلك، سجل المرصد غياب أي تصور للحكومة للتقليص من حجم الاقتصاد غير المهيكل، والبطء غير المبرر في تنزيل الإصلاحات الإدارية والسياسية المتعلقة بالجهوية الموسعة وانعكاساتها السلبية على الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مع استمرار ضعف الحس التواصلي لديها. وفي مقابل ذلك، سجل التقرير بإيجاب عدة خطوات حكومية على رأسها التزام الحكومة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية، وإعادة تفعيل الحوار الاجتماعي، وسعيها لتحسين العرض الصحي، مع تثمين الإجراءات الحكومية المتخذة لمواجهة اثار التضخم، ودعم مجموعة من القطاعات المتضررة من الازمة الاقتصادية خاصة القطاع السياحي، والمقاربة الجديدة المعتمدة في دعم السكن، والتحكم الحكومة في المؤشرات الماكرو اقتصادية، وإيجابية المجهود الحكومي فيما يتعلق بالرفع من ميزانية الاستثمار. وفي ظل النقائص التي تخللت الحصيلة الحكومية، أوصى مرصد العمل الحكومي بالعمل السريع على تجاوز العثرات المتعلقة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية بما يضمن استدامته، والتسريع بالإصلاحات المتعلقة بتعزيز تفعيل ورش الجهوية الموسعة، وتعزيز تبني الحكومة للمقاربة التشاركية في انجاز مختلف الاوراش والإصلاحات، مع تسريع الإصلاحات المتعلقة بالانتقال الرقمي بما يعزز شفافية المرفق العام. ودعا المرصد الحكومة إلى استعادة للمبادرة الإصلاحية وتعزيز البعد السياسي في التعاطي مع الملفات الاجتماعية والعمل على تقوية الشركاء الاجتماعيين، والتوجه نحو تبني حوار وطني عاجل حول ازمة التقاعد، والدعوة الى عقد مناظرات للتشغيل. وشدد على أهمية وضع خطة وطنية عاجلة لمواجهة كافة اشكال الفساد والريع، والتسريع بمحاربة أشكال الاحتكار والمضاربة التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الاستهلاكية، مع العمل على خفض مستويات المديونية المقلقة التي باتت تتجاوز 70 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهو ما قد يرهن الاستقلالية المالية للبلاد، إلى جانب تبني إجراءات استشرافية للازمات الاقتصادية المحتملة، وانعكاساتها الاجتماعية المؤلمة.