في الوقت الذي يفاضل فيه المغاربة بين المرشحين في الانتخابات الجماعية والجهوية، التي ستعقد يوم الرابع من شتنبر الجاري، فإن آخرين لا يعنيهم في هذا المشهد السياسي، إلا كيفية الاستفادة من الأموال الوفيرة التي تُنفق خلال الحملات الانتخابية، والترويج لخدماتهم قدر المستطاع. فالحملة الانتخابية، بالنسبة لهم، لا تنحصر في النقاش السياسي المصحوب بالتنافس بين البرامج الانتخابية، بقدر ما هي مناسبة تنتعش معها عجلة الاقتصاد الوطني، بشكل يتيح إنفاقا ضخما ينتج عنه فرص عمل موسمية ونشاط تجاري مهم. المطابع.. الرابح الأكبر المطابع، هي من أبرز المؤسسات التي تنتعش في المناسبات الانتخابية، نظًرا لحجم الملصقات والمنشورت والمطويات، التي يوزعها المرشحون٬ وتفوق أحياًنا قدرتها الإنتاجية، فتضطر للعمل على مدار الساعة وأحياًنا تلجأ إلى خدمات شباب عاطل عن العمل لمساعدتها في الطباعة أو نقل المطبوعات إلى أصحابها و إعداد الملفات وترتيبها مقابل تعويضه عن الأيام التي يشتغل فيها داخل المطبعة، مع تمديد ساعات العمل إلى وقت متأخر من كل يوم، بغية توفير طلبيات الأحزاب السياسية و المرشحين. بوشعيب، هو صاحب مطبعة بالدار البيضاء، يقول في لقاء مع موقع "لكم"، إن العروض تتضاعف إبان الحملات الانتخابية، على كل المطابع دون استثناء، إذ يعمد المرشحون في كل منطقة على إنفاق أموال كبيرة على طباعة صورهم ومطوياتهم بمختلف الأحجام، إضافة إلى الأقمصة التي يطبع عليها اسم الحزب و رمزه، حتى دون الدخول في المساومات عن السعر، تفاديا لضياع الوقت. وأوضح بوشعيب، ان مداخيل المطبعة في الحملة الانتخابية يصل أضعاف مداخيلها طيلة السنة، و تختلف قيمة الأرباح من مطبعة لأخرى حسب قيمة رأسمالها، إذ كلما ارتفع رأسمال المطبعة و توفرت على أكبر عدد من آلات الطباعة و المستخدمين، كلما حصلت على طلبيات أكثر وأرباح أوفر. وأضاف المصدر نفسه، ان مطبعته كباقي المطابع تتعامل مع أكثر من مرشح وحزب، بغض النظر عن برامجهم الانتخابية". واستطرد قائلا :" ليس كل الأحزاب السياسية تقتصر على المطابع الوطنية، بل بعضها استعان بخدمات مطابع أجنبية في الصين لكونها تقدم منتوجا بسعر أقل من الذي تقدمه المطابع الوطنية بلغ مليارات السنتيمات"، دون ذكره لإسم الحزب السياسي ، الذي لجأ صوب المطابع الصينية بالخارج. ليس وحده صاحب المطبعة المستفيد من عملية الطبع -يقول بوشعيب- إنما يستفيد معه مجموعة من أصحاب المهن المرتبطة بالطباعة وتنتعش تجارتهم، مثل محلات القمصان t-shirt التي يشتري منها كميات مهمة ليقوم بطباعة اسم الحزب عليها، وكل الأدوات المكتبية، من رزم الأوراق و أنابيب الحبر...، أي عجلة اقتصادية بأكملها تعرف نشاطا غير معتاد وتحقق مداخيل مهمة. المطاعم و التموين 12 يوما بالكامل، هي المدة المحددة رسميا للحملة الانتخابية، آلاف الشباب و النساء يجوبون الشوارع و الأزقة، بالإضافة إلى تعويضهم المحدد في 100 درهم أو 200 لليوم، حسب المرشح الذي يعملون للدعاية له، يوسف، شاب يافع، واحد الشباب العاملين في حملة انتخابية بالدار البيضاء، يقول ل"لكم"، :نحن صراحة شباب في حاجة إلى تأمين تغذيتنا، حيث اتفقنا مع مطعم للأكلات الخفيفة (سناك) لإعداد 100 سندويتش يوميا في فترة الظهيرة، وفاكهة، بالإضافة إلى وجبة العصر، أي ما يكلف ما بين 3000 و 4000 درهم لليوم"، يقول يوسف. وأضاف، ان "المرشحين يلجؤون لمموني الحفلات أو المطاعم، لتموين تجمعاتهم الخطابية أو "العراضات" والحفلات التي يعدُّونها لاستمالة الناخبين، التي تكلف الملايين وفق المصدر نفسه، إذ يتم كراء الموائد و الكراسي والمواعين ناهيك عن الأطعمة التي يحضرونها". هشام، شاب في عقده الثالث، يشغل مهنة ممون حفلات، إلتقى به موقع "لكم"، على هامش تمويل إحدى الملتقيات الانتخابية بالدار البيضاء، قال انه بالرغم من اشتغاله طول السنة وحصوله على عروض مهمة لتموين الأعراس التي تكثر في الصيف، إلا أن الحملات الانتخابية، تزيد من حجم الطلب، لهذا يعمل العديد من مموني الحفلات على تنظيم مواعيده حتى تتلاءم مع حجم الطلب المعروض بين الأعراس والحملات الانتخابية، التي تتسارع فيها وثيرة و سرعة العمل. ويصل عدد الطلبيات إلى تنظيم وتموين أكثر من ثلاث أنشطة انتخابية في اليوم، وهو ما يتطلب مضاعفة العاملين ولو بشكل مؤقت مقابل تعويض يومي، واستئجار أدوات و أجهزة إضافية من قبيل غطاءات الموائد والستائر والأثواب التي يحتاجها ممون الحفلات والتي تعود عليه في النهاية بأرباح مهمة قد تصل إلى 30 مليون سنتيم من عائدات الحملات الانتخابية. كراء السيارات وكالات كراء السيارات هي الأخرى، لها حظها السعيد، من أموال الآلات الانتخابية، إذ لا تكاد تخلو حملة انتخابية من 3 سيارات على الأقل، و قد تصل إلى العشرات في حملة انتخابية لحزب آخر توفر له من الإمكانيات المادية، فتسعى كل الوكالات إلى تحضير ما في استطاعتها من سيارات صغيرة و رباعية الدفع، لتضعها رهن إشارة كل مرشح راغب في مضاعفة وهج حملته الانتخابية وقادر على دفع السومة الكرائية للسيارات التي تختلف من سيارة لأخرى حسب النوعية و الحجم، التي تقدر في غالب الأحيان ب300 درهم، للسيارات الصغيرة مثل صنف "فياط" و"بيكانطو"، لتصل إلى حوالي 1500 درهم بالنسبة للسيارات الرباعية الدفع، وتحتسب السومة الكرائية بشكل يومي. محمد، صاحب إحدى الوكالات الكبرى، لتأجير السيارات وغسلها، قال ل"لكم" :"لقد استطعت تأجير 10 سيارات مختلفة، خلال الحملة الانتخابية، بخلالف ما كنت أحققه في الأيام العادية، حيث لم أكن قادر على كراء أكثر من 3 سيارات في اليوم، أو أربع في أحسن الظروف، وهو ما سيمكنني هذه الأيام من ربح حوالي 100 ألف درهم من عائدات الكراء و غسل السيارات بعد انتهاء الحملة الانتخابية". هي إذن، مهن عديدة، تنشط و تستفيد من الأموال الوفيرة، التي تنفق في الحملات الانتخابية بالمغرب، وما النماذج المقدمة هنا، إلا الأكثر رواجا وبروزا للعيان، في الوقت الذي ما تزال فيه مهن وحرف وجدت في الحملة الانتخابية موسًما وجب انتهازه على أكمل وجه٬ فنجد الخطاطون و الفرق الموسيقية، ناهيك عن الإقبال الكبير من قبل المرشحين على الإعلان داخل الصحف اليومية٬ حيث يقوم البعض بحجز صفحات كاملة وهامة بشكل يومي لنشر صورهم وإعلاناتهم وبرامجهم الانتخابية، تعود بأرباح مهمة للصحف الورقية والإلكترونية.