أصبح باسيرو ديوماي فاي، الفائز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السنغال يوم 24 مارس الجاري، أصغر رئيس لبلاده وفي إفريقيا. فاي (44 عاما) كان اليد اليمنى لزعيم المعارضة عثمان سونكو، ودخل السباق الرئاسي بدلا من الأخير الذي فقد حقه في الترشح.
قصة فاي الممتدة من دخوله السجن وصولا إلى كرسي الرئاسة لفتت أنظار الكثيرين. فاجأ فاي السنغاليين ليلة 24 مارس بحصوله على 57 بالمئة من الأصوات بحسب النتائج الأولية غير الرسمية، متفوقا على أقرب منافسيه أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم الذي حصل على 31 بالمئة من الأصوات. رغم أن فاي الذي وصف نفسه ب "المناهض للنظام" كرر مرارا مع أنصاره أنهم يتوقعون الفوز من الجولة الأولى، فإن الرأي العام كان يرى فوز فاي في الجولة الثانية. لم يكن فاي اسما معروفا لأحد تقريبا قبل بدء مسار الانتخابات الرئاسية، ما جعله يتعرض لانتقادات جراء قلة خبرته، إلا أنها في الوقت نفسه أوجدت صورة "رجل دولة جديد" في القارة الإفريقية الشابة. على عكس الرؤساء الأربعة المنتخبين، لم يشغل فاي مناصب سياسية مهمة من قبل، ما عزز صورته باعتباره "مرشحا رئاسيا مناهضا للنظام". خطة سونوكو "ب" فاي الذي تم تقديمه على أنه "خطة سونكو ب"، تعود صداقته مع زعيم المعارضة إلى وقت عملهما مفتشي ضرائب، ومن المعروف أنهما كانا على علاقة أخوية منذ ذلك الحين. فاي الذي أطلق على ابنه اسم عثمان تيمنا بسونكو، كان من مؤسسي حزب "باستيف" عام 2014، وشغل بعد ذلك منصب الأمين العام له. وفي أبريل 2023، قبض على فاي بتهمة "نشر أخبار كاذبة" في أحداث الشوارع المتعلقة بسونكو، واحتجز لمدة 11 شهرا. أما سونكو فحكم عليه بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ في القضية المرفوعة في ماي 2023، بتهمة قيامه بالتشهير بوزير السياحة مامي مباي نيانغ، لكن هذه الإدانة لم تمنع حقه في الترشح للانتخابات. أوقف سونكو في يوليوز 2023 بتهمة الاستيلاء بالقوة على هاتف دركي أراد تصويره، ليعتقل لاحقا بتهمة "الدعوة إلى تمرد". بعد وقت قصير من اعتقال سونكو، تم حل حزبه "باستيف" أيضا. حملة انتخابية باسمين تقدم أنصار سونكو بطلب الترشح في ديسمبر 2023 نيابة عن زعيمهم الذي لا يزال رهن الاحتجاز حينها، لكن زعيم المعارضة واجه عقبة قانونية أخرى هذه المرة. نظرت المحكمة العليا في الاستئناف الذي قدمه محامو وزير السياحة نيانغ، وحكمت على سونكو في يناير الفائت بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ. وبحسب قانون الانتخابات، فقد سونكو حقه في الترشح للانتخابات بسبب عقوبة ال 6 أشهر. في ضوء هذه التطورات، تقدم بطلب للترشح للانتخابات الرئاسية إلى جانب فاي، اسم آخر مقرب من سونكو وهو حبيب سي. ورغم أن كلا الاسمين كانا مدرجين في القائمة النهائية للمجلس الدستوري، قرر سونكو وأنصاره التوحد حول فاي. ومع تواصل اعتقال فاي، تم تأسيس "ائتلاف ديوماي" وبدأ أنصار سونكو العملية الانتخابية بشعار "ديوماي هو سونوكو، سونوكو هو ديوماي". طبعت صور فاي وسونكو جنبا إلى جنب على الملصقات الانتخابية، حيث كان الناخبون مقتنعين بأن الصوت الممنوح لفاي قد أُعطي بالفعل لسونكو. تصريحات الرئيس السنغالي ماكي سال مطلع فبراير، بتأجيل الانتخابات إلى 25 من الشهر نفسه، أشعلت فتيل احتجاجات وأحداث شغب في البلاد، فضلاً عن تعرضه للانتقاد من قبل جميع الأطراف السنغالية بما فيها المعارضة. قرار تأجيل الانتخابات ورغم أنه تسبب بفوضى في السنغال، فإنه أهدى أيضاً فاي سبيلاً إلى الفوز، وذلك عبر قرار عفو سياسي أصدره رئيس البلاد بهدف تخفيض التوتر المحتدم في الشارع. وإثر قرار العفو السياسي بدأ إطلاق سراح العديد من الشخصيات البارزة في حزب "باستيف" والمقربة من سونكو، إلى أن وصل الدور للأخير وفاي يوم 14 مارس الجاري. ومع تسرب أنباء قرب الإفراج عن السياسيين المذكورين، خرج أنصارهما إلى الشوارع في موكب استقبال لهما امتد كيلومترات. وبموجب العفو السياسي سقطت عقوبة سونكو التي تعرض لها سابقاً، وأعيد إليه حق الترشح. قرار سال تأجيل الانتخابات الرئاسية ساهم هو الآخر بدور كبير في فوز فاي، حيث إنه لو أجريت الانتخابات يوم 25 فبراير لما كان قد صدر العفو السياسي ولبقي السياسيان المعاقبان بالسجن خلف أبواب الزنازين. ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في فوز فاي أيضاً، إعلان الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد دعم حزبه المعارض "السنغال الديمقراطية" ل فاي في اللحظة الأخيرة. وبهذا يكون فاي أول معارض يفوز بالانتخابات الرئاسية في السنغال من الجولة الأولى. وفي حديثه قال محمد ديوب (23 عاما)، طالب كلية الطلب إن فوز فاي بالرئاسة سيشكل حافزاً مهماً لشباب البلاد. وأضاف أن وصول فاي إلى هذا المنصب سيعزز أيضاً شجاعة الشباب على مستوى القارة الإفريقية، ويعد "مؤشراً على استمرار عمل الديمقراطية في السنغال، على عكس ما هو سائد حول القارة السمراء في هذا الخصوص".