تحمل المسؤولية في واحد من أكثر القطاعات الوزارية حساسية في زمن الحراك الشبابي بالمغرب. دبر شأنا رياضيا راكم عقودا من المشاكل البنيوية واشتغل لسنوات داخل شركات الاتصال بدل مقرات الأحزاب واجتماعات اللجان المركزية. اقتناؤه للسيارات الفارهة وتصريحاته غير المحسوبة جعلته من أكثر الشخصيات الحكومية إثارة للجدل في حكومة عباس الفاسي. غاب بشكل قسري عن الساحة السياسة بعد أن هب نسيم ربيع الشعوب على المملكة قبل أن يطفو على سطح المشهد السياسي بمناسبة الانتخابات الجماعية مدشنا ظهوره بجملة من الأخطاء التواصلية. الوزير "المظلي" إلى حدود 29 يوليوز 2009، تاريخ التعديل التقني الذي طرأ على حكومة عباس الفاسي، لم يكن أحد من متتبعي الشأن السياسي يعرف رجلا اسمه منصف بلخياط. الرجل ومنذ تخرجه من السلك العادي للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولة اختار المملكة العربية السعودية وجهة للعمل. اشتغل هناك كمسؤول للمبيعات بشركة "بي جي"، أواسط التسعينات، قبل العودة الى المغرب لمواصلة مشواره في مجال التسويق والمبيعات والاتصال. اشتغل بلخياط رئيسا مكلفا بالقطب التجاري بشركة الاتصالات "ميدي تيليكوم" ثم بعد ذلك انتقل إلى للعمل كمسؤول في المجلس المديري لشركة "أفريكا تلديس كوم" للاتصالات. عرف بلخياط بأنفه القادر على شم روائح الفرص فتقرب من صناع القرار وخاصة المؤثرين في الاقتصاد الوطني و الماسكين بدفة الاستثمار. تقرب الرجل من محمد منير ماجيدي، المسؤول الأول في الكتابة الخاصة للملك و المالك لعدد من الشركات، فسخر خبرته في إدارة المبيعات و التواصل والإشهار لجمعية مغرب الثقافات، تحديدا مهرجان موازين، كما التحق ب"ولي النعمة" لإسداء نفس الخدمات داخل نادي إتحاد الفتح الرباطي. لم يتقلد منصف بلخياط مسؤولية رئاسة فرع من فروع حزب التجمع الوطني للأحرار بأحد الأقاليم أو العمالات، كما لم يسبق له أن دخل غمار العملية الانتخابية لا على مستوى الجماعات المحلية ولا على مستوى الانتخابات التشريعية. اكتشف المغاربة الوجه السياسي لوزير الشباب والرياضة يوم أعلنت وكالة المغرب العربي للأنباء خبر تعيينه خلفا لزميلته في الحزب نوال المتوكل. أما مصطفى المنصوري، الرئيس السابق للحزب الذي فرض عليه اسم بلخياط ضمن لائحة الوزراء الذين سيشارك بهم في الحكومة، أي حزب "التجمع الوطني للأحرار"، فيتذكر في حوار أجرته مع "الجريدة الأولى"، عام 2009، عندما وقفت سيارة فارهة ذات مساء أمام باب فيلته، ونزل منها شاب قدم نفسه بأنه هو الوزير الجديد في الحكومة التي سيعلن عنها وبأنه سيتولى حقيبة الشباب باسم حزب "التجمع الوطني للأحرار"، وقبل أن ينهي الرسالة المقتضبة التي جاء يحملها أطلق كلمة السر قائلا بأنه "جاء من طرف محمد منير الماجدي"، السكرتير الخاص للملك. ابتلع الزعيم السابق للحزب لسانه، ومثله فعل باقي أعضاء الحزب عندما عرفوا من يسند الوافد الجديد الذي داء ليزاحمهم على مقاعد الوزارة. يقول أحد هؤلاء القادة، فضل التحفظ على ذكر اسمه: "التقى بلخياط بالسياسة على عتبة الاستوزار"، قبل أن يردف "لكنه ليس الوحيد، فعدد من الأسماء بالمغرب مرت عبر نفس الطريق، أي انك لا تبدأ العمل السياسي من الشبيبة ومن تم التدرج في هياكل الحزب، بل تكتشف كل هذه الأشياء عندما ترمي بك الصدفة في غمار المسؤولية الحكومية باسم حزب معين فتسقط على باقي أجهزة الحزب كالمظلي"، le parachutiste، حسب المتحدث الذي تحفظ عن ذكر إسمه. من سياسة التسويق إلى تسويق السياسة تكوين بلخياط الاقتصادي جعله يفكر في الصيغة الملائمة لتخفيف كاهل وزارة الشباب و الرياضة من التبعات المالية الناتجة عن تدبير مؤسسات الشباب والطفولة. محاولته الأشهر، أيام كان وزيرا، كانت هي الرغبة في تفويت جزء من العقار التابع للوزارة وإيجاد رؤية نهائية لتفويض تدبير دور الشباب و المركبات السوسيو رياضية. جرت عليه هذه المحاولة وابلا من الانتقادات قادتها عديد من الجمعيات المهتمة بالشأن الشبابي والتي انضوت تحت لواء شبكة سميت بالائتلاف الوطني لحماية مرافق الطفولة والشباب. لكن أكثر ما شد انتباه المتتبعين لبداية المسار الوزاري للسيد بلخياط هو حالة التلاسن الإعلامي بينه وبين الهيئة الوطنية للتخييم واتحاد المنظمات التربوية على إثر تصريحات للوزير اتهم فيها هذه الجمعيات ب"الزبونية" و "اليسارية". جهله بالمشهد الجمعوي وامتداد جمعيات التخييم الجماهيري و الحزبي جعلته يدخل في لعبة شد الحبل مع هذه التنظيمات قبل أن يكتشف قوة الخصم ليلجأ بعد ذلك إلى نزع فتيل الأزمة بدعوته الجمعيات الغاضبة إلى لقاءات وحوارات متتالية كان من محاورها أهمية إرساء سياسة وطنية للشباب. بدأ الوزير الشاب، بعد ذلك، لقاءات تشاورية حول خطة وطنية مندمجة للشباب بمعية مجموعة من الفاعلين، إلا أن هذه الخطة لم تسلم أيضا من الانتقاد حيث أعتبر مركز "الوسيط للديمقراطية وحقوق الإنسان" في تقريره "حول السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب في المغرب" أن هذه المبادرة لا تستجيب للشروط المؤطرة للخطة المندمجة للشباب كما هو متعارف عليها أمميا. لكن الوزير لم يستسلم أمام منتقديه بل واصل العمل على استكمال خطته متوجا مسار الإعداد بمناظرة وطنية للشباب، نظمت ببوزنيقة، مرت في أجواء صاخبة خاصة وأنها جاءت مع ظهور فاعل شبابي جديد، وصف بالأقوى في تاريخ المغرب، وهو حركة 20 فبراير. احتفظ بلخياط بالضغينة لخصومه المعارضين للخطة حيت وصل به الأمر الى طرد عبد الواحد الزيات، عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الشباب، من بلاطو البرنامج التلفزيوني "قضايا و أراء" دقائق قبل بداية البث المباشر كما فرض بلخياط على طاقم البرنامج إخراج الجمهور الشاب الذي يؤثث فضاء البرنامج خوفا من ردة فعله عندما يبث النقاش على الهواء. على الفايسبوك أو التويتر تجد منصف بلخياط دائم التعبير عن مواقفه وما يجول في خاطره، كما تجده يتفاعل مع تعليقات الشباب على جدار الشبكة إيجابا أو سلبا حسب الآراء المعبر عنها. حضور بلخياط الدائم في الشبكات الاجتماعية خلق له عددا من المعجبين الذين أنشأوا صفحة بعنوان "جميعا من أجل تعيين منصف بلخياط وزيرا أول" كما خلق له خصوما يجتمعون في مجموعة بالفايسبوك عنوانها "منصف بلخياط ديكاج". عندما فاز أحد شباب الحراك المعتقلين بجائزة أحسن مقال على الويب، بمسابقة "ماروك أواردز"، و الذي يحمل عنوان "طاح الشعر و بقات الكرامة" وصفه بلخياط في التويتر بأصغر معتقل سياسي بالمغرب ما جر عليه، نظرا لطبيعة انتمائه السياسي، وابلا من الانتقادات و إبان انتخابات الغرف، هذه السنة، و قبيل انتخابات الجماعات أثار بلخياط زوبعة من التغريدات المنتقدة له بعد نشر فيديو على شبكة اليوتوب يظهر مشاهد باذخة من عرس نظمه لأخيه الأصغر. منصف بلخياط يوجد في قلب اهتمام الصحافة و الشبكة العنكبوتية اليوم مع فيديو جديد وضعه على صفحته في الفايسبوك يدعوا فيه الى التصويت على لائحته الانتخابية بالدار البيضاء واضعا في الخلفية صورة له وهو يقبل يد الملك محمد السادس قبل الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية المقررة يوم 20 غشت الجاري. ومع كل هذا يبقى قيادي التجمع الوطني للأحرار شخصية سياسية مثيرة للجدل، حاضرة في المجال العمومي رغم حداثة عهده بالشأن السياسي يدعو الشباب للمشاركة الحزبية والسياسية، كناخبين ومرشحين في الاستحقاقات الجماعية، رغم أن الرجل لم يلتقي يوما بالعمل الحزبي الا عند عتبة وزارة الشباب و الرياضة بشارع ابن سينا وسط العاصمة الرباط. بذلك يكون الرجل قد انتقل من سياسة التسويق إلى تسويق السياسة.