يحدث أحيانا، ونحن على مائدة الإفطار الرمضانية ونحن نتذوق ما لذ وطاب من محتوياتها، أن يتبادر إلى ذهننا سؤال عن سر أو أصول وصفات معينة، وكيف استمرت عابرة للأزمان، نتناولها ونتوقف فجأة نمعن النظر فيها كأننا أمام لحظة اكتشاف جديدة، ونطلق العنان لتفكيرنا نتساءل عن أول من صنعها، و من أعطاها هذا الاسم أو ذاك، نكرره مرارا و تكرار ونخضعه لقاعدة الأوزان الفعلية علنا نعثر عن اسم قريب يفسر معناه، فيزول بذلك شيء من الغموض حوله. هذا ما قد يحدث لنا مع أنواع من الحلويات التقليدية ذات الأسماء الغريبة، كعب غزال وحلوى الغريبة والشباكية. الشباكية، هاته الحلوى التي لا يمكن لأنف أن يخطئ رائحتها المنتشرة في كل الشوارع والمنازل إعلانا عن اقتراب شهر رمضان، لتتربع سيدة على مائدته. تختلف الروايات حول تسميتها، فتسمى المخرقة والقلي كما يحلو للسلاويين تسميتها أو الغر يوش كما يسمونها أهل الشرق المغربي والجارة الجزائر، لكن تظل الشباكية الأكثر انتشارا. و تعرف كذلك بالزلابية عند المشارقة. قصة حب الشباكية تقول الرواية، أن قصة حب كانت وراء تسميتها بالشباكية، ويحكى أن أصلها تركي، ويحكى أيضا أن أول من صنع الشباكية بائع حلويات متجول كان يجوب الحارات والشوارع ليعرض بضاعته وكان أحيانا يقف تحت شباك أحد البيوت ليعرض بضاعته وكانت تطل عليه من ذلك الشباك فتاة رائعة الجمال و تشتري منه كل يوم مما يبيعه. أعجب البائع بتلك الفتاة و قرر صنع نوع جديد من الحلوى بشكل شباك مُلهمته و غطسها في العسل وقدمها لها هدية يوم ذهب لخطبتها من والدها، فصارت الشباكية رديفة للحب. وعن أصل تسميتها بالزلابية فمنهم من يقول نسبة إلى زرياب الذي أبتكرها عندما سافر إلى الأندلس، ومنهم من يقول أن أحد التجار أمر طباخه بطهي الحلوى فلم يكن في المطبخ إلا الزيت والسكر والدقيق فوضعها في المقلاة وعندما رأى الزلابية غريبة الشكل قال" زلة بيَا!" أي أخطأت في إعدادها طالبا عفو سيده. وتبقى هذه هي الروايات الأكثر شيوعاً بالنسبة لأسم زلابية. الشباكية، كانت حلوى للأغنياء فقط، ولم يكن الفقراء يتذوقونها إلا يومي 14 رمضان و 26 منه أو بمناسبة الأعراس الشباكية، حلوى لم يكن في مقدور جميع المغاربة التمتع بمذاقها الحلو،إذ كانت حلوى للأغنياء فقط، ولم يكن الفقراء يتذوقونها حسب ما جاء في كتاب "شعر الملحون بين ثقافتين العالمة والشعبية" إلا يومي 14 رمضان و 26 منه أو بمناسبة الأعراس، و لم يكن في مقدور أي شخص آخر "غير السفاجة" أن يصنع هذه الحلوى أو يعرضها للبيع. و هو ما لم يعد ممكنا بفعل الزمن، حيث تحولت الشباكية من حلو راق يقدم لأشراف القوم وأغنياءهم إلى حلوة شعبية ، تعد في جميع منازل الأغنياء و الفقراء معوضين عسل النحل بالعسل المصنوع من السكر والأعشاب المنسمة، وأصبح لكل صاحب حنكة في إعدادها الحق في عرضها للبيع، حتى أصبحت الشوارع تعج بالسفاجة والقلاية. وبمدينة فاس، ظهرت حلوى«كعب غزال» التي دأبت النساء المغربيات على صنعها منذ القرن الثامن عشر، حلوى على شكل قوس أو هلال، يقال أنها سميت بذاك الإسم لشبهها بحافر الغزال. وهي حلوى بمكانة خاصة حيث يعتبرها المغاربة سيدة الحلويات التقليدية، و يحرصون على تقديمها متوسطة قائمة من الحلويات اعترافا بقيمتها ومكانتها على رأس تلك الحلويات حتى قال فيها الشاعر المغربي سعد سرحان: «كلما وجدت نفسي عرضة لطبق من الحلوى تمتد يدي تلقائيا إلى (كعب غزال)، فهو عندي تاج الحلويات الذي لن يخلع أبدا. لاسمه نصيب من الشعر، ولشكله سر الهندسة: القوس، أما قلبه فمن معجون اللوز». غريبة لمقاومة الغربة و نظرا لكلفته المرتفعة يظل كعب الغزال لصيقا بالمناسبات و الأفراح على غير «حلوى الغريبة» فكانت حلوى شعبية تحضر على طول السنة مرافقة للشاي، ومع ذلك تجدها حاضرة في كل المناسبات و الأعراس فسميت كذلك لأنها ارتبطت بالغريب الذي يحط الرحال في مدينة لا عائلة له فيها، وكانت تصنع كزاد للمسافرين ليقاوموا بها الجوع أثناء السفر الطويل، كما كانت من بين المأكولات الرئيسية الموجودة في أمتعة الحجاج، وفي غرف طلبة جامعة القرويين بفاس. الغريبة حلوى من أصل تركي،إلا أنها حلوى عبرت القارات لبساطة عناصرها المكونة من الزيت والزبدة، تاركة هامش الإبداع في تحضيرها واسعا حتى أصبحت تصنع منها أصنافا مختلفة من اللوز و الفستق و جوز الهند.. لها عدة أشكال في المطبخ التركي واليوناني، المطبخ الأسباني و المطبخ المكسيكي والمطبخ الفلبيني و المطبخ الأميركي. تتعدد الأصول و الحكايات عن الحلويات التقليدية، لكن المؤكد أنها ليست مجرد حلو يقدم في الأعياد والمناسبات، لكنها في الواقع حكايات مستمرة في الزمن تحمل جزءاً من عاداتنا وثقافتنا، ونجدها لا إراديا تعكس جوا اجتماعيا تشوبه الكثير من المتعة والجلبة المنظمة .