لا يمكن تخيل مائدة الإفطار في رمضان في المغرب، دون الحريرة التي يعتبرها البعض سيدة شهوات هذا الشهر الكريم. ويستغرق الإعداد لهذه الوجبة ساعات، ما يجعل رائحتها الزكية تعم جميع الأمكنة خلال شهر رمضان. ومن مكونات طبق الحريرة المغربية نوعان من الحبوب، وهما الحمص والعدس المعروفان بفوائدهما الكبيرة. ومن الناحية الصحية فإن الحمص يحتوي على البروتين الكامل، ويمكن أن يحل محل فول الصويا، وهو بديل عن الحليب بالنسبة للأطفال الصغار، وإن تناول 50 إلى 60 في المائة من الحمص يوميًا يقدم للجسم مناعة ضد الكثير من الأمراض. أما العدس فهو يعمل على خفض نسبة الكولسترول الضار في الدم، كما يؤمن الحماية من أمراض القلب وتصلب الشرايين، بسبب احتوائه على مركبات نباتية تسمى ستيرول التي تمنع امتصاص الكولسترول الضار من الأغذية وتحول دون تراكمه في الشرايين. وهذه الوجبة، التي تنبعث من جميع البيوت بدون استثناء في رمضان، لا يتقنها إلى ربات البيوت المتمرسات، اللواتي يمارسن الطبخ باستمرار، لكونها صعبة التحضير وتتطلب دقة متناهية في تحديد المقادير اللازم اعتمادها. وتختلف مكونات "الحريرة" من منطقة إلى أخرى، ف "الحريرة" الفاسية ليست هي المراكشية أو الشمالية أو البيضاوية. فلكل منطقة طريقة معينة في التحضير، ما يجعلها تحمل ألوان طبيعية مختلفة بسبب جغرافية كل جهة. تقول ثورية وريسي، ربة بيت، "رغم التعب الذي أتكبده يوميًا في تحضير هذه الوجبة، إلا أنني مضطرة إلى إعدادها لأن زوجي وأبنائي يعتبرون بأنهم لم يفطروا إذا لم يحتسوا الحريرة.. فهي وجبة رئيسية بالنسبة إليهم في رمضان". وأكدت ثورية، أن "أي خطأ في التحضير يضيع مجهودك لنصف يوم كامل سدا، لهذا نوليها العناية الكاملة ونحرص على التدقيق في المقادير حتى لا تفقد لذتها المعهودة. وذكرت ثورية أنه "إذا لم تحضر هذه الوجبة إلى ضيوفك في هذا الشهر الفضيل، فيعتبرون بأنك كمن أهانهم، لأنها تعد من ركائز حسن الضيافة والترحيب بزوارك في شهر الصيام". وتأثر المائدة المغربية بالمطبخ الأمازيغي الأصيل، بالإضافة إلى المطابخ العربية الأندلسية، والمطابخ التي حملها الموريسكيون عندما غادروا إسبانيا، والمطبخ التركي العثماني والشرق الأوسطي، ومطابخ جلبها العرب، ما يجعل شربتها تحمل أشكالا متنوعة من حضارات مختلفة. ومن أشهر الأطباق المغربية هي الكسكس، والبسطيلة، والمروزية، والطاجين، والطنجية، والزعلوك، والبيصارة، الحرشة، والملاوي، والبغرير والحريرة. ولا تخلو الموائد المغربية في الشهر الفضيل من الحلويات، من قبيل كعب غزال (قرون الغزال)، وهي عبارة عن المعجنات المحشوه بعجينة اللوز وتفند بالسكر. حلوى أخرى هي الكعك بالعسل، وهو على شكل قطعة من العجين مقلي ومغمس في إناء من عسل مع بذور السمسم. كما أن لحلوى الشباكية مكانة متميزة في موائد إفطار المغاربة، وهي عجينة تقلى في الزيت، بعد أن تعقد في شكل هندسي متشابك، ثم تغطس في العسل، ويزين بالسمسم. وتعد هذه الوجبات والحلويات، إلى جانب "سلو"، من العادات الرمضانية التقليدية في المملكة، حيث ما زالت بعض الأسر تتشبث بالخصوصية المغربية، رغم ما فرضته الحياة العصرية على المجتمع من متغيرات.