يخلد العاشر من أكتوبر لكل سنة اليوم الوطني للمرأة المغربية، وهي المناسبة التي تتزامن مع الإعلان الملكي عن مضامين مدونة الأسرة الحالية، في الخطاب الذي ألقاه جلالته أمام غرفتي البرلمان سنة 2003، عند افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة. هذا الإعلان يمكن اعتباره نقطة تحول حقيقي في المسار النضالي من أجل حقوق المرأة وفي مسلسل المكتسبات الديمقراطية لمجموعة من القوى الحية في بلادنا، أحزابا سياسية وحركات نسائية حقوقية، حيث تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يحال فيها قانون يهم حقوق المرأة وتنظيم العلاقات بين مكونات الأسرة ككل، للبرلمان للمصادقة عليه. قبل ذلك، عرفت الفترة الفاصلة بين حيازة المغرب على استقلاله وسنة 2003، خروج مدونة الأحوال الشخصية للوجود سنة 1957، وهي المدونة التي خضعت فيما بعد لمجموعة من عمليات الإصلاح عبر تنصيب لجن خاصة بذلك، نجحت البعض منها في إدخال بعض التعديلات الطفيفة التي لم تكن في غالبيتها تستجيب لأدنى مطالب الحركات النسائية، فيما خفقت أخرى في مبتغاها وانتهت أشغالها دون أن تصل لأي نتيجة تذكر. والمدونة الحالية لا تستمد أهميتها فقط من كونها أول قانون خاص بحقوق المرأة والأسرة ككل يمر عبر القناة التشريعية للمصادقة عليه، بل أيضا لما حملته من تعديلات أساسها النهوض بحقوق المرأة، نذكر من بينها أساسا تحديد سن الأهلية للزواج للفتاة والفتى على حد سواء في 18 سنة، جعل الولاية في الزواج حقا للمرأة الرشيدة، وضع الأسرة تحت مسؤولية الزوج والزوجة معا ،تحديد شروط التعدد، التطليق للشقاق، طلاق الخلع وتحديد مبلغ الخلع من لدن المحكمة، حظر الطلاق الشفهي، حماية نسب الطفل في حالة عدم توثيق عقد الزواج، إمكانية تقاسم الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج عند الانفصال، إلى غير ذلك من الحقوق التي تعد بحق مكتسبا للمرأة المغربية، مما جعل الجميع يعتبر هذه المدونة في إبانها ثورة حقيقية. واليوم وبعد 19 سنة من وضع هذه المدونة حيز التطبيق، تأتي الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك لرئيس الحكومة، معينا لجنة للقيام بإصلاح لهذه المدونة، محددا لها سقفا زمنيا لا يتعدى 6 أشهر، وداعيا أعضائها للتشاور حول مقتضياتها مع مجموعة من الفعاليات. هذا في حد ذاته مهم جدا لأنه يبين واضحا اهتمام جلالته بالنهوض بأوضاع المرأة كما عادته دائما وإنصاته للمطالب الملحة لكل الفعاليات الحقوقية التي اعتبرت أن هذه المدونة قد أبانت عن مجموعة من الثغرات والاختلالات وأصبحت اليوم متجاوزة، كما أن تحديد السقف الزمني يبين جليا مدى الأهمية التي يوليها جلالته للزمن الذي يهدر والمرأة لا تتمتع بكافة حقوقها، لأن في ذلك تأخير لعجلة التنمية التي يقع جزء كبير من عبئ تدويرها على المرأة. مطالب كثيرة تلك التي نضعها جميعا كقوى ديمقراطية حية ونتوق لترجمتها لقوانين تحمي المرأة من كل أشكال العنف والتمييز وتصون كرامتها وتفسح لها المجال لتتبوأ المكانة التي هي أهل لها داخل المجتمع المغربي الذي عرف تحولات هامة، فقد غابت اليوم الأسرة الممتدة وخرجت المرأة لسوق العمل حيث تعتبر بنسب غير ضئيلة المعيل الوحيد والرئيسي لأسرتها الخاصة ولعائلتها (الوالدين والإخوة)، كما أنها تساهم بنسب كبيرة في تحسين ظروف عيش أسرتها الصغيرة وأطفالها. هذه المرأة نفسها التي تخوض يوميا معارك ضد العقلية الذكورية المهيمنة، لإثبات ذاتها وانتزاع مراكز القرار في ميادين اشتغالها واهتماماتها سواء في الإطار المهني أو في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو في مساهمتها ضمن فعاليات المجتمع المدني. وكما جاءت المدونة الحالية كنتيجة هي الأخرى للتغيرات التي طرأت على المجتمع آنذاك وللمطالب الملحة والوقفات المتتالية للقوى الحقوقية الديمقراطية، أحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا، دون أن ننسى بطبيعة الحال ما أحدثته خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والتي قدمها آنذاك رفيقنا سعيد السعدي، الذي كان كاتبا للدولة لدى وزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني، مُكلّفاً بالأسرة والطفل، في حكومة التناوب، من رجة في المجتمع كانت بمثابة التوطئة لإخراج المدونة الحالية، فإصلاح هذه الأخيرة له أيضا ما يبرره حاليا، حيث ان مقتضياتها لا تتماشى اليوم مع مقتضيات دستور 2011، وخاصة الفصل 19 الذي ينص على ان "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، كما أنها لا تستجيب في مجموعة من موادها للمواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب والذي هو مطالب باحترامها احترامه للمنظومة الحقوقية الكونية التي تعتبر حقوق المرأة جزء لا يتجزأ منها. ورش إصلاح المدونة مفتوح اليوم، وهي فرصة علينا جميعا اغتنامها بشكل عقلاني وممنهج. نحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بالتحلي بالرزانة وسعة الصدر، بالتفتح وقبول الرأي والرأي الآخر في نقاش هادئ، لتبليغ أرائنا والدفاع عنها لما فيه مصلحة المجتمع المغربي على اختلاف مكوناته، نقاش سمته الاجتهاد المتفتح والتأويل العقلاني الذي يأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على المجتمع ومساهمة المرأة اليوم في بناءه، كما يأخذ بعين الاعتبار كذلك انخراط المغرب في المعاهدات الدولية وسموها على القوانين الوطنية حسب ما ينص عليه دستور المملكة. وطبعا هذا الإصلاح لن يبلغ مبتغاه في حماية المرأة المغربية من كل أشكال التمييز والعنف ما لم يكن مقرونا بإصلاحات هامة أخرى من قبيل القانون الجنائي ومدونة الشغل وغيرها. هي ترسانة قانونية لن تكتمل إلا إذا طال الإصلاح كل مكوناتها. وهنا تجدر الإشارة إلى أننا عندما ننادي باحترام حقوق المرأة ضمن مدونة الأسرة على الخصوص، فنحن واعون كل الوعي أن هذه الحقوق لا يجب اكتسابها أبدا على حساب الرجل، لأن ما ندعو إليه دوما هو المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل بما يضمن استقرار الأسرة وحماية وصيانة حقوق وكرامة كلا الطرفين الزوج والزوجة ويضمن بشكل جيد المصلحة الفضلى للطفل في تناسق واحترام للمعاهدة الدولية التي صادق عليها المغرب والخاصة بحقوق الطفل. نحن مطالبون كذلك اليوم مجتمعا مدنيا وأحزابا سياسية، خاصة التقدمية منها التي تعتبر قضية المرأة جزء من هويتها، كما هو الشأن لنا في حزب التقدم والاشتراكية، بتفسير مقتضيات المدونة الحالية وما نصبو إليه من تغيير في المدونة المنتظرة، حتى لا يتم تداول أي معلومة مغلوطة إما عن جهل أو عن قصدص، الغرض منها خلق البلبلة والتشويش على هذا الورش الإصلاحي الهام. وهو أيضا دور الإعلام المغربي المطالب بفتح الباب أمام الفعاليات المدنية وكذلك السياسية الحزبية على الخصوص لأن مسؤولية التصويت والمصادقة على مشروع هذا الإصلاح يعود لممثليها وممثلاتها في قبة البرلمان. كل 10 أكتوبر والمرأة المغربية بأفضل حال. آملين في أن نكون يوم 10 أكتوبر المقبل على موعد مع مدونة جديدة بنفس إصلاحي، تقدمي ومنفتح يخول للمرأة مجموعة من الحقوق التي ستمكنها لا محالة من إثبات ذاتها داخل مجتمعها ولعب دورها كاملا بما في ذلك المساهمة في المسيرة التنموية على كل الواجهات. *عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء